وكان يقول:
أحببه يحبك أهل الأرضين والسماء،و أطعه يطع لك الجن والإنس ويجف لك البحر والماء ويطع لك الهواء، وكان يقول يا ولدي عليك بالتخلق بأخلاق الأولياء لتنال السعادة، وأما إذا أخذت ورقة الإجازة وصار كل من نازعك تقول هذه إجازتي بالمشيخة دون التخلق فإن ذلك لا شيء، إنما هو حظ نفس، لكن اقرأ الاجازة واعمل بما فيها من الوصايا وهناك تحصل على الفائدة، ويحصل لك الاصطفاء.
وهذه طريق مدارج الأولياء.
قرنا بعد قرن، وجيلا بعد جيل إلى آخر الدنيا.
وكان يقول:
إذا اشتغل المريد بالفصاحة والبلاغة، فقد تودع منه في الطريق، وما اشتغل أحد بذلك إلا وقطع به.
وأما حكايات الصالحين وصفاتهم، فمطالتعها للمريد جند من أجناد الله تعالى ما لم يقنع بها في الطريق.
وكان يقول:
العلم كله مجموع في حرفين أن يعرف العبودية ويعبده، فمن فعل ذلك فقد أدرك الشريعة والحقيقة، وليس في هذا تعطيل العلماء بل العلم ابن للعمل وإنما قلنا ذلك من أجل قول الله تعالى { فاقرءوا ما تيسر منه } ولكل فرقة منهاج وإلا فقد يجمع الله العلم والعمل في رجل واحد يفيد الناس كل الفوائد. فالشريعة هي الشجرة والحقيقة هي الثمرة.
وكان يقول:
الطريق إلى الله تعالى تفنى الجلاد وتفتت الأكباد وتضني الأجساد وتدفع السهاد وتسقم القلب، وتذيب الفؤاد فإذا ارتفع الحجاب، سمع الخطاب وقرأ من اللوح المحفوظ الرموز واطلع على معان دقت وشرب بأوان رقت فكان مع قلبه، ثم يكون مع مقلِّبه، لا مع قلبه لأن الله يحول بين المرء وقلبه، فإذا خرج عن الكل، طال لسانه بلا لسان مع شدة اجتهاده وأعماله الظاهرة، ثم الباطنة، ثم بعد ذلك لا حركة ولا كلام ولا تسمع إلا همساً إنما هو سمت بلا حس، ثم يصفو من صفاء الصفاء ووفاء الوفاء ويخلص من إخلاص الإخلاص في الإخلاص للإخلاص. ثم يتقرب بما يكون به جليساً، فإن المجالسة لها آداب أخر خاصة، يعرفها العارفون.
وكان يقول:
إذا كمل العارف في مقام العرفان أورثه الله علماً بلا واسطة، وأخذ العلوم المكتوبة في ألواح المعاني ففهم رموزها وعرف كنوزها، وفك طلسماتها، وعلم اسمها ورسمها، وأطلعه الله تعالى على العلوم المودعة في النقط، ولولا خوف الإنكار لنطقوا بما يبهر العقول، وكذلك لهم من إشارات العبارات عبارات معجمة، وألسن مختلفة.
وكذلك لهم في معاني الحروف والقطع والوصل والهمز، والشكل والنصب والرفع ما لا يحصر، ولا يطلع عليه إلا هم، وكذلك لهم الإطلاع على ما هو مكتوب على أوراق الشجر والماء والهواء، وما في البر والبحر، وما هو مكتوب على صفحة قبة خيمة السماء، وما في جباه الإنس والجان، مما يقع لهم في الدنيا والآخرة، وكذلك لهم الإطلاع على ما هو مكتوب بلا كتابة، من جميع ما فوق الفوق، وما تحت التحت ولا عجب من حكيم يتلقى علماً من حكيم عليم، فإن مواهب السر اللدني قد ظهر بعضها في قصة موسى والخضر عليهما السلام.
وكان يقول:
من الأولياء من لا يدري الخطاب ولا الجواب فهو كالحجارة مودعة أسراراً ناطقة بلسان حال صامتة عن الكلام. مودعة من غوامض الأسرار والعطاء. مفرق فمنهم عارف ومحب ومشغوف وذاكر ومذكر ومعتبر وناطق وصامت ومستغرق وصائم وقائم وهائم ومفطر وصائن صائن وصائم صائم وقائم دائم ونائم واصل وواصل سهران وواقف ذاهل وداهش واهن.