وكان t يقول:
يا ولد قلبي تجنب معاشرة أولي الأقوال والجدال، ولا تتخذ أحداً منهم صاحباً وجالس من جمع بين الشريعة والحقيقة فإنه أعون لك على سلوكك. وكان t يقول:
إن كنت ولدي حقاً ومتبعي صدقاً فاخلص الرق لله تعالى، واجعل وعظك من قلبك، وكن عَمَّالاً ولا تلتمس لأحد درهماً فإن هذه طريقي ومن أحبني سلك معي فيها فإن الفقير الصادق هو الذي يُطِعم ولا يُطعَم ويعطي، ولا يعطي ولا يلتمس الدنيا ولا شيئاً من عروضها. فإن الرشا في الطريق حرام وشيخكم قد بايع الله تعالى أن لا يأخذ لأحد فلسا ولا درهماً وإنما آمركم بذلك لله لا لغرض ولا لأمر دنيوي ولا لأثاث وليس دعوى إنما المراد سلامة الذمة من الخلل في نصح الإخوان. واعلموا يا جميع أولادي أن من استحسن في طريقي أخذ شيء حين لعب به هواه وسولت نفسه فقد خرج عن طريق شيخه.
يا أولادي أوساخُ الدنيا تسود القلوب وتوقف المطلوب وتكتب بها الذنوب وإني غير راض عمن أخذ في إجازةٍ فلساً واحداً، ومن طلب الدنيا بالباس الفقراء الخرقة مقته الله تعالى ولو ذهب إلى أعمال الدنيا واحترف لنفسه وعياله كان خيراً له وطريقي إنما هي طريق تحقيق وتصديق وتمزيق وتدقيق وإني أبرأ إلى الله تعالى ممن يأخذ على الطريق عَرَضاً من الدنيا ويتلف طريقي من بعدي ويأكل الدنيا بالدين ويخالف ما كنت عليه أنا وأصحابي. اللهم إن كان هؤلاء الأصحاب خلفي يفعلون خلاف طريقتي فلا تهلكني بذنوبهم إن الله لا يحب الفقير الذي يبيع سره أو يأكل عليه لقمة.
وكان t يقول:
أحب يا ولدي أن تكون متنكساً لا تحيد خاشعاً خاضعاً حمالاً لكل هول سكران من حب مولاه، لا التفات له إلى زوجة ولا إلى ولد، ولا أخ ولا صاحب ولا وظيفة دنيوية ولا يلتفت لسوى مولاه، وكان يقول: يا ولدي إن صح عهدك معي فأنا منك قريبٌ غيرُ بعيد وأنا في ذهنك، وأنا في سمعك، وأنا في طرفك، وأنا في جميع حواسك الظاهرة والباطنة وإن لم يصح لك عهد لا تشهد مني إلا البعد.
وكان t يقول:
ما أرضى اللعب لأحد من خلق الله تعالى فكيف أرضاه لأحد من أولادي. فإذا أخذت يا ولدي وصيتي بالقبول، وجهدت في سرك وراقبته سمعت كلام شيخك لو كنت بالمشرق وهو بالمغرب، ورأيت شبح شخصه فمهما ورد عليك من مشكلات سرك أو شيء تستخير فيه ربك أو أحد يقصدك بأذى أو غير ذلك، فوجه شيخك، وصَفِّ سرك، وأطبق عين حسك، وافتح عين قلبك فإنك ترى شيخك وتستشيره في جميع أمورك وتطلب منه حاجتك فمهما قال لك فاقبله منه وامتثله.
وكان t يقول:
يا ولدي إذا كنت تصوم الدهر، وتقوم الليل ولك سريرة طاهرة ومعاملة خالصة فلا تدع وتقل إلا أنك عاص مفلس لا غير واحذر من غرور النفس وزورها فكم تلف من ذلك فقير.
وكان t يقول:
إن كنت تطلب أن تكون من أولادي فقم قياماً دائماً وجاهد جهاداً ملازماً ولا تمل ولا تول ولا ترخص لنفسك في ترك الاشتغال بالعبادة في حجة خوف الملل، فإن الناقد بصير، والنفس من شأنها التلبيس على صاحبها. وكان يقول: ليس من تزي بزي القوم ينفعه زيه أو درجه أو خرقته فإن هذه أمور ظاهرة. والقوم إنما عملهم جُوَّاني إذ بذلك يرقون إلى مراقي درجة الرجال وما رأينا أحداً لبس جبة أو كتب له اجازة فبلغ مبلغ الرجال بذلك قط بل فِعْلُ ذلك يوقف المريد عن طلب المزيد والأمر ليس له قرار. وكان يقول: يا أولادي إذا طلبتم أن تغتابوا أحداً فاغتابوا والديكم فإنهما أحق بحسناتكم من غيرهما
وكان يقول:
إن الله تعالى يطلع على قلوب عباده في اليوم والليلة اثنتين وسبعين مرة فنظفوا يا أولادي محلَّ نظر ربكم واجعلوه طاهراً مطهراً حسناً نقياً زاهراً نيراً صادقاً خالصاً لترتع في رياض القرب، ويظهر فيها النور، فإن الإناء إن لم يكن شفافاً لا يظهر للفتيلة فيه نور.
وكان يقول:
يا ولدي انقش على صحيفة صفحة لوح خدك توراة درسك وانجيل فهمك ومزامير ذكرك وزبور صفاتك وفرقان تفريقك ومجموع جمعك واشتغل بافنان حضورك ومراقبة رقيبك واشتغل بنفسك عن القيل والقال ولا تلتفت قط إلى صحبة من يتكرم بضياع أوقاته أو أنفاسه في الغفلات فإن صحبته هلاك لك.
وكان t يقول:
يا ولدي صحح عزمات عزمك واترك تخيلات وهمك ولج بحر الحقائق، وسلم الأمر لله واقتد واقتف أوامر شيخك، وألق عصاك ولا تطلب خبر نفسك من غيرك، بل اعمل حتى تنكشف لك حقائقك (من عرف نفسه عرف ربه) وكان يقول: إذا عمل الفقير على نسق الاتباع الشرعي تروحنت نفسه وصارت روحانية لطيفة نورانية تجول جولان السر والقلب والمعنى. ومعنى قولنا نسق الاتباع الشرعي نحو قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون }.