عادل محمد زايد
عدد المساهمات : 4107 تاريخ التسجيل : 30/01/2009 العمر : 38 الموقع : المشرف علي المنتدي
| موضوع: حُكْم التصوف الإسلامي الأحد مارس 08, 2009 4:48 pm | |
| حُكْم التصوف الإسلامي سـؤال: شيخنا المبارك؛ هلا أوضحتم لنا حُكْم التصوف الإسلامي؟ جواب: حكمه: الوجوب العيني في غير القُرُبات. أما "الوجوب العيني"، فمعناه: أنـه لازم على كل مسلم مُكلفٍ لا يسعه تركه. وأما "القُرُبات": فهي ما طلب الشارعُ فعله من الأعمال، على وجه الندب والاستحباب، لا الفرض والإيجاب؛ بحيث تكون سبباً للرفعة والزيادة، وتمام العمل بالعبادة. فالواجب شرعاً: ما لم يكن قربةً بهذا المعنى. قال الله تعـالى: ) وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حُنفاء (، ) فاستَقِم كما أمرت (. قال حجة الإسلام الإمام الغـزالي :" الدخول مع الصوفية فرض عين؛ إذ لا يخلو أحد من عيب، إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام "اهـ. قال الإمام أبو القاسم الجنيد :" إذا وفق الله المريدَ ألقاهُ إلى الصُّوفيَّة "اهـ. وقال أبو الحسن الشاذلي :" من لم يغلغل في علمنا هذا، مات مُصراً على الكبائر وهو لا يشعر "اهـ. ومن ثم، قال الإمام أبو بكر البغدادي :" مَن لم ينظر في التصوف، فهو: غبي "اهـ. فـ " التصوفَ الإسلاميَّ " منهجُ تزكية النفوس بإصلاح الأخلاق وإتمامها للإحسان في عبادة الله تعالى، فهو واجب على كل مسلم، باعتبار أنه: " مكـارم الأخـلاق " التي بعث سيدنا رسول الله محمد r لإصلاحها وإتمامها. و " الإحسـان "؛ الذي هو أصل الدين الثالث. و " شـرط الفـلاح "؛ كما قال الله تعـالى: ) ونفس وما سواها % فألهمها فجورها وتقواها % قد أفلح من زكاها % وقد خاب من دساها ( .. الخ. و " سـبب الهـدى "؛ كما قال الله تعالى: ) ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين (. لكن تعلق حكمه بالناس من طريقين: أحدهما: مُجمَل: وهو العمل بأحكامه المجملة، بأن يُتعبد بالأخلاق ( كالتقوى والصبر .. الخ ) إجمالاً وفق ما تقرر من أحكامها العامة. والثاني: مُفصَّل: وهو العمل بأحكامه التفصيلية، بأن يُتعبد بالأخلاق تفصيلاً وفق تقرر من أحكامها الخاصة. فالطريق الأول: يحقق إصلاحاً للأخلاق لا إتماماً، فلا يحقق زكاة النفوس والإحسان في العبادة قَدْرَ الوسع، بل يكون أهله من وصفهم الله تعالى بقوله: ) خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ([التوبة:102]، وهو طريق العامة الذين لم يسلكوا الطريق الثاني، أو لم يعملوا بأحكامه تماماً. والطريق الثاني: يحقق إصلاح الأخلاق وإتمامها، فيحقق زكاة النفوس والإحسان في العبادة قَدْرَ الوسع، فيكون أهله هم المفلحون المحسنون، وهم أولياء الله تعالى حقا على تفاوت درجاتهم ومقاماتهم كما قال الله تعالى: ) أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ([يونس:62]، وهو طريق الخاصة الذين صحبوا الشيخ الصوفي المُزَكِّي ( المستخلف على تزكية النفوس ) وعملوا بتوجيهه وإرشاده على التحقيق كما قال الله تعالى: ) قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ([آل عمران:31]. تنبيه: واعلم أن " التزكية " وظيفة من وظائف سيدنا رسول الله محمد r كما في الكتاب العزيز: ) لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ([آل عمران:164]، ففرق بين التلاوة وتعليم الشريعة ( كتابا وسنة ) وبين التزكية، وكما خلف سيدنا الرسول محمد r وورثه التالون والمعلمون للشريعة، فكذلك خلفَه وورثَه المُزكُّون والمُحسِّنون لسلوك العباد، وهم الذين يعلمهم الله تعالى قدر العباد وما يناسبهم من الأعمال، فيوجهونهم ويرشدونهم بالحق كما قال الله تعالى: ) أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَـا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ([الأنعام:122]، وفي الخبر الصحيح: « ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة .. »[البخاري]. ومن شواهده: قصة الخضر . ومما يهـدي إلى ضرورته: أن النظرَ في توجيهات سيدنا رسول الله محمد r وإرشاداته الخاصة يُثبت اختلاف التوجيه والإرشاد باختلاف السالكين والمناسبة. ومن ثم قال الله تبارك تعالى للسالكين: ) أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ([الملك:22]. فيجب على المسلم اتباع شيخ صوفي في التأدُّب والسلوك، كما يجب عليه اتبـاع شيخ فقيه في الفقه .. الخ؛ قال الله تعالى: ) قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ([آل عمران:31]، وفي الخبر الصحيح مرفوعـاً: « لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ». ويدل على اشتراط " التَّـأدُّب ": قول سيدنا رسول الله محمد r: « أدَّبني ربي فأحسن تأديبي »؛ فإنه يفيد بأن من لم يتأدَّب على مؤدِّب لا يصلح للتأديب ( لا لنفسه ولا لغيره )؛ لاسيما أن سيدنا رسول الله محمداً r لم يستغن بعلمه عن التأدُّب، فكيف يُتصور ممن لم يتأدب بمؤدِّب صحيح ( هو الشيخ الصوفي ) _ ولو كان عالماً في فنون أخرى _ أن يؤدِّبَ نفسَه أو يتأدَّبَ به غيره؟!! وكذلك لا يُعتبر من طالَعَ الأخلاق وحفظ نصوصها ومتونها دون التأدّب على شيخ صوفيٍّ " شيخاً صوفياً "، ولا يستقيم له أدب، ولا يصلح مؤدِّباً. ومن كلام الإمـام السـلمي في " مناهج العارفين " يعظُ المريد:" ثُم يقصِدُ إماماً من أئمّة القوم، ممَّن ظهرت نصيحته بمن صحِبَه وتأدّب به "اهـ، " فإنَّ مَن لم يتأدَّب بشيخ فهو بطّال، ومن لم يلحقه نظرُ شيخ وشفقتُه لا يجيء منه شيء "اهـ وقال في كتاب "جوامع آداب الصوفية" y:" ولا يصحُّ الأدب لأحد إلا بالتأدّب بإمام من أئمة القوم يدله على عوراته وسقطاته وعثراته؛ فإن مَن قتل نفسَه في المجاهدة وأفنى أوقاته في الزهد يكون مصحوب نفسه .. لا يعرف عيب ما هو فيه إلا أن يدلّه على ذلك مَن سلك المقامات ونازل الأحوال وأصابته بركات مشايخه وأنوار شفقتهم "اهـ. وفي هذا القدر كفاية لهذا الموضع، وهو قدر كاف لبيان ما يحتاج إليه لمن وفقه الله تعالى للتقوى. ومن ذلك يُعلم أن صحبة الشيخ الصوفي بحق واتِّبَاعَه واجب لتحقيق الزكـاة ومكارم الأخلاق، فتحقيق الإحسـان في عبادة الله تعالى. والذي لا يتصوف بأحد الطريقين مخالف لما أمر الله تعالى به في البـاب، ومضيع لجوهر الإسلام الذي هو إصلاح وإتمام مكارم الأخلاق. وأما أن يخشى التصوف نظرا لما بلغه من المسؤوليات! فذلك جهل في حقيقة الأمر؛ لأن المزكي لا يطالب السالك إلا بما يسعه ويناسبه، ولا أعني بما تهواه نفسه وتميل إليه، إذ الأصل أن يكون الهوى تبعاً للحكم المطلوب من الشخص لوسعه ومناسبته وجوداً بحيث يحقق له الاستقامة على مكارم الأخلاق والإحسان. وذلك يقتضي أن لا يطلب هذا الأمر إلا من أهل الحق فيه لا من الأدعيـاء، ولا من غير أهلـه من الفقهاء سواء بالفقه الأكبر أو الأصغر كما نبه لذلك الأئمة المعتمدين بما بينته في غير هذا الموضع. ومن ثم إذا كانت استقامة العبد ونجاته بتبني مسؤوليات لا بد له منها، فإن ما لا يتم المطلوب إلا به فهو مطلوب، ولا يسع العبد التخلف عنه ولا الاعتذار لله تعالى بهذا العذر. فعلى العبد العاقل أن يقول:" سمعت وأطعت غفرانك ربنا وإليك المصير "، ولقد قال الله تعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ([البقرة:104]. ) وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ([المائدة:7]. والحمد لله رب العالمين.[right] | |
|