عادل محمد زايد
عدد المساهمات : 4107 تاريخ التسجيل : 30/01/2009 العمر : 38 الموقع : المشرف علي المنتدي
| موضوع: الحب الإلهي عند رابعة العدوية والصوفية الجزء الثا نى الجمعة سبتمبر 25, 2009 3:23 pm | |
|
الخوف من الله
كانت رابعة تعيش دهرها بين عبادة وذكر، خوف ورجاء وهكذا كان فهم الصوفية وكذا رابعة للخوف: فالخوف هو تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في المستقبل، ولكن أعظم مقام الخوف، الخوف من الله تعالى، لأن من عرف الله خافه بالضرورة، وفي ذلك يقول الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} (سورة فاطر، آية 28). وأمر المؤمنين بالخوف والخشية منه فقال تعالى: {وإياي فارهبون} (سورة البقرة، آية 40). وقد أورد ابن الجوزي حكاية عن رابعة العدوية وخوفها من الله فقال: قال عبد الله بن عيسى: دخلتُ على رابعة العدوية ببيتها فرأيت على وجها النور، وكانت كثيرة البكاء، فقرأ رجلٌ عندها آية من القرآن فيها ذكر النار، فصاحت ثم سقطت، ودخلت عليها وهي جالسة على قطعة بوري خلق فتكلم رجل عندها بشيء فجعلت أسمع وقع دموعها على البوري مثل الوَكْف ثم اضطربت وصاحت، فقمنا وخرجنا (ابن الجوزي، 4/27). وكانت كثيرة البكاء والحزن، وكانت إذا سمعت ذكر النار غشي عليها زماناُ، وكان موضع سجودها كهيئة الحوض الصغير من دموعها، وكأن النار ما خلقت إلا لأجلها. وحكايات خوفها من الله كثيرة فقد ذكر سجف من منظور: دخلت على رابعة ساجدة، فلما أحست بمكاني رفعت رأسها، فإذا موضع سجودها كهيئة المستنقع من دموعها، فسلمت فأقبلت علي فقالت، يا بني ألك حاجة، فقلت: جئت لأسلم عليك، قال فبكت، وقالت: سترك اللهم سترك، ودعت بدعوات، ثم قامت إلى الصلاة وانصرفت. (ابن الجوزي4/291).
الحب الإلهي
والمحبة الإلهية هي أعلى مقامات الصوفية والصالحين والعارفين، وهكذا كانت تقرر رابعة العدوية فهي ترى أن الحب الإلهي هو إيثار من الله تعالى لعباده المخلصين ومنتهى نهاية الفضل العظيم.
وذكر أبو القاسم القشيري في الرسالة عن رابعة أنها كانت تقول في مناجاتها: "إلهي تحرق بالنار قلبا يحبك، فهتف بها مرّة هاتف: ما كنا نفعل هذا فلا تظني بنا ظنّ السوء". (ابن خلكان، 2/285).
وروى ابن خلكان عن رابعة العدوية قال: وكانت إذا جن عليها الليل قامت إلى سطح لها ثم نادت:
"إلهي هدأت الأصوات، وسكنت الحركات، وخلا كل حبيب بحبيبه، وقد خلوت بك أيها المحبوب،
فاجعل خلوتي منك في هذه الليلة عتقي من النار." (ابن خلكان: 2/286).
ومذهب رابعة العدوية في الحب يسير على الحب الخالص لله دون حاجة من المحبوب. وفي ذلك ترى أن المحبة هي التي تعمى وتعم، تعمى عما سوى المحبوب، فلا يشهد سواه مطلوباً. وفي ذلك تراه تنشد في محبة الخالق: أحبك حُبين حب الهوى *** وحبا لأنّك أهل لذاكا فأما الذي هو حُب الهوى *** فشغلي بذكرك عَمّن سواكا وأما الذي أنت أهلٌ له *** فلست أرى الكون حتى أراكا فما الحمدُ في ذا ولا ذاك لي *** ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
(الكلاباذي، التعرف لمذهب أهل التصوف ص110).
ورابعة العدوية كانت أول من دعا إلى حب الله لذاته لا رغبة في الجنة، ولا خوفاً من النار، ومن شعرها:
إني جعلتك في الفؤاد محدّثي *** وأبحث جسمي من أراد جلوسي فالجسم مني للجليس مؤانسٌ *** وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي
وقالت أيضاً: كلهم يعبدون من خوف نار *** ويرون النجاة حظاً جزيلاً أو أن يسكنوا الجنان فيحظوا *** بقصورٍ ويشربوا سلسبيلا ليس لي في الجنان والنار حظ *** أنا لا أبتغي بحبي بديلا
(الغزالي، إحياء علوم الدين 4/219) ومحمد عبد المنعم خفاجي (ص 201-202).
وبعد فهذه رابعة العدوية، وهذا هو الأدب الصوفي، أدب الحب الإلهي أدب حافل بالروح والفكر المتجدد، وأدب عميق يحكي التجربة الحية. فالتصوف جزء هام من تراثنا، وتغلبنا على مواطن الضعف والانكسار، ونقلها إلى روح القوة والانتصار.
| |
|