بسم الله الرحمن الرحيم
درس { الإجازة }
لسيدي الفقير إلى الله تعالى
سيدي الباسل رضي الله تعالى عنه و أرضاه
شيخ ومؤسس الطريقة النورانية المحمدية الربانية الإلهية
ببيت المقدس ـ أرضالإسراء والمعراج
الحمد لله المنزه عن كل شيء وعـَزّت معرفته فلا يُدرك بالمعقول، والصلاة والسلام على سيدنا أحمد محمد المحمود النبي العبد الرسول، إسراء القبول، ومعراج الوصول، وغاية المأمول، صلوات ربـّي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ووراثه ونوابه مفاتيح الوصول...
وبعد...
السلام عليكم ورحمة الله تعالى العظيم الكريم الحكيم العدل وبركاته...
الإجــــــــــازة
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما، و ملء ما شئت مما شئت من شيء بعد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، أنت أهل الثناء وأهل المجد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، شهادةً مبرّأة من الشك والتهم، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً سيد العرب والعجم - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته أفضل الأمم. الحمد لله الذي أنار الوجود بسيد الوجود.
أما بعد...
يقول الحق سبحانه وتعالى: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً }البقرة/٣٠، وقوله تعالى:{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } البقرة/٣١، وقوله تعالى: { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ } ص/٢٦، وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه عندما تركه النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في المدينة بأحد المعارك فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ( يا علي ! أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ إلا أنه ليس بعدي نبي) فكان خليفة عن النبي بالمدينة.
موضوعنا في هذا الدرس هو عن " الإجازة " التي يعطيها المشايخ لمريديهم وأتباعهم
فالإجازة بالمفهوم هي: أن يجيز الشيخ أحد أتباعه بالخلافة من بعده، ويجيزه بالتربية، ويكون بمثابة الشيخ للمريدين، لأنه بالمفهوم: هو الذي تأهـّـل لمقام الخلافة بالشيخ للشيخ ليكون كالشيخ على حسب مقامه، وهي منة من الله سبحانه وتعالى وكرم، وبهذه الطريقة تـُحفظ السلسلة أي سلسلة أهل الله تعالى من كل طريق تؤدي إلى الله سبحانه وتعالى.
فالسلسلة هي: شيخ عن شيخ، ويجب أن يكون المخلــَّـف مرآة للشيخ، يُرى فيه صفاته وأحواله ومقامه وعلومه وما هو عليه من رقي و كمال وترقٍ وصدق أحوال.
والإجازة هي: شهادة في حقيقتها من الله سبحانه وتعالى ومن رسوله الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ومن الأولياء أهل الله تعالى رضي الله تعالى عنهم ومن شيخه لإثبات خلافته، وأنه أهل لها. إذا ًهي عظيمة بحد ذاتها وبها تـُعرف المشائخ أنهم فعلا مشائخ، وأنهم على القدم الراسخ التي لا تزل، وبهذا المنهج سار أهل الله تعالى في كل زمان ومكان.
ولكن أيضا هناك كرم إلهي عظيم من نفحات الوهب الرباني والمدد الصمداني والعطاء الإلهي لمن أرادهم واختارهم، فيكون النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم هو المُشرِف على تربيتهم بالله عز وجل منذ الصغر لأنهم هم بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الذين سيكونوا مرآة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في كل زمان ومكان، وهؤلاء لا يعلمهم إلا الله سبحانه وتعالى والنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ومن قـَسَم الله عز وجل له بمعرفتهم على حالهم ومقامهم، فإجازتهم من الله عز وجل والنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مباشرة لا من غيره، وهذا من كمال الكمال الذي يمنــُّه الله سبحانه وتعالى على بعض عباده الذين اختارهم ليكونوا له وحده عز وجل، خارجين عن رق الأغيار غارقين في بحار الأنوار والأسرار، ليس لهم إرادة أو اختيار إلا بالله سبحانه وتعالى وبنبيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
فالله عز وجل اختار رسله وأنبياءه ليكونوا له عز وجل، وكذلك اختار من العباد من هم دون الأنبياء ولكن جعلهم كالأنبياء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهم صفة الصفوة، ويجب أن يتفرّد في كل زمان واحد ليكون من شدة قربه من الله سبحانه وتعالى ومن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يكون مرآة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الذي يكون هو بدر الكمال في زمانه وملك الأحوال والأنوار والأسرار في زمانه ومكانه وفي كل مكان.
إذا الإجازة إلهية ربانية نبوية محمدية ولائية قلبية قبل أن تكون ظاهرية، فالإجازة ليس ما يُعرف بهذا الزمان على الورق، وليس بلبس الخرق.
ولكن للأسف فإنك ترى في هذا الزمان أن أغلب المشائخ إلا ما رحم ربي لا يملكون من الطريقة وأنوارها وأسرارها وأحوالها ومقاماتها إلا الورقة التي تكون بين أيديهم على أنها إجازة، هل يؤخذ من هؤلاء شيء؟ أو هل يستطيعون أن يقدموا أي شيء مهما كان هذا الشيء؟ لا يمكن فإن فاقد الشيء لا يعطيه، وما أكثر الإجازات في هذا الزمان والحمد لله وطبعا فإننا لا ننفي وجود من يستحقها ويكون قد أخذها بحقها فرحمة الله تعالى قريب من المحسنين. فالله سبحانه وتعالى أجاز الأنبياء والرسل الكرام عليهم صلاة الله وسلامه، وأغلب الأنبياء والرسل أجازوا أيضا من بعدهم وعلى هذا ساروا أهل الله رضي الله تعالى عنهم، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجاز كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فكل كلمة عظيم كان يقولها للصحابة رضي الله تعالى عنهم هي بمثابة إجازة لهم، فالله سبحانه وتعالى أجاز الصديق بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بقوله سبحانه وتعالى: { ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا }التوبة/٤٠، فهذه إجازة عظيمة من الله عز وجل للصديق رضي الله تعالى عنه، فكما قلنا كل كلمة وكل وصف من النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لأحد الصحابة رضي الله تعالى عنهم هي بمثابة إجازة له، فلماذا نراها في زماننا تـُعطى لمن هو ليس على قدرها ولا من أهلها؟؟ هل أصحبت الإجازة الورقية هي التي تثبت صحة ولايته وقربه من الله سبحانه وتعالى ومن نبيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟ إذا لكثر مدّعوها. فإن الله سبحانه وتعالى جعل آدم عليه وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام خليفة وأجازه بذلك فعلمه الأسماء كلها وأجازه بتعليمها للملائكة التي كانت لا تعلمها فسجدت سجود التعظيم والتكريم لهذه الخلافة والإجازة العظيمة. فوالله إنه ليعظم في قلوبنا ما بأهل التصوف بهذا الزمان، وأعظم هذا الخطر والخطأ هو من وراء تلك الإجازة التي مع بعض ممن ينتسبون للتصوف وليس فيهم من التصوف شيء إلا هذه الورقة، ماذا سيقول لله سبحانه وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وللأولياء رضي الله تعالى عنهم يوم القيامة بهذه الورقة؟ هل ستنجيه أو ترقيه؟ كم خان الأمانة بها في الدنيا وأوهم الكل أنه على شيء، و إلا لِما أعطـِي هذه الورقة وهو في الحقيقة ليس على شيء؟ والله عز وجل أعلم بطريقة أخذها كيف كانت. فأهل الله عز وجل الصادقين لا يمكن على الإطلاق أن يعطوا إجازة لأحد إلا من كان على قدرها ويستحقها ومن أهلها وقادراً على القيام بها خير قيام، فهذا دأب الصادقين المخلصين المقربين من الله سبحانه وتعالى. فلقد ورد عن سيدنا الدسوقي رضي الله تعالى عنه وأرضاه أنه قال: "إن الإجازة للمريد هي نور بصيرته وصفاء سريرته وقربه من الله سبحانه وتعالى وليس الإجازة الورقية هي ما تثبت قربه من الحق ومن حضرات القرب والوصل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
يتبع,,,,,,,