تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: التصوف بين التصحيح والتبرير (الجزء 2) الإثنين مارس 09, 2009 4:35 am | |
| التصوف بين التصحيح والتبرير (الجزء 2)
هكذا كانت حقيقة التصوف والتصوف هو علم شريف ومستمد من الشرع وقائم على الشرع ولا يخرج عن الشرع قيد أنملة وهكذا بقيت مسيرته وفي القرون المتأخرة بدأت مسيرة التصوف تتغير وذلك بسبب دخول الأدعياء في صفوف الصوفية الكرام والأدعياء هؤلاء هم الذين أرادوا أن ينالوا ما ناله رجال التصوف الذين مر ذكرهم لكن دون تعب ودون بذل ودون مجاهدة وكانت نفوسهم أضعف من أن تفني في حب الله تعالى فلم يجدوا سبيلا لذلك إلا الدخول في التصوف فأخذوا بالقشور وتركوا اللب والأصل وسموا أنفسهم بالصوفية بل والبعض منهم تصدر للمشيخة واتبعه المريدين فهلك وأهلكهم .
ويتحقق فيهم قول الله تعالى(وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ) ( المنافقون : 4 ) ، ويتجلى في قول العالم الجليل الفاضل الأمام السيوطي رحمه الله تعالى : ( إن التصوف في نفسه علم شريف وإن مداره على أتباع السنة وترك البدع وعلمت أيضاً أنه قد كثر الدخيل فيه من قوم تشبهوا بأهله وليسوا منهم فأدخلوا فيه ما ليس منه فأدى ذلك إلى إساءة الظن بالجميع ) . كتاب تأييد الحقيقة العلية للسيوطي ص 57.
فراحوا يحرفون في هذا العلم ويغيرون في قواعده ويدسون في كتب القوم ما يناسب أهوائهم وحتى يجدون ما يستدلون به على أفعالهم وسوء أحوالهم ويبررون مخالفاتهم للكتاب والسنة ، فوضعوا الدسائس في كتب القوم ومن أكثر الذين دس في كتبه من العلماء هو الأمام الشعراني رحمه الله الذي كرس علمه وكتبة لمحاربة هؤلاء الأدعياء ولما صار لهم عقبة وعليهم نقمة دسوا في كتبة وأدخلوا فيها ما خالف الشرع .
واسمع إلى قوله يقول شيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه لطائف المنن : (ومما منَّ الله تبارك وتعالى به علي صبري على الحسدة والأعداء لما دسوا في كتبي كلاما يخالف ظاهر الشريعة وذلك لما صنفت كتاب البحر المورود في المواثيق والعهود وكتب عليها علماء المذاهب الأربعة بمصر وتسارع الناس لكتابته فكتبوا منة نحو أربعين نسخة غار من ذلك الحسدة فاحتالوا على بعض المغفلين من أصحابي واستعاروا منة نسخته وكتبوا لهم منها بعض كراريس ودسوا فيها عقائد زائفة ومسائل خارقة لإجماع المسلمين وحكايات وسخريات عن جحا وابن الرواندي وسبكوا في ذلك غضون الكتاب في مواضيع كثيرة حتى كأنهم المؤلف ثم اخذوا تلك الكراريس وأرسلوها إلى سوق الكتب في يوم السوق وهو مجمع طلبة العلم فنظروا في تلك الكراريس ورأوا اسمي عليها فاشتراها من لا يخشى الله تعالى ثم دار بها على علماء الجامع الأزهر فأوقع ذلك فتنة كبيرة ومكث النادي يدورون في المساجد والأسواق وبيوت الأمراء نحو سنة وانتصر لي لشيخ نصر الدين القاني وشيخ الإسلام الحنبلي والشيخ شهاب الدين بن الحلبي كل ذلك وأنا لا اشعر فأرسل لي شخص من المحبين بالجامع الأزهر واخبرني الخبر فأرسلت نسختي التي عليها خطوط لعلماء فنظروا فيها لم يجدوا فيها شيئا مما دس هؤلاء الحسدة ) لطاف المنن ج 2 ص 190 .
وكذلك ما دس في كتب الشيخ محي الدين العربي رضي الله عنه وقد ذكر العلامة ابن عابدين الفقيه الحنفي وصاحب أكبر موسوعة في الفقه الحنفي : (أن الراجح عنده بالنسبة لما ورد في كتب الشيخ محيي الدين بن عربي مما يخالف الشرع بأنه مفترى عليه ولذلك تجد نص عبارة صاحب الدر المختار ج 3ص 303 : ولكن الذي تيقنته أن بعض اليهود افتراها علي الشيخ قدس الله سره) .
بل إن ابن تيمية نفسه يعترف بالدس على السيدة رابعة العدوية حيث يقو ل: (وأما ما ذكر عن رابعة عن قولها عن البيت الحرام انه الصنم المعبود في الأرض كذب على رابعة المؤمنة التقية) ، وذلك في كتاب مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية ج 1ص 80 .
وهذه الفترة مابين القرن الخامس الهجري وحتى القرن العاشر تحرفت الكثير من علوم التصوف ودخلت فيه من العلوم الأخرى ما شوهته وأكثرت من أعداءه ولكن هيهات هيهات أن يستطيعوا أن يغيروا هذا العلم ففي كل زمن يهيئ الله لهذا العلم من يجدده ويذود عنه ويدافع عنه .
قال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي عن الصوفي : (إنَّ سالك سبيل الله قليل والمدعي فيه كثير ونحن نعرفك علامتين له:
الأولى : أن تكون جميع أفعاله موزونة بميزان الشرع موقوفة على توفيقاته إيرادا وإصدارا وإقداما وإحجاما إذ لا يمكن سلوك هذا السيل إلا بعد التلبس بمكارم الشريعة كلها .
والثانية : لا يصل فيه إلا من واظب على جملة من النوافل فكيف يصل إلية من أهمل الفرائض ).
وجزا الله ساداتنا العارفين الذين وضعوا لنا قواعد وأسس تكون حجة على هؤلاء الأدعياء وإليك بعض هذه القواعد من أقوالهم رضي الله عنهم :
فهذا هو سلطان الأولياء والعارفين سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله يقول : (كل حقيقة لا تشهد لها الشريعة هي زندقة , طر إلى الحق عزَّ وجلَّ بجناحي الكتاب والسنة ادخل عليه ويدك في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك العبادات المفروضة زندقة وارتكاب المحظورات معصية) . الفتح الرباني ص 179 . ويقول: (كل باطن خالف ظاهراً فهو باطل).
وهذا الشيخ أبو القاسم إبراهيم بن محمد النصر باذي رحمه الله يقول: (أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة وترك الهواء والبدع , وتعظيم حرمات المشايخ ورؤية أعذار الخلق , وحسن صحبة الرفقاء , والقيام بخدمتهم , واستعمال الأخلاق الجميلة ,والمداومة على الأوراد , وترك ارتكاب الرخص والتأويلات , وما ضل احدٌ ف بهذا الطريق إلا بفساد الابتداء يؤثر في الانتهاء) , طبقات الصوفية ص 488 .
وقال سيد الطائفتين العارف بالله أبو القاسم الجنيد البغدادي رحمه الله تعالى : (الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع سنته ولزم طريقته ,فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه) , طبقات الصوفية ص 159 .
ويقول : ( من لم يحفظ القران ولم يكتب الحديث لا يقتدي به في هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة ). وورد عن العارف بالله الشيخ أبو يزيد البسطامي رحمه الله تعالى أنه يقول : (لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرتقي في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة) .
ويقول أبو الحسن الشاذلي رحمة الله : (إذا تعارض كشفك مع الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف وقل لنفسك أنَّ الله تعالى ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها في جانب الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة إلا بعد عرضها علي الكتاب والسنة إلى غير ذلك من الأقوال الكثيرة التي تبين إن الاستقامة على الشريعة المطهرة هي أفضل من أي كرامة) .
وقال الإمام سهل بن عبد الله التستري رحمه الله : (أصول طريقتنا ـ أي منهج الصوفية ـ سبعة : التمسك بالكتاب , والاقتداء بالسنة , وأكل الحلال , وكف الأذى , وتجنب المعاصي , لزوم التوبة , وأداء الحقوق) .
وقال أبو حفص احد كبار الصوفية : (من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا يعد في ديوان الرجال) .
وورد عن العارف بالله الشيخ أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى أنه يقول : (قد درج أشياخ الطريق كلهم على أن أحداً منهم لا يتصدر في الطريق إلا بعد تبحره في علوم الشريعة) .
وقال الإمام أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى في مقدمة رسالته المشهورة متحدثاً عن الصوفية : ( جعل الله هذه الطائفة صفوة أوليائه , وفضَّلهم على الكافة من عباده بعد رسله وأنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم وجعل قلوبهم معادن أسراره واختصَّهم من بين الأمة بطوالع أنواره , فهم الغياث للخلق , والدائرون في عموم أحوالهم مع الحق بالحق . صفَّاهم من كدورات البشرية , ورقَّاهم إلى محل المشاهدات بما تجلى لهم من حقائق الأحدية , ووفَّقهم للقيام بآداب العبودية , وأشهدهم مجاري أحكام الربوبية , فقاموا بأداء ما عليهم من واجبات التكليف وتحققوا بما مَنَّة سبحانه لهم من التقليب والتصريف , ثم رجعوا إلى الله سبحانه وتعالى بصدق الافتقار ونعت الانكسار , ولم يتَّكِلوا على ما حصل منهم من الأعمال أو صفا لهم من الأحوال , علما منهم بأنه جلَّ وعلاَّ يفعل ما يريد ويختار من يشاء من العبيد , لا يحكم عليه خلق , ولا يتوجه عليه لمخلوق حق ثوابه ابتداء فضل , وعذابه حكم بعدل , وأمره قضاء فصل ) . الرسالة القشيرية للأمام أبي القاسم القشيري ص2.
ونتيجة ظهور هؤلاء الأدعياء وتربع الكثير منهم على عروش التصوف وتصدرهم للمشيخة فتح أبواب العداء للتصوف فظهر من يحاربه ويحاول النيل منه متخذا من هؤلاء وسيلة للتحقيق غاياته ومن أسوء ما أدخلوه في هذا العلم هو بعض العلوم التي أخذت من الأمم الأخرى كعلوم السحر ولشعوذة والزندقة والفلسفة المنحرفة فهم عندما عجزوا عن التحقق بما تحقق به السادة الصوفية الذين أظهر الله على أيديهم الخوارق والكرامات التي قوت ثقة الناس بهم وأيد الله بها مناهجهم فاتبعهم الناس .
ولكن الأدعياء محرومون من هذا فكان لابد من التشبه بأحوال الرجال فاستخدموا هذه العلوم والخزعبلات والخرافات والشعوذات من أجل إيهام أتباعهم بأنهم أولياء مقربون من الله أعاذنا الله منهم ولقد تبين من خلال ما مضى من بحثنا أن التصوف هو علم جليل وعظيم ولكنه ابتلي في الآونة الأخيرة بثلة من المتصوفة الذين دخلوا فيه وهم ليسوا منه . كما ابتلي الإسلام بالمنافقين في أول ظهوره الذين أبطنوا الكفر واظهروا الإيمان .
وكما قيل لكل قاعدة شواذ . والعجب كل العجب أنَّ الكثير من أعداء التصوف راحوا يتكلمون عليه من خلال هؤلاء الأدعياء وهو منهم براء , وهذا ظلم عظيم .
وما مثل التصوف إلا كمثل باقي العلوم الأخرى , فقد دس في علم الحديث من ليس من أهله فدسوا الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلك وكذلك علم الكلام والعقيدة والسير والتاريخ والفقه وغيرها من العلوم . فكذلك التصوف ابتلي بالأدعياء كما ابتلي غيره لكن ميزان التصوف أصبح واضحاً وحقيقته مشرقة .
هذا هو حال التصوف بين رجاله الذين أسسوه وفق الكتاب والسنة وبين الأدعياء الذين يسعون لتشويهه لتلبية حاجاتهم وشهواتهم وملذاتهم غير مبالين بغيرهم وبنتيجة أفعالهم ونحن الآن في هذا الزمان أحوج ما نكون إلى صحوة ويقظة صوفية نعيد من خلالها التصوف الصحيح إلى أصوله الصحيحة وبحاجة إلى مرحلة تصحيحة وتجديدية للتصوف فنخرج منه ما ليس منه مهما كلفنا ذلك لأننا نرى بأعيننا كيف أن أعداءه يحاولون مسحه من الوجود والتصوف مدرسة كبرى في حياة المسلمين لا يمكن إلغاؤها بجرة قلم، بل يجب الإفادة من صوابها وعرض ما سوى ذلك على الكتاب والسنة المطهرة .
ولذلك ينبغي على أهل التصوف العلماء منهم والحكماء والمريدين والسالكين أن يبادروا إلى إصلاح التصوف من داخله حتى يلحقوا بالركب المبارك - ركب الصحوة : صحوة أهل السنة والجماعة – يلحقوا بركب الصالحين الذين أسسوا هذا العلم وإن لم يفعلوا فسيبقى التصوف بهذا الشكل الذي نشاهده اليوم ، غائب بين الأدعياء والصالحين .
واعلم أن الناس من أهل التصوف قد انقسموا قسمين :
القسم الأول : قسم يسعى للتصحيح : وهؤلاء جزاهم الله خيرا على مرادهم فهم يسعون جاهدين لإظهار حقيقة التصوف فراحوا يبادرون للعلم الشريف والسلوك الصحيح متمسكين بالمنهج الصحيح الذي يبيناه باذلين في ذلك كل جهودهم وأنفسهم وأموالهم وقد كثروا في هذا الزمان وانتشروا في أصقاع الأرض فالذي يتفكر وينظر ويبحث في التصوف يراه ينتشر انتشارا عجيبا وكبيرا في العالم الإسلامي ونرى الكثيرون يتوجهون إلى التصوف توجها كبيرا وخاصة على شبكة الانترنت وهناك المئات من المواقع التي تتكلم عن التصوف بالشكل الصحيح وهناك العشرات من العلماء الذين يتبنون هذا العلم العظيم ونرى المؤلفات الصوفية في كل يوم تنشر وتطبع والحمد لله وهذه بشارة خير وكلنا ينبغي أن نلحق بركب هؤلاء ولا نستحي من الحق حتى على أنفسنا فهناك الكثير من الطرق الصوفية دخل فيها ما لا يوافق الكتاب والسنة وما لا يوافق منهج الصوفية فينبغي أن نتخلى عنه مهما كلفنا ذلك فعلى عقلاء التصوف وعلماء التصوف أن ينقوا صورته التي شوهت كثيراً، وأن يبادروا بحركة الإصلاح وإعادة هذا التصوف إلى وجهه الصحيح وجذوره الأولى و إلا فالفناء حق عليهم وركب الصحوة سائر في طريقه إليهم .
القسم الثاني : قسم يسعى للتبرير: وأقصد بالتبرير ( يعني يخلقون الأعذار والحجج الواهية لإثبات منهجهم وإلصاقه بركب الصالحين وبمنهج المتصوفين ) .
وهؤلاء ينقسمون لثلاثة أقسام هم : أولا : الغارقون في البدع والمخالفات هؤلاء هم مخلفات الأدعياء الذين يتنعمون بأتباع يفنون أنفسهم في خدمتهم ويبذلون أموالهم في سبيلهم ويعظمونهم ويقدسونهم ولا يخالفون لهم أمرا فكيف يتركون هذه النعم ويرجعون إلى الطريق الصحيح طريق الزهد والتواضع والخضوع لله إن هذا صعب على أنفسهم كما كان الإسلام صعب على زعماء مكة كيف يخضعون ويأتمرون .
ثانياً : الضعفاء الجاهلون الذي تصدروا للتصوف والمشيخة وهم لا يعرفون منه إلا الرسم والقشور وقد نشئوا على هذا واستقرت أحوالهم فلا يتكبدون صعوبة التصحيح والرجوع للعلم والعمل .
ثالثاً: الدخلاء والأدعياء الذين دخلوا التصوف للنيل منه فدخولهم بقصد التحريف كما دخل الكثير من المجوس واليهود في الإسلام في عصر الفتوحات بقصد النيل منه والدس فيه وهذا هو حال التصوف صراع دائم بين أهل التصحيح وأهل التبرير وهناك من يتربص بكليهما وهم أعداء التصوف من المستشرقين ومن أدعياء السلفية وغيرهم ونصيحتنا الأخيرة لأهل التصوف أهل التصحيح أن يبذلوا قصار جهدهم في النهضة والصحوة واليقظة لتجديد وتصحيح التصوف ونسأل الله أن نكون منهم ومن أتباعهم وخدامهم . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين .
المصدر: موقع الصوفية طريق الى الله http://0alsoufia.malware-site.www/asd/archive/2007/4/205219.html | |
|