تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: التصوف بين التصحيح والتبرير( الجزء 1) الإثنين مارس 09, 2009 4:30 am | |
| التصوف بين التصحيح والتبرير
التصوف بين التصحيح والتبرير بسم الله الرحمن الرحيم
مخلف بن يحيى العلي الحذيفي القادري الحذيفي /سورية الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه أجمعين ، الحمد لله الذي هدانا لطلب العلم واسأله تبارك وتعالى أن يكرمنا بنور الفهم وان يجعلنا من أهل الصبر والحلم واسأله جل وعلا أن يجملنا بالعافية ويكرمنا بالتقوى إنه على كل شي قدير وبعد :
انه من المعلوم للكبير والصغير وللقاصي والداني وللعربي والعجمي من علماء هذه الأمة الفاضلة أن علم التصوف هو من أجَّلِ العلوم الإسلامية التي قامت عليه الشريعة الإسلامية ، ونحن عندما نقول علم التصوف فإننا نعني بهذه الكلمة التصوف الصحيح الذي بُنيت أُسُسَهُ وقواعده على الكتاب والسنة .
التصوف الذي بني على الزهد الذي هو من أصول الشريعة الغراء ، بل إن الزهد هو احد مصطلحات التصوف حتى أن الذين كتبوا في علم التصوف من الأوائل كتبوا باسم الزهد كأحمد بن حنبل وعبد الله بن المبارك ، وظاهرة الزهد والزهاد ظهرت في وقت مبكر من تاريخ هذه الأمة منذ عصر الصحابة الكرام كعبد الله بن رواحة وأبو ذر وأبو الدرداء وأبو هريرة الذين كانت لهم مدارسهم في الزهد الذي نشروه بين الناس وعلى رأسها مدرسة الزهد الكبرى مدرسة سيدنا علي بن أبي طالب ، فأخذه عنهم الحسن البصري , وعروة بن الزبير, وأويس القرني , وعبد الله بن المبارك ثم إبراهيم بن ادهم , والفضيل بن عياض , والجنيد البغدادي , وأبو بكر الشبلي , وسري السقطي , وذو النون المصري .
وهؤلاء هم الذين أسسوا علم التصوف فهو علم كبقية العلوم له أصوله وله أسسه وقواعده وهو نابع من الكتاب والسنة وأصحاب الصفة رضي الله عنهم ثم ازدادت في عصر التابعين وتابعيهم وكان ظهورهم نتيجة لتزايد انشغال الناس بالدنيا وترفها .
فكان ظهور هذه الفئة من العباد والزهاد تذكيراً للمجتمع وإيقاظاً له، خاصةً أن بوادر الترف في حياة المجتمع كانت قد بدأت تظهر فكان لظهور هؤلاء العباد ولأقوالهم وأحوالهم أثراً تحذيرياً للمجتمع من أن يقع فريسة الترف والغفلة وتذكيراً له بمهمته الأساسية من الذكر والعبادة، وإعلاناً بأن هذه الدنيا لا قيمة لها، فهذا كان له أثر الإيقاظ للمجتمع وبوادر الترف تهجم عليه، ولذلك كانت أقوال هؤلاء العباد تدور حول هذه المعاني وحول محبة الله _عز وجل_ والانقطاع لـه وتقديم محبته والتعلق به على سائر العلائق، وكانوا يوصون مع ذلك بأن يرد كل ما يصدر عنهم إلى الكتاب والسنة .
هكذا كانت نشأة هذا العلم الجليل (علم التصوف) ولم يكن يعرف بالتصوف ولكن أطلقت هذه التسمية فيما بعد .
واسمع إلى قول ابن خلدون في مقدمته ص 329 : (وهذا العلم ـ يعني التصوف ـ من العلوم الحادثة في الملة وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق والهداية وأصلها العكوف على العبادة , والانقطاع إلى الله تعالى , والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها , والزهد في ما يقبل علية الجمهور من لذة ومال وجاه , والإنفراد عن الخلق , والخلوة للعبادة , وكان ذلك عاماً في الصحابة والسلف فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية) .
وأورد صاحب كشف الظنون في حديثه عن علم التصوف في الصفحة 414 كلاماً عن الأمام القشيري قال فيه : (اعلموا أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَتَسمَّ أفاضلهم بتسمية علم سوى صحبة رسول الله عليه الصلاة والسلام , إذ لا أفضلية فوقها فقيل , لهم الصحابة ثم اختلف الناس وتباينت المراتب فقيل لخواص الناس ـ ممن لهم شدة عناية بأمر الدين ـ الزهاد والعباد ثم ظهرت البدعة وحصل التداعي بين الفرق فكل فريق ادَّعوا أن فيهم زهاداً , فانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفسهم مع الله سبحانه وتعالى , الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم التصوف , واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المأتين من الهجرة ولو رجعت إلى رجال التصوف الأوائل الذين أسسوه كأمثال (الحسن البصري , وعروة بن الزبير, وأويس القرني , وعبد الله بن المبارك ثم إبراهيم بن ادهم , والفضيل بن عياض , والجنيد البغدادي , وأبو بكر الشبلي , وسري السقطي , وذو النون المصري وعبد القادر الجيلاني والمحاسبي ) كانوا كلهم علماء عاملين دعاة إلى الله ساروا إلى الله بالكتاب والسنة ملتزمين بالسلوك المحمدي وبسيرة السلف العظام وكانوا دعاة إلى الله) .
فلذلك ظهرت أنوارهم وبقيت آثارهم فالتصوف حقيقة أن تتعلم العلم الشريف الذي هو فرض عين على كل مسلم ومسلمة ثم يعمل بهذا العلم الذي تعلمه ثم يسعى لاكتساب الصدق والإخلاص وذلك يكون بالاستعانة بالله تعالى والعكوف على الذكر والعبادة لتصفية الروح وتزكية النفس وشفاء القلب السقيم فلا تصوف بدون علم ولا ينفع العلم بلا عمل ومن قال بغير هذا فهو ليس من التصوف في شيء .
فهذا هو إمام أهل السنة الأمام احمد بن حنبل رحمه الله يقول : (لولده عبد الله يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم فإنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة ويقول عن الصوفية لا أعلم أقواماً أفضل منهم) . كتاب تنوير القلوب ص 405 وغذاء الألباب لشرح منظومة الآداب للسفاريني 1120 .
وهذا هو حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله يقول ولقد علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرهم أحسن السير وطريقتهم أصوب الطرق وأخلاقهم أزكى الأخلاق) . كتابه المنقذ من الضلال صفحة 49.
وهذا هو سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمة الله يقول : ( قعد القوم من الصوفية على قواعد الشريعة التي لا تتهدم دنيا وأخرى وقعد غيرهم على الرسوم ) كتاب نور التحقيق للشيخ حامد صغر ص 96 .
وهذا هو الأمام الحجة شيخ الشافعية النووي رحمه الله وهو ثقة بإجماع الأمة يقول : ( أصول طريق التصوف خمسة : تقوى الله في السر والعلانية , إتباع السنة في الأقوال والأفعال , الأعراض عن الخلق في الإقبال والأدبار , الرضا عن الله تعالى في القليل والكثير , الرجوع إلى الله في السراء والضراء ) كتاب مقاصد الإمام النووي والتوحيد والعبادات وأصول التصوف ص 20 .
وتحدث الأمام أحمد ابن تيمية رحمة الله تعالى عن تمسك الصوفية بالكتاب والسنة فقال : ( فأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض , وإبراهيم بن أدهم , وأبي سليمان الدارني , ومعروف الكرخي , والسري السقطي , والجنيد بن محمد , وغيرهم من المتقدمين , مثل الشيخ عبد القادر الجيلاني, والشيخ حماد , والشيخ أبي البيان , وغيرهم من المتأخرين فهم لا يسوغون للسالك ولو طار في الهواء أو مشى على الماء أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين , بل عليه أن يعمل المأمور ويدع المحظور إلى أن يموت . وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف , وهذا كثير من كلامهم ) . الجزء العاشر من مجموع فتاويه .
وهذا هو الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى يقول : ( إن كثيراً من الجُهَّال يعتقدون في الصوفية أنهم متساهلون في الإتباع والتزام ما لم يأت في الشرع التزامه مما يقولون به ويعملون وحاشاهم ( الصوفية ) من ذلك أن يعتقدوه أو يقولوا به فأول شي بنوا عليه طريقهم إتباع السنة واجتناب ما خالفها , الاعتصام لشاطبي) .
هذا هو علم التصوف وهكذا نشأ وهكذا كانت سيرة رجاله رضوان الله عليهم الذين التزموا بهذه القواعد والأسس الشريفة التي بني عليها هذا العلم الجليل وكانت ثمرة هذا الالتزام والتمسك الصحيح أن فتح الله عليهم واصطفاهم وأخلصهم لنفسه وأحبهم الله لزهدهم في الدنيا وأحبهم الناس لحب الله لهم ولزهدهم فيما أيدي الناس وذلك لحديث الرجل الذي أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : يا رسول الله دلني على عمل إذا فعلته أحبني الله وأحبني الناس ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : أزهد في الدنيا يحبك الله ، وأزهد فيما عند الناس يُحبك الناس رواه ابن ماجة عن سهل بن سعد الساعدي .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء - قال - ثم يوضع له القبول في الأرض .
وسخر الله لهم العباد وألقى هيبتهم في قلوب السلاطين والملوك والحكام فسعى الملوك ورائهم بينما الناس تسعى وراء السلاطين والحكام والأمراء ونظروا للدنيا بعين الحقيقة بنظرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ( لا تعدل عند الله جناح بعوضة ) فلذلك فتح الله عليهم وكثر السالكون على أبوابهم واتبعهم الناس واهتدى على أيديهم الضلال واسلم الكفار ورجع الفساق إلى جادة الصواب فكانوا مشاعل من نور أضاءت للناس طريقهم ووضحت لهم سبلهم خير مثال على هذا الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه .
واسمع إلى قول شيخ الإسلام الشيخ محي الدين النووي رحمه الله في الشيخ عبد القادر الجيلاني : (كان شيخ السادة الشافعية والسادة الحنابلة ببغداد وانتهت إليه رياسة العلم في وقته , وتخرج بصحبته غير واحد من الأكابر وانتهى إليه أكثر أعيان مشايخ العراق وتتلمذ له خلق لا يحصون عدداً من أرباب المقامات الرفيعة , وانعقد علية إجماع المشايخ والعلماء رضي الله عنهم بالتبجيل والإعظام , والرجوع إلى قولة والمصير إلى حكمه ,وأُهرع إليه أهل السلوك من كل فج عميق وكان جميل الصفات شريف الأخلاق) . قلائد الجواهر ص 137 نقلا عن بستان العرافين .
وقد ذكر هذا الدكتور ماجد عرسان الكيلاني في كتابه ( هكذا ظهر جيل صلاح الدين) فقال : (وتدل الأخبار المتعلقة بالمدرسة على أنها لعبت دوراً رئيسياً في إعداد جيل المواجهة للخطر الصليبي في البلاد الشامية . فقد كانت المدرسة تستقبل أبناء النازحين الذين فروا من وجه الاحتلال الصليبي , ثم تقوم بإعدادهم ثم إعادتهم إلى مناطق المواجهة الدائرة تحت القيادة الزنكية . ولقد اشتهر ـ فيما بعد ـ نفر من هؤلاء الطلاب منهم ابن نجا الواعظ الذي أصبح فيما بعد مستشار صلاح الدين السياسي والعسكري , والحافظ الرهاوي , وموسى ابن الشيخ عبد القادر الذي انتقل إلى بلاد الشام ليسهم في النشاط الفكري , وموفق الدين ـ صاحب كتاب المغني ـ وأحد مستشاري صلاح الدين , وقريبه الحافظ عبد الغني اللذين وفدا للالتحاق بمدرسة سيدي الشيخ عبد القادر بعد أن نزحت أسرتهما من جماعيل في منطقة نابلس إلى دمشق) .
ولقد وصف ابن قدامة المقدسي طريقة عبد القادر في التعليم وأثره في طلبته فقال : ( دخلنا بغداد سنة إحدى و ستين وخمسمائة . فإذا بالشيخ عبد القادر ممن انتهت إليه الرئاسة بها علماً وعملاً وحالاً واستفتاءً . وكان يكفي طالب العلم عن قصد غيره من كثرة ما اجتمع فيه من العلوم , والصبر على المشتغلين وسعة الصدر . وكان ملء العين وجمع الله فيه أوصافاً جميلة وأحوالاً عزيزة وما رأيت بعده مثله ) .
واستطاع الشيخ عبد القادر ومن عاصره وعلى رأسهم الإمام الغزالي الذي سبق الجيلاني بهذا وغيره من السادة الصوفية أن يتصدوا للهجمات التي تعرض لها العالم الإسلامي .
وقد ذكر الشيخ عبد الرزاق الكيلاني في كتابه الشيخ عبد القادر عن دور الصوفية في التعامل مع الأحداث العامة للبلاد فقال : لقد كان نشوء التصوف رداً على انحراف ميزان المجتمع الإسلامي بشدة نحو المادة ونحو الدنيا وزينتها وقد نجح في إيقاف السيل الجارف , أو الحد من قوته في كثير من الأحيان ووقف الكثير من أئمة التصوف في وجه الظلم والطغيان , وقالوا كلمة الحق غير خائفين أو وجلين , تحقيقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أفضل الجهاد كلمة عدل _أو حق _ عند سلطان جائر ) . كموقف سيدنا الشيخ عبد القادر الجيلاني مع الخليفة العباسي المقتفي لأمر الله , وعز الدين بن عبد السلام مع الملك الصالح إسماعيل ثم مع نجم الدين أيوب ومماليكه في مصر , ومنذر بن سعيد البلوطي مع عبد الرحمن الناصر في قرطبة , والنووي مع الظاهر بيبرس , والشيخ سعيد الحلبي مع إبراهيم باشا المصري , وكثير غيرهم , هذا بالإضافة إلى إسلام كثير من الكفار وتوبة كثير من العصاة والفساق على أيديهم , كما حدث لسيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني , إذ أسلم على يديه خمسة آلاف من الكفار وتاب أكثر من مائة ألف من العصاة , كما أن بعضهم قد جاهده بيده وسيفه . وكذلك سيدي أحمد البدوي ومريدوه قد ساهموا مساهمة فعالة في رد الحملة الصليبية على مصر بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا .
والمرابطون في إفريقية , وأصلهم من قبيلة لمتونة , تنسك أولاً رجل منهم يدعى يحيي بن عمر على يد عبدا لله بن ياسين الجزولي , وصاروا يعبدون الله سبحانه وتعالى في ربوة سموها رباطاً , وأخذ عددهم يزداد حتى بلغ ألفاً من الرجال , وكانوا في بدء الأمر قد تفرغوا للعبادة والتأمل والتعلم وإصلاح الباطن وتزكية الأخلاق مدة عشر سنوات , وعند ذلك قال لهم شيخهم : اخرجوا الآن و جاهدوا فلن تغلبوا من قلة ولا من ضعف , فخرجوا وغلبوا على إفريقية وشكلوا دولة المرابطين , وبعد وفاة يحيي بن عمر تولى يوسف بن تاشفين الذي بني مدينة مراكش ثم انجد المسلمين في الأندلس وكان السبب في تأخير خروج المسلمين منها لمدة أربعة قرون أخرى , وذلك بعد انتصاره على ملك الإفرنج ألفونسو في معركة الزلافة سنة 479هـ . وهي من المعارك الفاصلة في التاريخ , قضى فيها المرابطون على جيش ألفونسو , وكان 50 ألفاً وقيل أكثر من ذلك , فلم ينجُ منهم سوى خمسمائة جندي . وعبد القادر الجزائري رحمه الله تعالى , حارب المستعمرين الفرنسيين في الجزائر مدة خمس عشرة سنة , ومحمد غازي والشيخ شامل اللذان حاربا الروس خمساً ثلاثين سنة هما من الطائفة النقشبندية , والحركة السنوسية التي حاربت إيطاليا في ليبيا , والحركة المهدية التي حاربت الإنكليز في السودان , هما حركتان صوفيتان أيضاً . وهذه هي مواقف السابقين من أئمة التصوف في الوقوف أمام التيارات المعادية للإسلام والتصدي لها وكما كان لهم مواقف عظيمة في حماية الإسلام كان لهم أيضاً دور فعال في إصلاح المجتمع وتنشئة جيل صالح من العلماء والمريدين وأعظم مثال على ذلك هو منهاج الغزالي لإيجاد جيل جديد من العلماء والصالحين .
المصدر: موقع الصوفية طريق الى الله http://0alsoufia.malware-site.www/asd/archive/2007/4/205219.html | |
|