عادل محمد زايد
عدد المساهمات : 4107 تاريخ التسجيل : 30/01/2009 العمر : 38 الموقع : المشرف علي المنتدي
| موضوع: جلال الدين المولوي الجمعة فبراير 06, 2009 10:50 am | |
| جلال الدين المولوي
كان جلال الدين مولانا او مولوي، من الشعراء العرفاء او علي قول البعض من العرفاء الشعراء الذين لم يكن الشعر عندهم مهنةً او وسيلة لبلوغ مأرب او تحقيق هدف ، بل كان الشعر جزءاً من وجودهم، وخفقة من خفقات قلوبهم، وانعكاساً طبيعياً لمشاعرهم وضمائرهم، وفيضاً من فيوض ارواحهم التي يملاها حب المطلق وتنطلق في آفاق التكامل.
الهجرة مع ابيه اشتهر جلال الدين محمد البلخي بمولوي، ومولوي الروم، وجلال الدين الرومي وذلك لطول اقامته في آسيا الصغري او ماكان يسمي' بامبراطورية الروم الشرقية. وُلد في السادس من ربيع الاول عام 604 هـ في مدينة بلخ التابعة لاقليم خراسان آنذاك، وتوفي بقونية في تركيا الحالية عام 673 هـ ودفن فيها. ابوه بهاء الدين محمد بن الحسين كان يلقب بـ«سلطان العلماء» ويُعرف بـ«مولانا الكبير» ويُعدّ من كبار الصوفية في ايران، وتربي علي يد الشيخ نجم الدين احمد بن عمر الخوارزمي المعروف بـ«كبري». وفي خضم النزاع الذي كان محتدماً بين الصوفية والفلاسفة، كان سلطان العلماء يشن في مجالسه الخاصة ومن علي المنابر هجوماً عنيفاً متواصلاً علي الفلاسفة والحكماء ويتهم اتباع الفلسفة اليونانية بشكل خاص بالضلال والانحراف، ويوجه نقده اللاذع نحو الامام فخر الدين محمد بن عمر الرازي، الذي كان يعد من كبار الحكماء والمتكلمين في ذلك العصر، ويقيم في خوارزم مصاحباً السلطان علاء الدين محمد خوارزم شاه. وطبقاً لما اورده الافلاكي في مناقب العارفين فقد شعر سلطان العلماء بالاستياء من الوضع العام السائد في بلخ ومن المواقف التي لاتتسم بالتأييد للتصوف التي كان يتخذها بعض زعمائها، لهذا قرر ان يهاجر منها الي بلاد اخري ذات ظروف افضل. وفي طريق هجرته عرّج علي نيشابور والتقي بعارفها الشيخ العطار، فوجد الشيخ في ابن سلطان العلماء ـ اي مولانا الذي كان له من العمر خمس سنوات ـ طاقة عرفانية كامنة، وتوسم فيه الخير والصلاح، فوهب له كتاب «اسرارنامه»، لاعتقاده انه سيقدم اليه الكثير مما يحتاج اليه في المستقبل خلال عملية السلوك. وانطلق الوالد والولد بعد ذلك نحو بغداد بهدف السفر من هناك الي الديار المقدسة لاداء فريضة الحج. وحينما اشرف علي بغداد سألهما جماعة: من اين اتيتما والي اين تريدان؟ فاجاب والد مولانا: من الله والي الله ولاقوة الا بالله ووصلت هذه الاجابة الي مسامع العارف الشهير الشيخ شهاب الدين السهروردي فقال: ماهذا الا بهاء الدين البلخي، فخرج لاستقباله. ولم يقم سلطان العلماء وابنه الصغير في بغداد سوي ثلاثة ايام فخرجا في اليوم الرابع الي الحجاز. وبعد اداء مناسك الحج وزيارة قبر النبي (ص) خرجا الي بيت المقدس حيث استقبلهما اهله بحفاوة بالغة، ثم توجه نحو «ارزنجان » فاقاما فيها مدة اربعة اعوام، ولقيا ترحاباً من قبل حاكمها فخر الدين بهرام شاه وابنه علاء الدين داود.
التوطن في قونيه نزح الاب والابن بعد ذلك نحو ملاطيه ولارنده، وتزوج جلال الدين بجوهر خاتون بنت الخواجه لالاي السمرقندي في مدينة لارده وله من العمر (18) عاماً، وانجبت له ولديه محمد المعروف بـ«سلطان ولد» وعلاء الدين محمد. وبعد اقامة دامت (4) سنوات في ملاطيه و(7) سنوات في لارنده رحل الاب والابن الي قونيه عاصمة سلاجقة الروم نزولاً عند رغبة ملكها علاء الدين كيقباد. ولم تمر علي هجرة الوالد الي قونيه سوي سنتين حتي توفي في عام 628 هـ وتاثر اهل قونيه لوفاته، واقيمت مجالس الحداد في كل مكان واخذ الخطباء يتحدثون بفضله وزهده. وخلف مولانا جلال الدين والده بناءً علي رغبة السلطان علاء الدين والامراء والحاح مريدي ابيه، فصار اماماً للناس وواعظاً ومرشداً. وبعد عام من ذلك وصل الي قونيه السيد بهاء الدين المحقق الترمذي، وكان من سابق تلامذة سلطان العلماء وخواص المتصوفة. فانبري للارشاد والوعظ في هذه المدينة، واجتمع بمولوي وخاطبه قائلاً: «ان اباك كان كاملاً في علم القال وعلم الحال، واليوم وقد خلفته في علوم الشريعة والفتوي، فلابد لك ان تسلك في علم الحال سلوكاً يجعل منك نعم الخلف لابيك. واذا اردت ان تكون مريداً فعليك ان تجد المراد، وما وصل من ابيك اليّ اشياء تري ولا تُعلّم». وكانت هذه الكلمات بمثابة الشرارة التي اججت شوقة ولهفته للحصول علي تلك الاشياء واختراق الحجب التي تحجب من لايعايش اسرار العرفان ورموز السلوك، فاندفع نحوه واقبل بروحه وجسمه عليه ولازمه مدة (9) سنوات كان يخضع خلالها لتوجيه استاذه وتربيته.
رحلة علمية وطبقاً لرواية الافلاكي فقد رحل مولوي الي الشام باشارة من استاذه الترمذي لتلقي المزيد من علوم الظاهر فنزل اول الامر بحلب في المدرسة الحلاوية واخذ عن عالمها كمال الدين ابو القاسم عمر بناحمد المعروف بابن العديم .ثم غادر حلب الي دمشق بعد (3) سنوات من الدراسة فاستقبله علماوها واعيانها، فنزل في المدرسة القدسية، وقدم خدمات جليلة. وامضي' جلال الدين الرومي مدة (4) سنوات في عاصمة الشام التي كانت آنذاك مركز الفضلاء وجامعة العلم والعرفان، حيث انصرف خلالها الي الزهد والرياضية والاغتراف من منهل المعارف الدينية. وقرأ خلال هذه المدة ايضاً كتاب الهداية لشيخ الاسلام برهان الدين علي بن ابي بكر المرغيناني علي اساتذة بارعين، وهو كتاب جامع في الفقه الحنفي ذو شروح وتعاليق وحواش كثيرة. كما نال شرف الالتقاء بالعارف الشهير محيي الدين ابن عربي وفضلاء المدينة. وبعد (7) سنوات من السفر، عاد شاعرنا العارف الي قونية، وانصرف الي التصوف والرياضة تحت اشراف السيد الترمذي. وبوفاة هذا الاخير تمكن مولانا من مسند الارشاد والتدريس وبذل اقصي الجهود لتربية اصحاب الاستعداد وكسب خلال ذلك الكثير من المريدين والانصار الذين اعتبروه امام دينهم ومفتي شريعتهم ودليل طريقتهم.
التحول الكبير فيما كان مولوي منهمكاً بتدريس القيل والقال وكتابة الفتاوي الشرعية، والتحدث عما يجوز ومالايجوز، وفيما كان الناس يتقاطرون عليه من كل حدب وصوب للاخذ عنه، جابه حادثة قلبت وضعه راساً علي عقب وغيرت مجري حياته، واخذ يعيد حساباته مع نفسه والا´خرين، فقد دخل حياته شخص جديد بعث التلاطم في محيط نفسه الهادي، وسطعت به ـ علي حد تعبير العرفاء ـ شمس العشق والحقيقة علي روحه. وكان هذا الشخص هو شمس الدين محمد التبريزي، احد شيوخ الصوفية ورجال العرفان، ذو النفس الحار والجاذبية القوية والبيان الموثر. وطبقاً لرواية الافلاكي: تتلمذ الشيخ شمس التبريزي علي الشيخ ابي بكر زنبيل باف الذي كان وحيد عصره في كشف القلب. وحينما وصل الي درجة رفيعة في السير والسلوك، انطلق لطلب الكمال الاسمي، وامضي السنوات بين البلدان منتقلاً من مدينة لمدينة وملتقياً باهل السر والرياضة، مرتدياً اللباس الاسود. ووصل شمس الدين التبريزي الي قونيه في 26 جمادي الا´خرة عام 642 هـ وهناك تضارب في الطريقة التي تم فيها اللقاء بينه وبين مولانا. فذكر محيي الدين عبد القادر المصري مولف الكواكب المضيئة في طبقات الحنفية ان مولانا كان جالساً يوماً في حجرته والكتب مكدسة بين يديه وطلابه يحيطون به، اذ دخل عليه رجل غريب فسلم ثم اشار الي الكتب وقال: ماهذه؟ فردّ عليه مولانا: انت لاتعلم ماهذه! فلم يكد يتم اجابته حتي اشتعلت النار في الكتب. فسأله مولانا بتعجب: ماهذا؟ فأجابه: انت لاتعلم ما هذا! ثم قام وانصرف. وبهذا اللقاء المثير المكتنز بالرموز، ادرك مولانا انه لازال متخلفاً كثيراً عن الركب العرفاني وان امامه طريق طويلة لبلوغ مابلغه غيره من العرفاء امثال شمس الدين، وشعر بان شمس هذا الشيخ قد اشرقت علي روحه واشعلت النار في بيدر وجوده بحيث لم يبق يشغله احد سوي المعشوق. وبعد ان كان يعد نفسه مستغنياً عن الاخذ عن احد اوملازمة الغير، ادرك انه بحاجة ملحة لملازمة هذا الشيخ الجديد والارتواء من منبع علمه وعرفانه. فاقبل عليه والتصق به التصاق الرضيع بامه، بل وهام في حبه واصبح اسير سلوكه ومعرفته وطريقته، لهذا انقطع عن الدروس ومجالس الوعظ والارشاد، وهجر الطلاب والمريدين، وانقطع عن الاهل والاحباب، واختلي بهذا المراد الجديد بعد ان وجد فيه ضالته المنشودة. واخذ تلامذة مولانا ومريدوه ينظرون الي شمس الدين التبريزي بعين الريبة والغضب، وادركوا بانه يقف خلف هذا التغير الذي طرأ علي شيخهم، بل وعده البعض ساحراً ومشعوذاً فاخذوا يشنّعون عليه ويكيلون له التهم، وقد شاركهم في ذلك ايضا فقهاء قونيه وعلماوها، وربما كان دافعهم في ذلك الحسد او الجهل. وحينما ادرك شمس التبريزي ان الافكار بشكل عام متألبة عليه، والاوضاع لاتسير لصالحه، والذهنية العامة عاجزة عن فهمه وتفسير الطريقة التي هو عليها خرج من قونيه سراً دون ان يعلم به احد حتي مولانا. فتألم مولانا لذلك وانقبض صدره وشعر بانه قد فقد جزءاً مهماً من حياته فاخذ يبحث عنه وستجلي اخباره حتي علم انه قد استقر في دمشق، فاندفع يبعث اليه الرسائل والقصائد التي تحثه علي العودة وتكشف عن مدي تالمه لفراقه. فلان قلبه وطاب خاطره، فعاد الي قونيه، وبعودته عادت الحياة الي قلب مولانا و ضحكت له الشمس من جديد، فلازمه ملازمة اعظم من الاولي والتصق به التصاقا اشدّ وطال اختلاوه به، وطالما خرجا معاً الي البوادي والبراري لاداء مراسم التعبّد علي طريقتهما الخاصة.
لوعة الحزن وتوترت الاجواء ثانية، ولم يطق فقهاء المدينة وتلامذة الشيخ وحتي العوام مثل تلك الممارسات والتصرفات التي كان عليها الشيخ مولوي، واخذوا يتهمونهما بالسحر والجنون، وانقلب علي عارفنا حتي اولئك المريدون الذين جاءوا معه من بلخ الي قونيه وقرر بعض المناوئين الحاق الاذي بالشيخ التبريزي، فاتصل ذلك به فخرج من قونيه سراً الي بلاد اخري دون ان يخبر احداً بذلك. وحزن مولانا لخروجه حزناً شديداً حيث ادرك ان شمس الحقيقة قد اختفت تحت سحب الاسرار، وغضب غضباً شديداً علي اولئك الذين لم يدركوا حقيقته، واساءوا اليه عن جهل وحسد. ولم يقف المناوئون عند هذا الحد، بل انبروا ايضا لخوض حرب نفسية مع مولانا فاخذوا يشيعون الاكاذيب ويلفقون الاخبار ضده وضد الشيخ. وكانت تصل اليه في كل يوم اخبار متضاربة حول الشيخ، فكان يعيش بين الامل واليأس والحيرة القاتلة، وعلي حد قول احدهم: كان يحترق في امل شمس الدين ويصوغ الاشعار في فراقه.
خيفته ونظراً لاستغراقه في الكمال المطلق وجلوات جمال الربوية، وشعوره بان ذلك يستوجب انقطاعه عن الناس، قرر ان يختار احد انصاره ومريديه خليفة له لارشاد الطالبين وهداية الراغبين فاختار لهم صلاح الدين فريدون زركوب القونوي. وبما ان مريديه لم يذوبوا بعد في نار العشق ولم ينصهروا في بوتقة الرياضة والسلوك، ولم يهذبوا انفسهم من غش الهوي والوهم، فقد رفضوا الانصياع لهذا الرجل لانهم كانوا ينظرون اليه من منظار ظاهري اي، كرجل امي يعمل صائغاً في سوق قونيه. وانبروا لمعاداة صلاح الدين واخذوا يتهجمون عليه، وخططوا للتخلص منه، ورغم ذلك اصر مولانا علي رأيه فيه وطلب من اولاده وخلص اصحابه الالتفاف حوله وموازرته وبلغ حبه له واهتمامه به ان زوج ابنه سلطان ولد من ابنته فاطمة خاتون. واثر ذلك الموقف المزري للناس عليه، فمرض مرضاً شديداً وتوفي عام 657 هـ .
المصدر: مؤسسة الفكر الاسلامي http://www.e-resaneh.com/Arabic/mashaheer/molavi.htm --------------------------------------------------------------------------------[center] | |
|