151- وصن لسانك وسماعك عن الكلام القبيح ، ولا تنهر الخادم ، ولا ترد من سألك حاجة إلا بها، أو بما يسر من القول.
152- وإذا خيرت بين أمرين فاختر أيسرهما ، ما لم يكن مأثما.
153- وأجب دعوة الداع([148]) وتفقد أصحابك وإخوانك واعف عمن ظلمك ، ولا تقابل على السيئة بالسيئة ([149])، وقم الليل باكيا في الباب ، وطب بالله وحده ، وكفى بالله وليا.
154- قال إمامنا الشافعي رضي الله عنه : من شهد في نفسه الضعف : نال الاستقامة .
وقال : أركان المروءة أربعة : حسن الخلق ، والتواضع ، والسخاء ، ومخالفة النفس.
وقال : التواضع يورث المحبة ، والقناعة تورث الراحة .
وقال : الكيس العاقل : الفطن المتغافل.
وقال : إنما العلم ما نفع.
155- فاشهد نفسك بالضعف والفقر تستقم ، وشيد أركان المروءة تحسب من أهلها ، وتواضع واقنع تصر محبوبا مستريحا ، وتغافل تكن كيسا.
156- وخذ من العلم ما ينفعك إذا أقبلت على ربك ([150])
فإن الدنيا خيال ، وكلها زوال ، والله محول الأحوال.
يا أيها المعدود أنفاسه لا بد يوما أن يتم العدد
لا بد من يوم بلا ليله وليلة تأتي بلا يوم غد
157- إن الله طوى أولياءه في برد ستره تحت قبابه ، وحجبهم عن غيره ، لا يعرفهم إلا هو ، وهذا إلزام بحسن الظن في الخلق ، فإياك وسوء الظن بأحد ، إلا إذا قامت لك عليه حجة شرعية ، فراع شرع الله من دون انتصار إلى نفسك، آخذا بالإخلاص ، متجرداً من غرض نفسك ومرض قلبك ، وقبح ما قبحه الشرع ، وحسن ما حسنه الشرع([151]) ، ولا يكن قولك وفعلك إلا لله .
158- وإذا لم تقم لك حجة شرعية على الرجل لا تأخذ الخلق أو تؤاخذهم بالشبهات ، عليك بحسن الظن ، فإن لله مع الخلق مضمرات أسرار يغار عليها ، لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى.
159- { ولكل وجهة هو موليها } ([152]) فلتكن وجهتك المحجة البيضاء، شريعة سيد الأنبياء عليه صلوات الله وسلامه: {وكفى بربك هادياً ونصيراً } ([153])
160- أبى العقل إلا إعقال ما بلغه بواسطة الفهم ، وأبى القلب إلا الترقي إلى ما فوق الفهم ، فاجعل همتك قلبية ، وحكمتك عقلية تفلح.
161- في الكف عرق متصل بالقلب ، إذا أخذ به شيء من الدنيا تسري آفتها إلى القلب ! وهذه آفة عظيمة مخفية ، لا يطلع عليه الخلائق.
162- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حب الدنيا رأي كل خطيئة " ([154]) ازهد في الدنيا ، وتباعد عن لذائذها .
163- وإياك ونوم الليل كالدابة ، فإن لله في الليل تجليات ونفحات ، يغتنمها أهل القيام ، ويحرم ثمرتها أهل التلذذ بالمنام.
164- قل للمغرور بأمنه ، المتلذذ بنومه ، المشغول القلب عن ربه :
يا نؤوم الليل في لذته إن هذا النوم رهن بسهر
ليس ينساك وإن نسيته طالع الدهر وتصريف الغير
إن ذا الدهر سريع مكره: إن علا حط ، وإن أوفى غدر
أوثق الناس به في أمنه خائف يقرع أبواب الحــذر
165- المشاهدة حضور بمعنى قرب مقرون بعلم اليقين ، وحق اليقين ، فمن حماه الله من البعد والغفلة ، وتقرب إلى الله بعلم اليقين وحق اليقين – بمعنى : " أعبد الله كأنك تراه" فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ([155]) فقد دخل حضرة الشهود وهي هذه لا غير ، وإلا فالمشاهدة لغة لا تصح لمخلوق في هذه الدار. وحسبك قصة موسى عليه السلام ([156])
166- حضرة المشاهدة لغة ومعنى ، حضر اختص بها صاحب قوسين ، بالقلب والعين ، والاختلاف فيها معلوم ، واختصاصه بها عند أهل الله مجزوم.
167- فأدب نفسك بالتقرب إليه بما يرضيه ، تحسب من أهل تلك الحضرة ، بنص : " لا يزال عبدي يتقرب إليه بالنوافل" الحديث. ([157])
168- هدى الله هو الهدى ، وكفى بالله وليا.
169- من تمشيخ عليك تتلمذ له ، ومن مد لك يده لتقبلها فقبل رجلة ، وكن آخر شعرة في الذنب ، فإن الضربة أول ما تقع في الرأس !
170- إذا بغى عليك ظالم ، وانقطعت حيلتك عن دفاعه ، فاعلم أنك حينئذ وصلت بطبعك إلى صحة الالتجاء إلى الله تعالى ، فاصرف وجهة قلبك عن غيره واسقط مرادك في بابه ، واترك الأمر إليه تنصرف إليك مادة المدد ، فتفعل لك ما لا يخطر ببالك ، وهذا سر التسليم وصدق الالتجاء إلى الله .
171- وإن ارتفعت همتك إلى الرضا بالقدر ، كما وقع للأمام موسى الكاظم ، سلام الله عليه ورضوانه حين اعتقله الرشيد – غفر الله له – وحمله من المدينة إلى بغداد مقيداً ، وحبسه ، فبقى في حبسه ، فلم يفرج عنه حتى مات رضي الله عنه ، وأخرج ميتا مسموما ، وقيده فيه ([158]) ، وما انحرف عن قبلة الرضا حتى مات راضيا عن الله .
فتلك مرتبة الفوز العظيم التي درجت ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} ([159])
172- وقد اندرج أئمة أهل البيت – عليهم سلام الله ورضوانه – على الرضا الخالص، مع قوة الكرامة ورفعة القدر عند الله.
173- فقد صح أن عبد الملك بن مروان الأموي حمل الإمام علياً زين العابدين ([160]) سلام الله عليه ورضوانه – من المدينة مقيداً مغلولا في أثقل قيود وأغلظ أغلال ! فدخل عليه الزهري – رحمه الله – يودعه ، فبكى ، وقال : وددت أني مكانك يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقال : تطن أن ذلك يكربني ؟ لو شئت لما كان ، وإنه ليذكرني عذاب الله تعالى ، ثم أخرج يديه ورجليه من القيد ثم أعادها ، فعلم الزهري - رحمه الله – أن الإمام حل منزلة الرضا ،ووصل مقام التسليم المحض ، ودخل حضرة الفوز العظيم ، فطاب صدره ، وسلا حزنه .
174- فزن نفسك ، فإن قدرت على المرتبة العليا- وهي رتبة الرضا – فافعل ، وإلا فانزل إلى المرتبة الثانية التي هي مرتبة صدق الالتجاء إلى الله مع قطع النظر عن تدبيرك ، وحولك وقوتك ، وكلك وجزئك ، وهو تعالى يفعل بك بنصره وقدرته فوق إرادتك وتدبيرك: { وكفى بالله نصيراً }([161])
175- إذا هرعت إلى الله ، والتجأت إليه ، فاجعل وسيلتك حبيبة صلى الله عليه وسلم تسليماً ، وأكثر من الصلاة والسلام عليه مهما أمكنك ، وقف في باب الله بالعمل بسنته عليه الصلاة والسلام ، واسأل الله سبحانه معتمداً عليه تعالى ، مستعينا به متوكلاً عليه .
176- وإذا أغلقت عليك الأبواب ، فترقب من الفتاح فتح الباب ، فما سد الخلق طريقا إلا فتحه الخالق ، انفراداً بربويته ، وتعززاً بألوهيته ، فلا تقنط من رحمته ، ولا تيأس من روحه ، وعليك به { وكفى بالله وليا}([162])
177- التوفيق في جميع الأحوال إنما هو من الله سبحانه وتعالى([163])
178- دع هم الحسود ، فهمه بك ([164]) فوق همك به،
خل جانب الأحمق ([165]) فكدرك به فوق كدره بنفسه!
179- لازم مجالس العقلاء ، وخذ الحكمة أين رأيتها ، فإن العاقل يأخذ الحكمة لا يبالي على أي حائط كتبت وعن أي رجل نقلت ، ومن أي كافر سمعت ([166])
180- هذه الدنيا خلقت للعبرة ، والعبرة بكل ما فيها عقل ، فخذ بقوة عقلك العبرة من كل مأخذ ، واصرف نظرك عن محلها .
181- إياك والتقرب من أهل الدنيا ، فإن التقرب منهم يقسي القلب ، والتواضع لهم موجب لغضب الرب، وتعظيمهم يزيد في الذنوب([167])
182- اتخذ الفقراء أصحابا وأحبابا ، وعظمهم ، وكن مشغولا بخدمتهم ، وإذا جاءك واحد منهم فانتصب له على أقدامك ([168]) وتذلل له ([169])
183- وإذا وقعت خدمتك لدى الفقراء موقع القبول فاسألهم الدعاء الصالح ، واجتهد أن تعمر لك مقاما في قلوبهم ، فإن قلوب الفقراء مواطن الرحمة ، ومواقع النظرالقدسي ، وصف خاطرك من الرعونات البشرية.
184- ومن كان لك عليه حق أو له عليك حق ، فداره حتى يعطيك حقك ، أو إلى أن تعطيه حقه ، وإن قدرت فسامح من لك عليه حق يعوض الله عليك .
185- وكن مع الخلق بالأدب ، فإنه أدب مع الخالق.
186- تب . بكليتك من رؤية نفسك ، ونسبك ، وأهلك ، فإن " من أبطأ به عمله ، لم يسرع به نسبه" ([170])
187- قم بصلة رحم رسول صلى الله عليه وسلم ، عظم ذوي قرابته ، فإن طوق منته في أعناقنا ، قال تعالى : { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } ([171])
188- صحح الحب لجميع أصحابه رضوان الله وسلامه عليهم ، فإنهم مصابيح الهدى ، ونجوم الإقتداء ، قال عليه الصلاة والسلام : " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ([172])
189- خف الله ، خف الله " رأس الحكمة مخافة الله " ([173]) عليك بتقوى الله ([174]) فإنها جماع كل خير
هذه نصيحتي لك .
190- أي أخي ، أخذتني سكرة التعليم إلا أني جربت الزمان وأهله ، وعاركت النفس ، وخدمت الشرع ، وانتفعت بصحبة أهل الصفا.
فاقبل نصيحتي ، فإنه إن شاء الله نشأت بإخلاص عن حب لك.
رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
191- أي عبد السميع ، اعمل بنصيحتي ولا ترني رجلا([175])إن قال لك قائل : إن في مملكة الرحمن مخلوقا هو أضعف من هذا اللاشيء أحيمد فلا تصدقه ، بل أقول : يسر الله عليّ وعليك الطريق ، وجعلنا وإياك والمسلمين من المصطفين الأخيار والمخلصين الأبرار ، أحباب الله ورسوله { وكفى بالله وليا } والحمد لله رب العالمين.