81- قال بعض الأعاجم من صوفية خراسان : إن روحانية ابن شهريار الصوفي الكبير ([85]) قدس سره يتصرف في ترتيب جموع الصوفية في العرب والعجم إلى ما شاء الله ! ذلك لم يكن إلا لله الوهاب الفعال.
82- النيابة المحمدية عند أهل القلوب ثابتة ، تدور بنوبة أهل الوقت على مراتبهم وتصرف الروح لا يصح لمخلق، إنما الكرم الإلهي يشمل أرواح بعض أوليائه ، بل كلهم فيصلح شأن من يتوسل بهم إلى الله ، قال تعالى : { نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة } ([86]) . هذا الحد.
83- إياك وفرط الأعاجم ، فإن في أعمال بعضهم الإطراء الذي نص عليه الحبيب ، عليه صلوات الله وسلامه ([87])
84- وإياك ورؤية الفعل في العبد حيا كان أو ميتاً ، فإن الخلق كلهم لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعاً.
نعم خذ محبة أحباب الله وسيلة إلى الله ، فإن محبة الله تعالى لعباده سر من أسرار الألوهية يعود صفة للحق ، ونعم الوسيلة إلى الله سر ألوهيته ، وصفة ربوبيته .
85- الولي من تمسك كل التمسك بأذيال ، النبي صلى الله عليه وسلم ([88]) ورضي بالله وليا ([89])
86- من اعتصم بالله جل ([90]) ومن اعتمد على غير الله ذل ([91]) ومن استغنى بالأغيار قل ([92]) ، ومن اتبع غير طريق الرسول ضل([93])
87- العلم نور ، والتواضع سرور .
88- الهمة حالة الرجل مع الله ، يتفاوت علو مرتبة الإيمان بعلو الهمة .
89- من أيقن أن الله الفعال المطلق : صرف همته عن غيره.
90- من علت في الله همته ، صحت إلى الله عزيمته ، وانفصلت عن غير الله هجرته.
91- مائدة الكرام يجلس عليها البر والفاجر.
92- لله عند الخواتيم حنان ولطف على عباده فوق حنان الوالدة على ولدها ([94])
93- إن الله إذا وهب عبده نعمة ما استردها ([95]).
94- فيوضات المواهب الإلهية فوق مدارك العقول وتصورات الأوهام .
95- من علم أن الله يفعل ما يريد ، فوض الأمر إلى الفعال المقتدر ، وفرش جبينه على تراب التسليم .
96- كل الحقائق إذا انجلت يقرأ في صحائفها سطر: { كل شيء هالك إلا وجه} ([96])
97- إذا أمعنت النظر في دوائر الأكوان : رأيت العجز محيطا بها ، والافتقار قائما معها ، ولربك الحول والقول ، والغنى والقدرة ، وحده لا شريك له .
98- مزالق الأقدام : الدعوى ، ورؤيا النفس ، ومعارضة الأقدار!
99- لو كان لك ما ادعيت من الحول والقوة والقدرة لما مت .
100- أين أنت يا عبد الرياسة ، أين أنت يا عبد الدعوى؟ أنت على غرة ، تنح عن رياستك وغرتك ، والبس ثوب عبديتك وذلتك.
101- كل دعواك كاذبة ، وكل رياستك وغرتك هزل ، القول الفصل : { قل كل من عند الله } ([97])
102- سر بين الحائطين : حائط الشرع ، وحائط العمل. ([98])
103- اسلك طريق الاتباع ، فإن طريق الاتباع خير وطريق الابتداع شر ، وبين الخير والشر بون بيّن .
104- مرغ خدك على الباب ([99]) ، وافرش جبينك على التراب ، ولا تعتمد على عملك ، والجأ إلى رحمته تعالى وقدرته ، وتجرد منك ومن غيرك ، علك تلحق بأهل السلامة :{الذين آمنوا وكانوا يتقون } ([100])
105- بركة العبد في الوقت الذي يتقرب به إلى الله عز وجل ([101])
106- الأولياء لهم الحرمة في الباب الإلهي ، ولو لا أن جعل {الله } لهم هذه القسمة لما اختصهم دون غيرهم بولايته سبحانه وتعالى ، هؤلاء حزب الله ، جيشه العرمرم الذي أيد الله به الشريعة ونصر به الحقيقة ، وصان به شرف نبيه صلى الله عليه وسلم وألحقه به .
قال تعالى : { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبع من المؤمنين}([102])
107- المعرفة بالله على أقسام ، وأعظم أقسامها : تعظيم أوامر الله تعالى .
108- بين العبد وبين الرب حجاب الغفلة لا غير ، قال تعالى : {فاذكروني أذكركم } ([103])
109- العبد العارف يفزع إلى الله ، ويتوقع سر الله ، وسر الله : العون الناشيء من محض الكرم والفضل من دون سابقة صنع ولا عمل.
110- القلب يتقلب بين أصبعي قدرة الرحمن ، فاسألوا الله أن يثبت القلوب على محبته ودينه ([104]) { وكفى بالله وليا } ([105]).
111- المظاهر البارزة منها ما قيض للخير ، ومنها ما قيض للشر، والمتصرف فيها باريها ، فالمظهر المقيض للخير يشكر ، والمظهر المقيض للشر ينكر ، والله في الحالين يذكر.
112- لا يتم نظام رجل أقامة الله مظهرا للشر ، لأن الله لو أراد أن يتم نظامه لما أقامة مظهرا فيما يكرهه .
113- دع عنك الاهتمام بتقويم المعوج قبل بروز الساعة ([106]) المقومة ، فإن سحاب الخير يمطر بإبانه، ولا يطلب قبل أوانه.
114- لا تسقط همتك بيد همك ([107]) فتنقلب عن المطالب العلية ، فإن الهم كافور الهمة والإقدام عنبرها ، والمقضي كائن وغيره لا يكون .
115- قف عند أفعالك التي وهبت لك ، ولا تكلف نفسك تبديل ما اضطررت بفعله ، ولا تراك مجبوراً ولا مختاراً ، فإن الأمر بين الأمرين .
116- كل ولي يقول ويصول فهو في حجاب القول والصولة ، حتى ينقهر تحت سطوة الربوبية ([108]) ، ويفيء إلى أمر الله ، فإذا فاء دنا فتدلى بصدقه إلى قاب قوسي المتابعة المحمدية ، وحينئذ تصح له رتبة العبودية التي هي أكمل الرتب وأعلاها ، وأقربها من الله وأدناها ، وأعظمها وسيلة إليه وأقواها ، وليس للخلق سواها.
117- كل من اكتحل بإثمد التوفيق علَمِ علْمَ اليقين ، وحق اليقين : أن المباطن والمظاهر تحت قهر الباطن الظاهر.
118- صفاء القلب والبصيرة ، ونفاذ نور البصر يكون من قلة الطعام والشراب ، لأن الجوع يزيل الكبير والتعاظم والتجبر ، وبه تعذيب النفس حتى تصير مشغولة بالحق ، وما رأيت شيئا يكسر النفس مثل الجوع قط ، وأما الشبع ([109]) فإنه يورث قسوة القلب وظلمته ، وعدم نفاذ نور البصيرة ، وتكثر بسببه الغفلة ([110])
119- رعاية خواطر الجيران ([111]) أولى من رعاية خواطر الأقارب ، لأن الأقارب خواطرهم مجبورة بالقرابة ، والجيران لا .
120- القلب المنور يميل إلى صحبة الصلحاء والعارفين ، وينفر من صحبة المتكبرين والجاهلين ([112])
121- معاملة عباد الله بالإحسان ، توصل العبد إلى الديان ، والصلاة على رسول صلى الله عليه وسلم تسهل المرور على الصراط ، وتجعل الدعاء مستجابا ، والصدقة تزيل غضب الله والإحسان للوالدين يهون سكرات الموت.
122- صحبة الأشرار ، والحمقى والظلمة وأهل الحسد : ظلمة سوداء.
123- العارف من كان على جانب كبير من سلوك طريق الحق ، مع المواظبة والاستقامة عليه فلا يتركه دقيقة واحدة.
124- الصوفي يتباعد عن الأوهام والشكوك ، ويقول بوحدانية الله تعالى في ذاته ، وصفاته ، وأفعاله ، لأنه ليس كمثله شيء، يعلم ذلك علما يقينا، ليخرج من باب العلم الظني ، وليخلع من عنقه ربقة التقليد ([113])
125- الصوفي لا يسلك غير طريق الرسول المكرم صلى الله عليه وسلم فلا يجعل حركاته وسكناته إلا مبنية عليه .
126- الصوفي لا يصرف الأوقات في تدبير أمور نفسه ، لعلمه أن المدبر: الحق عز وجل ، ولا يلجأ في أموره ويعول على غير الله تعالى .
127- الصوفي يتجنب مخالطة الخلق مهما أمكن ، لأن ([114])الصوفي كلما زاد اختلاطه بالخلق ظهرت عيوبه ، والتبس عليه الأمر ، وإذا خالط البعض فليختر لنفسه صحبة الصالحين ، فإن المرء على دين خليله ([115])
128- نفس الفقير مثل الكبريت الأحمر لا يصرف إلا بحق لحق.
129- من لم يزن أقواله وأفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة ، ولم يتهم خواطره لم يثبت عندنا في ديوان الرجال([116])
130- من علم ما يحصل له ([117]) هان عليه ما يبذل ([118])
131- من استقام بنفسه استقام به غيره ([119]) ، كيف يستقيم الظل والعود أعوج ؟ !
132- الفقير إذا كسر نفسه ، وذل وانداس ، واحترق بنار الشوق والصدق ، وثبت في ميدان الاستقامة بين يدي الله تعالى ، صار معدن الخيرات ، ومقصد المخلوقات ، وصار كالغيث : أين وقع نفع، ويكون حينئذ رحمة وسكينة على خلق الله تعالى.
133- ربما اتبع الكاذب ([120]) وهجر الصادق، وكثرت طقطقة النعال حول المغرورين ، وتباعد الناس عن المتروكين ، فلا تعجب من ذلك ، فإن حال النفس : تحب القبة المزينة ، والقبر المنقوش، والرواق الوسيع ، وتألف الشيخ الكبير العمامة ، الوسيع الكم ، الكثير الحشمة !.
فسير همة القلب لا همة النفس لكشف هذه الحجب، وقل لنفسك : لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصيرة وقد أثرت في جنبه الشريف ([121]) ورأيت أهل بيته – رضوان الله وسلامه عليهم – لا طعام لهم ولا حشم ، ثم رأيت كسرى العجم على سريره المرصع بالجواهر واليواقيت ، وأهل بيته مستغرقين بالترف والنعيم ، محاطين بالخدم والحشم ، أين تكونين ؟ ومع أي صنف تنصرفين ؟ فلا بد إن وفقها الله ، أن تحب معية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ، فقد بهذا الشأن همة القلب إلى أهل الحال المحمدي تحسب في حزب الله : ([122]) إن حزب الله هم
134- وإياك أن تنظر حال تقشفك شيئا ، فإن الجوع بلا معرفة وأدب محمدي ، وصف من أوصاف الكلاب !
135- فارفع قدرك بالأدب المحمدي إلى مراتب أهل الوصلة من صدور القوم ، واقطع عنك رؤية العمل ([123]) ، واطمس حروف أنانيتك فإنها بقية إبليس ، وكن عبداً محضاً تفز بقرب سيدك، وكفى بالله وليا.
136- تعلق الناس اليوم بأهل الحرف والكيمياء والوحدة ([124]) والشطح ، والدعوى العريضة، إياك ومقاربة مثل هؤلاء الناس ، فإنهم يقودون من اتبعهم إلى النار ، وغضب الجبار ، ويدخلون في دين الله ما ليس منه!
ومن من جلدتنا ، إذا رأيتهم حسبتهم سادات الدعاة إلى الله تعالى ، حسبك الله ، إذا رأيت أحدا منهم قل: { يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين}. ([125])
137- جاهل من أهل هذه الخرقة يلحق يدك بيد القوم، ويأمرك بذكر الله ، وملازمة الكتاب والسنة ، خير من تلك الطائفة كلها ، فر منهم كفرارك من الأسد ، كفرارك من المجذوم.
138- قال حذيفة رضي الله عنه ([126]) : " كانوا ([127]) يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله ! إنا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال : نعم . قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : نعم ، وفيه دخن ، قلت : وما دخنه ؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر ، فقلت : فهل بعد ذلك من شر؟ قال : دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها . فقلت يا رسول الله صفهم لنا ؟ قال : هم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا ، قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلت : فإن لم يكون لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك " ([128]).
هذه وصية نبيك الأمين ، سيدنا وسيد العالمين ، عليه صلوات الله وسلامه ، فاحفظها واعمل بها .
139- وإياك والتعزز بالطريق ، فإن ذلك من سوء الأدب مع الله والخلق([129]) وإنما بنى هذا الطريق على التذلل ، فإن القوم ذلوا حتى أتاهم الله بعز على من عنده ، وافتقروا حتى أتاهم بغنى من فضله.
140- واحذر صحبة الفرقة التي دأبها تأويل كلمات الأكابر ، والتفكه بحكاياتهم وما نسب إليهم ، فإن أكثر ذلك مكذوب عليهم([130]) ، وما كان ذلك إلا من عقاب الله للخلق، لما جهلوا الحق وحرصوا على الخير!
فابتلاهم الله بأناس من ذوي الجرأة السفهاء ، فأدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث ، تنزه مقام رسالته على الصلاة والسلام عنها ، من المرغبة والمرهبة ، والغامضة والظاهرة([131])
وسلط الله – أيضا – أناسا من أهل البدعة والضلالة فكذبوا على القوم وأكابر الرجال ، وأدخلوا في كلامهم ما ليس منه ، فتبعهم البعض ، فألحقوا بالأخسرين أعمالا! ([132]).
141- فعليك بالله ، وتمسك للوصول إليه بذيل نبيه عليه الصلاة والسلام ، والشرع الشريف نصب عينيك وجادة الاجماع ظاهرة لك.
142- لا تفارق الجماعة أهل السنة ، تلك الفرقة الناجية ([133]) : ، واعتصم بالله ([134]) ، واترك ما دونه ، وقل في سرك – أي سيدي – قولي:
وليتك تخلو والحياة مريـرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
143- لا تعمل عمل أهل الغلو ، فتعتقد العصمة في المشايخ([135]) أو تعتمد عليهم فيما بينك وبين الله ، فإن الله غيور ، لا يجب أن يدخل فيما آل إلى ذاته بينه وبين عبده أحداً.
144- نعم هم أدلاء على الله ، ووسائل إلى طريقه ، يؤخذ عنهم حال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { رضي الله عنهم ورضوا عنه}([136])
نتوسل إلى الله برضا الله عنهم ، لا يخزي الله عباده الذين أحبهم ([137]) ، وهو أكرم الأكرمين .
145- أترك الفضول ([138]) وانقطع عن العمل بالرأي ، وإذا أدركك زمان رأيت الناس فيه على ما قلناه ، فاعتزل الناس ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : " إذا رأيت شحاً مطاعاً ، وهوى متبعا ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخويصة نفسك"([139])
146- تخلق بخلق نبيك ([140]) ، كن لين العريكة ، حسن الخلق ، عظيم الحلم ، وفير العفو ، صادق الحديث ([141])، سخي الكف ، رقيق القلب ، دائم البشر ، كثير الاحتمال والإغضاء ، صحيح التواضع([142]) ، مراعيا للخلق ، راعيا حق الصحبة ، متواصل الأحزان ، دائم الفكرة ، كثير الذكر ، طويل السكوت ، صبوراً على المكاره، متكلا على الله ، منتصراً بالله ، محباً للفقراء والضعفاء ، غضوبا لله إذا انتهكت محارم الله .
147- كل ما وجدت ، ولا تتكلف لما فقدت ([143]) ولا تأكل متكئا والبس خشن الثياب كي يقتدي بك الأغنياء ، ولا تحزن لجديد ثيابك قلوب الفقراء ، وتختم بالعقيق ، ونم على فراش حشي بالليف، أو على الحصير ، أو على الأرض ، قائما بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم ، في الحركات والسكنات ، والأفعال ، والأقوال والأحوال.
148- حسن الحسن ، وقبح القبيح ، ولا تجلس ولا تقم إلا على ذكر ، وليكن مجلسك مجلس حلم وعلم ، وتقوى وحياء وأمانة ، وجليسك الفقير ، ومؤاكلك المسكين. ([144])
149- ولا تكن سخابا([145]) ولا فحاشا([146]) ولا تذم أحداً ولا تتكلم إلا فيما ترجو ثوابه ، وأعط كل جليس لك نصيبه ، ولا تدخر عن الناس برك.
150- واحذر الناس ، واحترس منهم ، ولا تطو عن أحد منهم بشرك ، ولا تشافه أحد بما يكره([147])