بسم الله
الحمد لله
وصلى الله وسلّم على القائل :" أنا سيّد ولد آدم ولا فخر , آدم فمن دونه تحت لوائي يوم القيامة ...... " وعلى آله الكرام المقول فيهم في الذكر الحكيم " إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس آهل البيت ويطهّركم تطهيرا " اي ممّا سوى الله تعالى , وصحبه الرجال الفخام المقول في صدّيقهم رضي الله عنه " ما طلعت شمس ولا غربت من بعد النّبيئين على رجل أفضل من أبي بكر " وقد قيل في كلّ أحد منهم مقالا وقال كلّ واحد منهم تحدّثا بنعم الله تعالى على نفسه مقالا .
وبعد :
معاشر السادة الكرام :
ليس من الغريب ان يتحدّث الانسان بما أتحفه به الرحمان من النعم العظيمة بل ذلك مطلوب شرعا بنصّ الآية الكريمة , قال تعالى :" وأمّا بنعمة ربّك فحدّث " والتحدّث بالنّعم من الوجوب بمكان وهي من السنّة النبوية الشريفة والدارس في السيرة النبوية وفي كتب حياة الصحابة يجد هذا التحدّث بالنّعم أغزر ما يكون , وأولياء الله تعالى من الرجال العارفين بالله تعالى هم أعظم الناس توحيدا من بعد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام لذا كانوا على معرفة كاملة ودراية واسعة بالفرق بين تزكية الانسان لنفسه ومدحه ايّاها وما في ذلك من المذمومات شرعا والمحرّمات حكما وبين الجانب الثاني وهو جانب توحيدي بحت ويتمثّل في ذكر نعم الله عليهم وما خصّهم به من خصوصيات وهذا من اعظم الاعتراف بالنعم والاعتراف بنعم الله تعالى من العبودية بمكان ويدخل في تحقيق التعريف بكرم الله وجوده وقد قال عيسى عليه السلام " قال انّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني مباركا ..."
وقول العفريت من الجنّ لسليمان عليه السلام بأنّه قويّ أمين وأقوال غيره في القرآن كثيرة وكذلك قول الملائكة لمّا مدحت نفسها وذمّت الانسان " اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك " فمدحت نفسها بالتسبيح والتحميد والتقديس فهل نقول في كلّ هؤلاء بأنّه غرور منهم ومدح لأنفسهم , معاذ الله من هذا القول . قال الامام السيوطي بخصوص الفتوى في موضوع ذكر الانسان نفسه والثناء عليها ,قال : نعم اذا جهلت مرتبة الرجل في العلم فعليه أن يبيّنها بل قد يجب عليه ذلك في بعض الأحيان .
ثمّ انّ الدعوى ومدح الانسان نفسه لها أدلّة وشواهد وبراهين وقد أجمع أهل الله قاطبة من المتقدّمين والمتأخرين من العارفين بأنّ ذكر العبد ما يتحفه به المولى جلّ في علاه جائز شرعا بلا خلاف بذلك بل قد تحدّث بالنعمة عدّة أولياء أخيار أبرار من الذين أجمع النّاس على فضلهم وعلمهم كالشيخ سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه فقد قال " قدمي هاته على رقبة كلّ وليّ لله تعالى " يقصد الاشارة الى مقام القطبانية في الوجود وكذلك سيدي احمد التيجاني رضي الله عنه فقد ذكر لنفسه هذا القول وأكثر منه وغيره كثير وكلّهم رضي الله عنهم يذكرون نعم الله عليهم وتخصيصهم بتلك المقامات وكلّ منهم عبّر عن ذلك بطريقته الخاصّة به فطوبى لهم وحسن مقام .والمتمعّن في القرآن يجد لا ريب تخصيص الخصوص بمراتب عالية كأهل الكهف ومريم العذراء التي فضّلها الله تعالى على نساء العالمين بل قد وقع تفضيل الرسل بعضهم على بعض . وهناك أمر يجب معرفته جيّدا وهو انّه هناك فرق بين التفضيل والتفريق فالرسل لم يفرّق الله فيما بينهم كما قال تعالى " لا نفرّق بين أحد من رسله " لكنّه فضّل بينهم قال تعالى " تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض " والتفضيل الحقيقي يقع يوم القيامة كما أخبر القرآن بذلك .
فكيف يعتقد مسلم عندما يسمع احد العارفين يذكر من نعم الله عليه ما يذكر فيتبادر الى ذهنه انّه بصدد مدح ذاته ونفسه وبما في ذلك من الغرور وتزكية الحالة وكيف يكون هذا وطريقهم هذا مجعولا لموت النفس ومحوها بالكليّة وهو طريق " قد أفلح من زكّاها " فالتقصير منّا لا في الأولياء والعلماء العارفين والخلل وقع فينا من سوء الظنّ بأحبابه لما في نفوسنا من ظلمة وجهل وران قلبي يغشى الفؤاد لا الخلل فيما ذكره الأولياء من التحدّث بنعم الله عليهم وقد قال عليه الصلاة والسلام " أنا النبيّ بلا كذب أنا ابن عبد المطّلب " فانظر قوله " بلا كذب " أي بحقّ واذا كان الامر بحقّ فما نطق الا بالصدق والصدق من الوحي فكلّ من تحدّث بالله نطق بالصدق ولا بدّ وشتّان بين من يتكلّم بالله وبين من يتكلّم بنفسه الأمّارة بالسوء .
أقول أنّ العلم بالقرآن والسنّة فرض آكد على كلّ من أراد أن يدخل في طريق أهل الله تعالى والتحدّث بلسان كلامهم والا وقع في المحذور واختلط عليه فهم الأمور ويجب تحلّيه بصفاء القلب ورقّة الروح وشفافيتها
فإخواننا عندما يذكرون مزاياهم لإخوانهم وما أكرمهم الله به فلا نسيء بهم ظنّا
ونحن نظرتنا في إخواننا أنهم كلّهم من أولياء الله تعالى
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لما نزلت أية عزوة أحد ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ) قال : والله ما كنت أحسب أن أحدا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم يريد الدنيا.
قال هذا لأنه كان ينظر إليهم كما ينظر لنفسه تماما ( والمؤمن مرآة أخيه ) فلا يرى فيها إلا نفسه
فكان صافيا رضي الله عنه , إذ أن نظرته للصحابة على أنهم كلّهم أهل آخرة في هذه الغزوة وغيرها , وهكذا على أقدامه أهل الصفاء
والسلام
--------------------------------------------------------------------------------
من دلّك على الدنيا فقد غشّك * ومن دلّك على العمل فقد أتعبك * ومن دلّك على الله فقد نصحك