عادل محمد زايد
عدد المساهمات : 4107 تاريخ التسجيل : 30/01/2009 العمر : 38 الموقع : المشرف علي المنتدي
| موضوع: هل سالك الطريق إلى الله بصدق ينظر إلى الحسنات والسيئات ؟ نعم هو يلزم الاستقامة في أعلى صورها , ولكن هل يكون اعتماده على العمل ؟! الثلاثاء أغسطس 04, 2009 10:49 am | |
| هل سالك الطريق إلى الله بصدق ينظر إلى الحسنات والسيئات ؟ نعم هو يلزم الاستقامة في أعلى صورها , ولكن هل يكون اعتماده على العمل ؟!
لم نزل منذ نشأ كل واحد منا ووعى معنى الحساب والجزاء إلا ونحن نسمع قصة ذلك المشهد المأساوي في أرض المحشر : حين يستعطف الأب ابنه أو الإبن أباه , أو الأم ابنها كي يعطيها حسنة واحدة تدخل بها الجنة , فتكون اجابة الإبن له ولها : لا .. نفسي نفسي . فتقول له يابني : قد كان لك حجري فراشاً وصدري لك سقاء ودواء , والأب يقول له : يا بني قد سعيت عليك حتى بلغت السعي وأطعمتك وأنفقت عليك حتى بلغت مبلغ الرجال بعد أن صارت حياتي وقفاً عليك .. ولا أريد منك اليوم إلا حسنة واحدة . فيقول الابن : نفسي نفسي .. اهـ .
طبعاً هذا المشهد المبكي يفيض بالمشاعر لأنه بين أقوى رابطة بين اثنين وفي أشد موقف في أرض المحشر , وفيه جحود ونكران جميل من هذا الابن .. ولذلك فقد كثر وعظ الخطباء به واثارة التفات العامة به إلى أحداث يوم القيامة .
ولا نقول إلا : يارب سلم سلم ..
ولكن ماذا عما عند الله ؟ هل هي حسبة حسنات وسيئات فقط ؟ يعني 1+1 = 2 ؟!
لاشك أنه وردت في النصوص جملة من الآيات والأحاديث تبين أن هناك تعامل بالحسنات والسيئات مثل الحديث المشهور عن أبي هريرة أن رسول الله قال: { أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع؟ فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار } [مسلم].
والنصوص في هذا كثيرة ولا خلاف عليها .. وكلها تشير إلى ضرورة العمل .
ولكن وردت نصوص أخرى تُحَجِّم هذا المفهوم وتمنع الغُلُوَّ فيه , حتى لا يظنن ظانٌ أن الله تعالى يحاسبنا بأعمالنا فقط . وهذه النصوص قد اشتملت على عدة معان منها :
1- أن الاعتماد يجب أن يكون على رحمة الله تعالى لا على العمل :
مثل قوله صلى الله عليه وسلم ( ليس أحد منكم ينجيه عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بمغفرة ورحمة ) .
2- أن الله تعالى لا يعطي على العمل بحسب الظاهر وإنما بحسب أعمال القلوب , فعمل القلب هو العُمدة وهو محل نظر الرب . فقد يضاعف الأجر إلى سبعمائة ضعف لعباده المتقين من اهل محبته
مثل قول الله تعالى ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة . والله يضاعِف لمن يشاء والله واسع عليم ) .
وقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كل عمل ابن آدم يضاعف: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. قال الله تعالى: إلا الصومفإنه لي وأنا أجزي به ) وذلك لأن الصوم عبادة يتخللها حظ كبير من عمل القلب .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن العبد ليصلي الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها ) رواه أبو داود والبيهقي وأحمد . وكل هذا بحسب حضور القلب مع الله وتحققه بالتقوى والمحبة والخشية الخ منزل القلوب .
3- أن الله تعالى قد لا يتعامل بالحسنات والسيئات أصلاً مع بعض أهل الثقة والتوكل والصبر والرضا من أهله وخاصته وسالكي الطريق إليه :
كما في الآية العظيمة البشرى ( إنما يُوَفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب ) .. إن تحصيل مَنزِلة واحدة من منازل الطريق إلى الله تعالى بالقلوب ( وهي منزلة الصبر ) تجعل الحسنات والسيئات لا شئ !! بجانب كرم الله تعالى .
قال تعالى ( ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله فقد وقع أجره على الله ) ..
ويعلم الله تعالى أني منذ دخلت هذا الطريق إلى الله تعالى - طريق التصوف , وأنا لا أُعَوِّل كثيراً على الحسنات والسيئات ولا أرى عملي يصلح لأن يزحزحني عن النار فضلاً عن أن يدخلني الجنة , ولا أثق إلا برحمة الله تعالى . وقد كنتُ في ضلال مبين أيام التمسلُف حين كنتُ أتطلع إلى جمع الحسنات في جرابي وكيسي وأنا ناظر إلى نفسي وعملي منقطع عن النظر إلى الله ورحمته .
هذه هي ! إما أن تنظر إلى نفسك وعملك وإما أن تنظر إلى الله .
إعمل ولكن لا تعتمد بقلبك إلا على الله . وكن مهاجراً لعادات وأفهام كل هؤلاء الناس من حولك فلك شأن ولهم شأن , لك حال ولهم حال .. لأن المهاجر الغريب عن قومه قد وقع أجره على الله ..
ولكن أين المهاجر اليوم ؟! من يقوى على هجرة مساوئ قومه وحظوظ نفوسهم والاشتغال بالجرح والتعديل لعباد الله وتزكية النفس وادعاء العصمة للمشايخ وو الخ ؟ هذه كلها زُبالات تحول بين هذا الخير العميم الذي عند الله وتحجبه بحجاب من حديد .
وأقول في النهاية أن الاعتماد على رحمة الله يحبننا فيه أكثر ويعطينا ثقة فيه أكبر , ويُيَسِر لنا الطاعات أكثر , ويسد مداخل اليأس والشيطان بشكل أكبر , ويعطينا مفهوماً عن الله يختلف عن فهمنا الحالي له سبحانه وتعالى .. فالله عن هذا أكبر .
| |
|