الحال .. من كتاب ..أسرار السلوك إلى ملك الملوك ... مولانا العيدروس
كاتب الموضوع
رسالة
عادل محمد زايد
عدد المساهمات : 4107 تاريخ التسجيل : 30/01/2009 العمر : 38 الموقع : المشرف علي المنتدي
موضوع: الحال .. من كتاب ..أسرار السلوك إلى ملك الملوك ... مولانا العيدروس السبت أغسطس 01, 2009 1:17 pm
الحال
قبل الحديث عن الحال لابد لنا أن نفرق بين المقام والحال ، فالمقامات مكاسب (( كسبي ، مكتسب )) والأحوال مواهب ، من الواهب . وهي عشر مقامات هي التي تثمر الأحوال .
فالمقامات العشر : التوبة ، والروع ، والزهد ، و الصبر ،والفقر والشكر ، والخوف ، والرجاء ، والتوكل على الله ، والرضا .
أما الأحوال فمنها : القبض والبسط ، الهيبة والأنس ، التواجد والوجد ، الوجود ، الجمع والفرق وجمع الجمع والفرق الثاني ، الفناء والبقاء ، الغيبة والحضور ، السكر والصحو ، الذوق والشرب ، المحو والإثبات ، الستر والتجلي ،المحاضرة والمكاشفة والمشاهدة ، اللوائح واللوامع والطوالع ، البوادة والهجوم ، التلوين والتمكين ، القرب والبعد ، الأنفاس ، علوم الخواطر ، علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين ، الوارد ولفظ الشاهد ، معرفة النفس المطمئنة والنفس اللوامة والنفس الأمارة بالسوء ، الروح ، معرفة الأسرار .
الحال عند الصوفية :
الحالّ بتشديد اللام ، هو ما نزل على القلب من طرب أو قبض أو بسط أو شوق أو ذوق أو غيرها .
قال العارفون : الحال كالبرق ، يعني لا يبقى الحال بل يزول عن قرب ، فإن بقيَّ مع الرجل فهو حديث نفسِ وليس بحال .
حال القبض والبسط :
فمن الأحوال : القبض والبسط ، وهما يشبهان الخوف والرجاء ، لكن الخوف والرجاء (( مكاسب )) أعني من المقامات وهي للعامة والخاصة ، أما القبض والبسط فمن الأحوال (( مواهب )) وهي للخاصة خاصة .
وحقيقة القبض : ورود شيء في قلبه من الله تعالى فيه إشارة إلى تقصير واستحقاق تأديب على التقصير .
أما البسط : فهو ورود شيء في قبله من الله تعالى إشارة إلى لطف وترحيب وتكريم ، وقد يكون القبض والبسط ولا يدري صاحبهما سببهما ، وطريق القبض الذي لا يدري سببه التسليم حتى يمضي الوقت .
حال الهيبة والأُنس :
ومن الأحوال الهيبة والأنس : فالهيبة تشبه القبض إلا أنها أشد من القبض حيث يكون الوارد من الله تعالى على القلب أشد تهديداً وعتاباً .
والأنس : يشبه البسط إلا أنهُ أقوى من البسط حيث يكون الوارد من الله أشد ترجياً وتلطفاً .
حال التواجد والوجد :
ومن الأحوال التواجد والوجد ، فالتواجد : إظهار الوجد على نفسه ، وطلب حصول الوجد في نفسه كما قال صلى الله عليه وسلم : : " إبكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا ) .
والوجد : ما يرد على قلبك من غير تكلف ، والوجد من ثمرات الأوراد ، فمن أوراده في الطاعات يكون وجده أكثر .
حال الوجود :
وحال الوجود عبارة عن ثبوت سلطان الحقيقة في قلب الرجل ، وهذا لا يكون إلا بعد زوال الصفات البشرية من الغفلة والشهوة ، ومن أحب شيئاً سوى الله ـ تعالى ـ يناقض الحقيقة ، وبمقدار الوجود يحصل المجهود ، وصاحب الوجود له صحوٌ ومحو ، فحال صحوه بقاؤه بالحق ، وحال محوه فناؤه في الحق ، فهاتان الحالتان المتعاقبتان عليه ، فإذا غلبك عليه يصول ويجول وبه يحول ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : فيما أخبر عن الحق سبحانه وتعالى : " فبي يسمع وبي يبصر " .
حال الجمع والفرق وجمع الجمع والفرق الثاني :
أما الجمع : فهو ما يكون من قبل الله تعالى من إظهار فهم ومعنى في القلب وابتداء لطفٍ وتوفيق .
والفرق : ما يكون من قبل العبد من أداء العبودية والسؤال ، ولابد للعبد من الفرق والجمع ، فإن من لا تفرقة له لا عبودية له ، ومن لا جمع لا لا معرفة له ، وقوله تعالى : { إياك نعبد } إشارة إلى الفرق ، وقوله تعالى : { وإياك نستعين } إشارة إلى الجمع ، وإذا خاطب العبد ربه بلسان نجواه إما سائلاً وإما داعياً أو شاكراً أو متضرعاً قام في محل التفرقة ، وإذا صفا بسره إلى ما يناجي به ربه وينجيه فيما يخاطبه بأمر ونهي فهو في مقام الجمع .
وأما مقام جمع الجمع : فهو الاستهلاك بالكلية يعني عما سوى الله تعالى ، ومقام جمع الجمع أن يرى العبادة لله تعالى والجمع شهود الأغيار ، فإنه يعني يرى العبادة بتوفيق الله .
أما الفرق الثاني : فهو أن يردّ الرجل من حال المحو إلى حال الصحو في وقت أداء الفريضة ليؤدي الفريضة ، وهذا لطف من الله تعالى .
حال الفناء والبقاء :
والفناء : أن تفنى الخصال المذمومة عن الرجل ، والبقاء : أن تبقى وتثبت الخصال المحمودة في الرجل ، فبعضهم فني عن شهوته بفناء ما يشتهيه من الدنيا ، فإذا فنيت شهوته بقيت نيته وإخلاصه في عبوديته ، ومن فني عن الأخلاق الذميمة كالحسد والبغض والكبر ، بقي بالقنوت والصدق ، فالخصال المحمودة والمذمومة ضدان إذا فني الرجل عن إحداهما بقي ضده .
حال الغيبة والحضور :
والغيبة : أن تغيب عن أحوال الدنيا ، والحضور : أن تحضر بأمور الآخرة ، وربما يحضر الرجل بمكاشفةٍ ومناجاةٍ مع الله تعالى فيغيب الرجل عن الإحساس حتى لو أدخل الرجل يده في النار لم يحس بذلك الألم .
حال السكر والصحو :
والسكر : يشبه الغيبة ، والصحو : الرجوع عن السكر إلى الإحساس ، والغيبة تكون للمبتدين في السلوك والمنتهين ، والسكر لا يكون إلا لأصحاب المواجيد ، وهو أن يرد من الله وارد في قلبه فيسكره ،فإن كوشف الرجل بنعت الحال حصل السكر وطرب الروح وهام العقل .
حال الذوق والشرب :
ومن الأحوال الذوق والشرب ، ويعبرون بذلك عما يجدونه من ثمرات التجلي ونتائج الكشوفات ، وأوّل ذلك الذوق ، ثم الشرب ، ثم الرِيّ ، فصفاء معاملاتهم توجب لهم ذوق المعاني ، وصفاء منازلاتهم توجب لهم الشرب ، ودوام مواصلاتهم توجب لهم الري ، فصاحب الذوق متساكر : يعني أنهُ أول السكر ، وصاحب الشُرب سكران ، وصاحب الري صاحٍ ، فمثاله العطشان : فمن به قليل عطش فهو صاحب ذوق ، ومن به عطشٌ كثير فهو صاحب شرب ، وإذا روي وأخذ حظهُ من الشراب زال حرصه وقلقه الذي به من عطش فهو صاحب ريّ وصاحب صحو .
حال المحو والإثبات :
فالمحو : رفع العادات ، والإثبات : إقامة أحكام العبادات ، وينقسم المحو : إلى إزالته عن الظواهر ، ومحو الغفلة ، وإثبات المنازلات ، وإثبات المواصلات .
والمحق يشبه المحو ، لكن المحق فوق المحو ، لأن المحو يبقى له أثر ، والمحق لا يبقى لهُ أثر .
حال الستر والتجلي :
فالتجلي : نورٌ ومكاشفة من الله تظهر في قلب العارف تدهشه وتحرقه ، والستر أن يرحل عنه ذلك التجلي ؛ كيلا ينحرق ويضمحل في نور التجلي نور منه وفضل وقربه .
حال المحاضرة والمكاشفة والمشاهدة :
والمحاضر : حضور القلب وقد تكون بتواتر البرهان ، وهو بعد وراء الستر ، وإن كان حضراً باستيلاء سلطان الذكر ، ثم بعده المكاشفة : وهو حضور نعت البيان غير مفتقر في هذه الحالة إلى تأمل الدليل وطلب السبيل ، ثم المشاهدة : وهو وجود الحق من غير بقاء تهيّمه ،: فإذا صحا سرى السر عن غيوب الستر فشمس الشهود المشرقة عن برج الترقي .
حال اللوائح واللوامع والطوالع :
والأول اللوائح ، ثم اللوامع ، ثم الطوالع ، فاللوائح : كالبرق تظهر وتزول سريعاً ، واللوامع من اللوائح ، وليس زوالها بتلك ، وهي تبقى وقتين أو ثلاثة ، والطوالع أبقى وقتاً وأقوى سلطاناً وأدوم مُكثاً ، وأذهب ظلمةً .
حال البوادة والهجوم :
والبوادة : ما يفاجأ قلبك من الغيب على سبيلٍ أذهله ، إما موجب فرح أو ترح .
والهجوم : ما يرد على القلب بقسوة الوقت من غير تصنعٍ منك ، ويختلف في الأنواع على حسب قوة الوارد وضعفه .
حال التلوين والتمكين :
فالتلوين : صفة أرباب الأحوال ، والتميكن : صفة أهل الحقائق ، وما دام العبد في الطريق فهو صاحب تلوين ؛ لأنه يترقى من حالٍ إلى حال ، والتمكين : أن يصل السالك إلى المقصد ، وإذا وصل المقصد تمكن واستقر في حاله ؛ لأنه لا حال بعد تلك الحال ، وتلك الحال هي زوال البشرية وبقاء الحقيقة .
حال القرب والبعد :
والقرب : قرب العبد من الله تعالى بالطاعة والترقي من منزل ٍإلى منزل ، والبعد : بعده من الله والتآنس بمخالفته ، فالأول البعد من الله ، والثاني البعد من التحقيق .
حال الأنفاس :
ومن الأحوال الأنفاس: وهي أنفاس نورانية ، وهي ترويح القلوب بلطايف الغيوب ، وصاحب الأنفاس أرق وأصفى من صاحب الأحوال ، فكأن صاحب الوقت مبتدي وصاحب الأنفاس منتهي ، وصاحب الأحوال بينهما ، فالأحوال وسائط ، والأنفاس لأهل السرائر ، وقال المشايخ العارفون : لا يسلم له النفس ؛ لأنهُ لا مسامحة تجري معهُ ، والمحب لابد له من نفس ، إذ لولا أن يكون له نفس لتلاشى ؛ لعدم طاقته .
حال علوم الخواطر :
ومن الأحوال علوم الخواطر ، والخاطر : خطاب يرد على الضمائر ؛ وقد يكون بإلقاء الشيطان ، وقد يكون أحاديث نفس ، وقد يكون من قٍبل الله سبحانه وتعالى ، فإذا كان من قبل الملك فهو إلهام ، وإن كان من قبل الشيطان فهو وسواس ، وإذا كان من قبل النفس فهو أجر ، فإذا كان من قبل الله سبحانه وتعالى ولإلقائه في القلب فهو خواطر .
حال علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين :
فعلم اليقين : على موجب اصطلاح ما كان بشرط البرهان ، وعين اليقين : ما كان بحكم البيان ، وحق اليقين : ما كان بنعت البيان .
فعلم اليقين لأرباب العقول ، وعين اليقين لأصحاب العلوم ، وحق اليقين لأصحاب المعارف .
حال الوارد :
الوارد : هو ما يرد على القلب من الخواطر المحمودة وعما لا يكون بعلم العبد ، وكذلك لا يكون من قبل الخواطر ، وهو أيضا وارد ثم يكون وارداً من الحق سبحانه وتعالى ، ووارد من العلم فالواردات أعم من الخواطر ؛ لأن الخواطر تختص بينبوع الخطاب ، وما يتضمن معناه ، والواردات يكون وارد سرور ووارد حزن ووارد قبض ووارد بسط إلى غير ذلك من المعاني .
حال معرفة النفس المطمئنة والنفس اللوامة والنفس الأمارة بالسوء :
والنفس المطمئنة : هي التي اطمأنت بطاعة الله تعالى ولا تطلب مخالفة أوامره ، واللوامة : هي التي تلوم الرجل على الذنوب وتحملهُ على التوبة والإنابة ، والنفس الأمارة بالسوء : وهي المهلكة لصاحبها ، وهي أعظم الحجب تكون بين العبد وربه .
سُئِل المشايخ عن مداواة النفس فقالوا : مداواتها مخالفتها . ويريدون بالنفس ما في العبد من الأخلاق والخصال المذمومة ، وأقبحها إعجابها وتوهمها أن لها عند الله قدراً وعند الناس ، ويحتمل أن النفس ليست عين الأخلاق والخصال المذمومة ، بل هي لطيفة مودعة في هذا القلب ، وهي محل الأخلاق المحمودة .
حال الروح :
ومن الأحوال الروح ، والروح مختلفٌ فيها عند أهل الحقيقة من أهل السنة ، فمنهم من يقول : الروح جسم لطيف مجازي ، والروح الرباني أمر ي من عالم الأمر .
قال المشايخ : هي أعيان لطيفة مودعة في هذه القوالب ولها ترقّ في حال النوم ومفارقة البدن ، ثم الرجوع إليها ، وأن الإنسان هو الروح والجسد ، لأنه سبحانه وتعالى سخر هذه الجملة بعضها لبعض ، والحشر والثواب والعقاب للجملة ، والأرواح مخلوقة ، ومن بعدمها فهو مخطئ خطأ عظيما ، والروح معدن الخير ، والنفس معدن الشر ، والعقل جيش الروح ، والهوى جيش النفس ، والتوفيق من الله تعالى مردّ الروح والخذلان مرّ النفس .
حال معرفة الأسرار :
ومن الأحوال معرفة الأسرار ، وهي السرّ ، وسر السر ، فالسر لطيفة مودعة في القلب كالأرواح ، وهي محل المشاهدة ، كم أن الأرواح محل المحبة والقلوب محل المعارف .
وقال المشايخ العارفون : إن السر ما لك عليه إشراف ، وسر السر ما لا إطلاع عليه غير الحق ، والسر أشرف من الروح ، والروح أشرف من القلب ، وصدور الأحرار قبور الأسرار ، والله تعالى أعلم .
===========
وقديماً قالوا على الماسنجر دوام الحال من المحال .. بأي حالٍ من الأحوال .. وسبحان مغير الأحوال من حالٍ إلى حال .. والحال ما حلّ ولم يُملّ ثم رحل ..والقلب محل الحال .. والفطن من حلى قلبه وخلاه وحضّرهُ وحضهُ لإستقبال الأحوال المحمودة ..وحاول أن يحول دون حلول أحوال التقصير بكثرة الطاعة .. وحال الحال في حاءه لتلقي الحال بدون حجاب أو حاجز أو حيلوله .. فافهم المقولة وفرق بين الحال والمقام لترقى .. والله اعلم .
الحال .. من كتاب ..أسرار السلوك إلى ملك الملوك ... مولانا العيدروس