من خدع النفس مهم جداً لأهل السلوك
كلام نفيس جداً ولأهل الهمم العالية
يقول سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه وأرضاه
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن لا نرائي في عباداتنا أحداً من الخلق خوفا من مقت الله عز وجل سواء كان الرياء مصاحباً للعمل أو متأخراً عنه، كأن يحب أحدنا والعياذ بالله تعالى ظهور أثر الطاعة عليه من نور الوجه وحسن السمت في المستقبل، أو ظهور أثر السجود في جبهته مثل ركبة العنز، أو كثرة المصلين في جنازته لغير غرض صحيح، أو يميل إلى قول الناس له إذا مر عليهم وعلى وجهه نور شيء لله المدد يا سيدي الشيخ، ونحو ذلك، فإن ذلك كله يرجع إلى الرياء ولو لم يصاحب العبادة.
وقد كنت مرة جالسا عند سيدي علي الخواص رحمه الله وهو يضفر الخوص، فمر بنا شخص من المتعبدين قوامين الليل الصائمين النهار والنور يخفق على وجهه، فقلت له يا سيدي أنظر إلى هذا النور العظيم الذي على وجه هذا الرجل، فرفع الشيخ رأسه فقال: اللهم اكفنا السوء بما شئت وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، فقلت له: لماذا فقال: يا ولدي إذا أراد الله بعبدٍ خيراً جعل نوره في قلبه ليعرف ما يأتي وما يذر من الحسن والقبيح، وجعل وجهه كآحاد الناس، وإذا أراد الله بعبد سوءاً نقل النور الذي في قلبه على وجهه وأخلى باطنه من النور وجعله مظلماً ليقع في كل فاحشة وفي كل رذيلة، ويقول له الناس مع ذلك شيء لله المدد يا سيدي الشيخ لما يرونه من النور الذي على وجهه مع أن قلبه خراب مظلم، فقلت له: يا سيدي أما يجمع الله تعالى لأحد بين النورين فقال: يمكن ولكن قد أمرنا الله تعالى بالستر لأعمالنا في هذه الدار فلا يظهر لنا كمال إلا في محل يقتدى بنا فيه، فقلت له حصول النور على وجه العبد لا يجيء بالتفعل، فقال صحيح: ولكن لا يظهر عليه شيء قط إلا مع ميل سبق منه ولولا ميله ما ظهر، فقلت له فيحتاج الإنسان إلى ميزان دقيق، فقال: نعم وهو كذلك فربما ظهر كمال العبد بميل خفي لا يشعر به فليفتش العبد نفسه انتهى.