سأقدم لهذا الموضوع بثلاث مقدمات ثم نسرد قصص الأولياء مباشرة ان شاء الله
المقدمة الأولى : كلام جليل للإمام السبكي حول الكرامات
والمقدمة الثانية : في فوائد عامة .
والمقدمة الثالثة : في قصص وردت في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي كلها تتعلق بأزمات وقعت مع الأسد .
المقدمة الأولى :
اثبات الكرامات وبيان أنها من تكريم الله لخواص عباده ومن لوازم سلطان الخلافة على الأرض
سأورد في هذا المقام أولاً كلام الإمام السبكي في طبقات الشافعية الكبرى لأنه ذكر ما ثبت عن الصحابة مما يتعلق بالتصرف في الأرض , زيادة على تحقيقه الرائع والنفيس فلا يسعني إلا أن أنقله بطوله مع بعض التصرف البسيط , قال رحمه الله :
قال إمام الحرمين رحمه الله فى كتاب ( الشامل ) :
إن الأرض زلزلت فى زمن عمر رضى الله عنه فحمد الله وأثنى عليه والأرض ترجف وترتج ثم ضربها بالدرة وقال أقرى ألم أعدل عليك فاستقرت من وقتها. قلت كان عمر رضى الله عنه أمير المؤمنين على الحقيقة فى الظاهر والباطن وخليفة الله فى أرضه وفى ساكنى أرضه فهو يعزر الأرض ويؤدبها بما يصدر منها كما يعزر ساكنيها على خطيئاتهم .
فإن قلت أيجب على الأرض تعزير وهى غير مكلفة قلت هذا الآن جهل وقصور على ظواهر الفقه اعلم أن أمر الله وقضاءه متصرف فى جميع مخلوقاته ثم منه ظاهر وباطن فالظاهر ما يبحث عنه الفقهاء من أحكام المكلفين والباطن ما استأثر الله بعلمه وقد يطلع عليه بعض أصفيائه ومنهم الفاروق سقى الله عهده فإذا ارتجت الأرض بين يدى من استوى عنده الظاهر والباطن عزرها كما إذا زل المرء بين يدى الحاكم .
ويقرب من قصة الزلزلة قصة النيل :وذلك أن النيل كان فى الجاهلية لا يجرى حتى تلقى فيه جارية عذراء فى كل عام فلما جاء الإسلام وجاء وقت جريان النيل فلم يجر أتى أهل مصر عمرو بن العاص .. فقال لهم عمرو بن العاص إن هذا لا يكون وإن الإسلام يهدم ما قبله فأقاموا ثلاثة أشهر لا يجرى قليلا ولا كثيرا حتى هموا بالجلاء فكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب بذلك فكتب إليه عمر قد أصبت إن الإسلام يهدم ما قبله وقد بعثت إليك بطاقة فألقها فى النيل ففتح عمرو البطاقة قبل إلقائها فإذا فيها : ( من عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد فإن كنت تجرى من قبلك فلا تجر وإن كان الله الواحد القهار هو الذى يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك ) فألقى عمرو البطاقة فى النيل قبل يوم الصليب وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج منها فأصبحوا وقد أجراه الله ستة عشر ذراعا فى ليلة . فانظر إلى عمر كيف يخاطب الماء ويكاتبه ويكلم الأرض ويؤدبها ؟
وإذا قال لك المغرور أين أصل ذلك فى السنة قل : أيها المتعثر فى أذيال الجهالات أيطالب الفاروق بأصل ؟! وإن شئت أصلا ً فهاك أصولا لا أصلا واحدا أليس قد حن الجذع إلى المصطفى حتى ضمه إليه أليس شكى إليه البعير ما به أليس فى قصة الظبية حجة والأصول فى هذا النوع لا تنحصر .. واعلم أن هذا الذى خضناه بحر لا ساحل له والرأى أن نمسك عنان الكلام والموفق يؤمن بما نريد والشقى يجهل ولا يجدى فيه البيان ولا يفيد ومنهم شقى ومنهم سعيد .
ومنها قصة النار الخارجة من الجبل كانت تخرج من كهف فى جبل فتحرق ما أصابت فخرجت فى زمن عمر فأمر أبا موسى الأشعرى أو تميما الدارى أن يُدخِلها الكهف فجعل يحبسها بردائه حتى أدخلها الكهف فلم تخرج بعد .
وقد أجمل الحافظ السخاوي هذا كله حين قال عنه في كتابه ( التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة ) : وقد أطاعته العناصر الأربع فإنه كتب لنيل مصر، وقد بلغه أن عادته أن لا يوفِي إلا ببنت تلقى فيه ، فقطع الله منه هذه العادة المذمومة . والهوى حيث بلغ صوته إلى سارية . والتراب حين زلزلت الأرض فضربها بالدرة فسكنت . والنار حيث قال لشخص: أدرك بيتك فقد احترق.
ومنها على يد عثمان ذى النورين رضى الله عنه دخل إليه رجل كان قد لقى امرأة فى الطريق فتأملها فقال له عثمان رضى الله عنه يدخل أحدكم وفى عينيه أثر الزنا فقال الرجل أوحى بعد رسول الله قال لا ولكنها فراسة .
قلت ( الامام السبكي )إنما أظهر عثمان هذا تأديبا لهذا الرجل وزجرا له عن سوء صنيعه واعلم أن المرء إذا صفا قلبه صار ينظر بنور الله فلا يقع بصره على كدر أوصاف إلا عرفه ثم تختلف المقامات فمنهم من يعرف أن هناك كدرا ولا يدرى ما أصله ومنهم من يكون أعلا من هذا المقام فيدرى أصله كما اتفق لعثمان رضى الله عنه . قلت ( سعيد ) : وفي هذا ما يدل على إمكان اطلاع بعض الصالحين على خفايا القلوب ومعرفة منشأ أمراضها , فلا إنكار إذن على الصوفية وخاصة في اتخاذهم شيخ التربية .
ومنها على يد على المرتضى أمير المؤمنين رضى الله عنه روى أن عليا وولديه الحسن والحسين رضى الله عنهم سمعوا قائلا يقول فى جوف الليل : ( يا من يجيب دعا المضطر فى الظلم *** يا كاشف الضر والبلوى مع السقم ) ( قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا *** وعين جودك يا قيوم لم تنم ) ( هب لى بجودك فضل العفو عن زللى *** يا من إليه رجاء الخلق فى الحرم ) ( إن كان عفوك لا يرجوه ذو خطأ *** فمن يجود على العاصين بالنعم ) فقال على رضى الله عنه لولده اطلب لى هذا القائل فأتاه فقال أجب أمير المؤمنين فأقبل يجر شقه حتى وقف بين يديه فقال قد سمعت خطابك فما قصتك فقال إنى كنت رجلا مشغولا بالطرب والعصيان وكان والدى يعظنى ويقول إن لله سطوات ونقمات وما هى من الظالمين ببعيد فلما ألح فى الموعظة ضربته فحلف ليدعون على ويأتى مكة مستغيثا إلى الله ففعل ودعا فلم يتم دعاؤه حتى جف شقى الأيمن فندمت على ما كان منى وداريته وأرضيته إلى أن ضمن لى أنه يدعو لى حيث دعا على فقدمت إليه ناقة فأركبته فنفرت الناقة ورمت به بين صخرتين فمات هناك فقال له على رضى الله عنه رضى الله عنك إن كان أبوك رضى عنك فقال الله كذلك فقام على كرم الله وجهه وصلى ركعات ودعا بدعوات أسرها إلى الله عز وجل ثم قال يا مبارك قم ! فقام ومشى وعاد إلى الصحة كما كان .
ومنها على يد العباس عم النبي - صلى الله عليه و سلم -فى استسقائه عام الرمادة لما أشخص إلى السماء وقال اللهم : أغثهم بغياثك فقد تقرب إلى القوم لمكانى من نبيك عليه السلام فنشأت طريرة من سحاب وقال الناس ترون ترون ثم تلامت واستتمت ومشت فيها ريح ثم هدت ودرت فما برح القوم حتى اعتلقوا الحذاء وقلصوا المآزر وخاضوا الماء إلى الركب ولاذ الناس بالعباس يمسحون أردانه ويقولون هنيئا لك ساقى الحرمين .
ومنها على يد العلاء بن الحضرمى رضى الله عنه وقد بعثه النبي - صلى الله عليه و سلم - فى غزاة بجيش فحال بينهم وبين الموضع البحر فدعا الله ومشوا على الماء .
ومنها قصة أم موسى عليه السلام وما كان من إلهام الله تعالى إياها حتى طابت نفسها بإلقاء ولدها فى اليم إلى غير ذلك مما خصت به , أفترى ذلك سُدى ؟
ومنها قصة آصف بن برخيا مع سليمان عليه السلام فى حمل عرش بلقيس إليه قبل أن يرتد إليه طرفه .
امتاع الأسماع بكرامات الأولياء وسلطانهم على السباع