بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ولي الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله سيد الخلق أجمعين، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين, وبعد
روى سيدّي الإمام الحافظ أبو نعيم في (حلية الأولياء) :
" أخبرنا محمد بن أحمد في كتابه وحدثني عنه عثمان بن محمد قبل أن لقيته ثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال قال أبو عبدالله الحارث بن أسد وسئل ما علامة محبة الله للعبد فقال للسائل ما الذي كشف لك عن طلب علم هذا فقال قوله تعالى:" إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" فعلمت أن علامة محبة العبد لله اتباع رسوله ثم قال يحببكم الله فما علامة محبة الله للعبد ؟
فقال لقد سألت عن شيء غاب عن أكثر القلوب إن علامة محبة الله للعبد أن يتولى الله سياسة همومه فيكون في جميع أموره هو المختار لها ففي الهموم التي لا تعترض عليها حوادث القواطع ولا تشير إلى التوقف لأن الله هو المتولي لها فأخلاقه على السماحة وجوارحه على الموافقة يصرخ به ويحثه بالتهدد والزجر
فقال السائل وما الدليل على ذلك فقال خبر النبي صلى الله عليه وسلم إذا أحب الله عبدا جعل له واعظا من نفسه وزاجرا من قلبه يأمره وينهاه
فقال السائل زدني من علامة محبة الله للعبد قال ليس شيء أحب إلى الله من أداء الفرائض بمسارعة من القلب والجوارح والمحافظة عليها ثم بعد ذلك كثرة النوافل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي من أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته
فقال السائل رحمك الله صف لي من علامات وجود قلبه قال محبوسة يا فتى في سر الملاطفة مخصوصة بعلم المكاشفة مقلبة بتنعم النظر في مشاهدة الغيب وحجاب العز ورفعة المنعة فهى القلوب التي أسرت أوهامها بعجب نفاذ إتقان الصنع فعندها تصاعدت المنى وتواترت على جوارحها فوائد الغنى فانقطعت النفوس عن كل ميل إلى راحة وانزعجت الهموم وفرت من الرفاهة فنعمت بسرائر الهداية وعلمت طرق الولاية وغذيت من لطيف الكفاية وأرسلت في روضة ا لبصيرة وأحلت القلوب محلا نظرت فيه بلا عيان وجالت بلا مشاهدة وخوطبت بلا مشافهة
فهذا يا فتى صفة أهل محبة الله من أهل المراقبة والحياء والرضا والتوكل فهم الأبرار من العمال وهم الزهاد من العلماء وهم الحكماء من النجباء وهم المسارعون من الأبرار وهم دعاة الليل والنهار وهم أصحاب صفاء التذكار وأصحاب الفكر والإعتبار وأصحاب المحن والإختبار هم قوم أسعدهم الله بطاعته وحفظهم برعايته وتولاهم بسياسته فلم تشتد لهم همة ولم يتسقط لهم إرادة همومهم في الجد والطلب وأرواحهم في النجاة والهرب يستقلون الكثير من أعمالهم ويستكثرون القليل من نعم الله عليهم إن أنعم عليهم شكروا وإن منعوا صبروا يكاد يهيج منهم صراخ إلى مواطن الخلوات ومعابر العبر والآيات فالحسرات في قلوبهم تتردد وخوف الفراق في قلوبهم يتوقد
نعم يا فتى هؤلاء قوم أذاقهم الله طعم محبته ونعمهم بدوام العذوبة في مناجاته فقطعهم ذلك عن الشهوات وجانبوا اللذات وداموا في خدمة من له الأرض والسموات فقد اعتقدوا الرضا قبل وقوع البلا ومنقطعين عن إشارة النفوس منكرين للجهل المأسوس طاب عيشهم ودام نعيمهم فعيشهم سليم وغناهم في قلوبهم مقيم كأنهم نظروا بأبصار القلوب إلى حجب الغيوب فقطعوا وكان الله المنا والمطلوب دعاهم إليه فأجابوه بالحث والجد ودوام السير فلم تقم لهم أشغال إذ استبقوا دعوة الجبار فعندها يا فتى غابت عن قلوبهم أسباب الفتنة بدواهيها وظهرت أساب المعرفة بما فيها فصار مطيتهم إليه الرغبة وسائقهم الرهبة وحاديهم الشوق حتى أدخلهم في رق عبوديته فليس تلحقهم فترة في نية ولا وهن في عزم ولا ضعف في حزم ولا تأويل في رخصة ولاميل إلى دواعي غرة
قال السائل أرى هذا مرادا بالمحبة قال نعم يا فتى هذه صفة المرادين بالمحبة فقال كيف المحن على هؤلاء فقال سهلة في علمها صعبة في اختيارها فمنحهم على قدر قوة إيمانهم قال فمن أشدهم محنا قال أكثرهم معرفة وأقواهم يقينا وأكملهم إيمانا كما جاء في الخبر أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل." اهـ (حلية الأولياء لأبي نعيم - ج10 ص101)
سُبحانسيدنا محمد صلى الله علية وسلم الَّلهُمَّ وبحمدكَ أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ أنتَ، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ
علامة محبة الله تعالي للعبد ( اللهم اجعلنا من المحبين لله ومن المحبوبين عنده)