عدد المساهمات : 4107 تاريخ التسجيل : 30/01/2009 العمر : 38 الموقع : المشرف علي المنتدي
موضوع: الخوف*********** الأحد يونيو 28, 2009 9:51 am
الخوف
الخوف هو عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في المستقبل، وقوة الخوف ترجع حسب قوة المعرفة بجلال الله وصفات الله، فبحسب معرفتنا بالله يكون خوفنا، كما أنه بحسب معرفتنا بعيوب أنفسنا وما أمامها وخلفها من الأخطار والأهوال يكون خوفنا أيضا، والخوف من الله لا يراد به ما يخطر بالبال من الرعب كاستشعار الخوف من حيوان أو مجهول بل إنما يراد به الكف عن المعاصى واختيار الطاعات، ولذلك قيل (لا يُعد خائفا من لم يكن للذنوب تاركا) وبهذا المعنى يكون الخوف من الله، والرجاء في الله، فإذا خاف العبد من الله ورجا الله سبحانه وتعالى أمن الله خوفه رغم أنه محجوب، وفى الآية الكريمة يقول المولى تبارك وتعالى ﴿يدعون ربهم خوفا وطمع﴾ وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لا يدخل النار من بكى من خشية الله تعالى حتى يلج اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخرى عبد أبدا).
وقال أحد الصالحين الخوف على مراتب: (الخوف، الخشية، الهيبة) فالخوف شرط الإيمان وقضيته فقد قال تعالى ﴿وخافون إن كنتم مؤمنين﴾ والخشية من شرط العلم قال تعالى ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾ والهيبة من شرط المعرفة قال تعالى ﴿ويحذركم الله نفسه﴾.
وقيل أن الخوف سراج القلب، به يبصر مافيه من الخير والشر، وقيل من خاف من شئ هرب منه ومن خاف الله عز وجل هرب إليه، وقيل لكل شئ زينة وزينة العبادة الخوف وعلامة الخوف الأمل.
وعن السيدة عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها وعن أبيها قالت: قلت يا رسول الله الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أهو الرجل يسرق ويزنى ويشرب الخمر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (لا ولكن الرجل يصوم ويصلى ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه).
ويروى أن عبدا تمادى في طغيانه وزاد في عصيانه فتداركه الله تعالى بلطفه فقال لزوجته: هل من شفيع يشفع لى؟ قالت: لا، قال: أتوب إلى الله، قالت: لا تذكره فقد أفسدت المعاملة بينك وبينه، فخرج إلى الصحراء وقال: يا سماء اشفعى لى ويا أرض اشفعى لى، فمازال كذلك حتى وقع مغشيا عليه، فبعث الله إليه ملكا فأجلسه ومسح وجهه وقال: أبشر فقد قبل الله توبتك، فقال: من كان شفيعى إليه، قال: خوفك.
واعلم أيدك الله وعصمك أن الخوف مقام كبير وعالى لأنه متنـاقض الحكم، فمن كان في هذا المقام يخاف من الحجاب ويخاف من رفع الحجاب، أما خوفه من الحجاب فلما فيه من الجهل بما هو حجاب عنه، وأما خوفه من رفع الحجاب فلذهاب عينه عند رفعه فتزول الفائدة والالتذاذ بالجمال المطلق. وقيل أن مقام الخوف هو مقام الحيرة ويقول سيدى فخر الدين عن الخوف مبينا أشد وأقصى أنواع الخوف:
الخوف من عتب الحبيب..............ولات خوفا من ردى
وهذا هو خوف العارفين، والخوف من المعصية خوف الصالحين والخوف من الله خوف الموحدين الصديقين وهو ثمرة المعرفة بالله تعالى، وقد ظهر أنه لا وصول إلى سعادة لقاء الله في الآخرة إلا بتحصيل محبته والأنس به في الدنيا ولا تحصل المحبة إلا بالمعرفة ولا تحصل المعرفة إلا بدوام الفكر ولا يحصل الأنس إلا بالمحبة ودوام الذكر ولا تتيسر المواظبة على الذكر والفكر إلا بانقطاع حب الدنيا من القلب ولا ينقطع ذلك إلا بترك لذات الدنيا وشهواتها ولا تنقمع الشهوة بشئ كما تنقمع بنار الخوف، فالخوف هو النار المحرقة للشهوات، فلا تغتر بموضع صالح فلا مكان أصلح من الجنة فلقى آدم فيها مالقى، ولا تغتر بكثرة العلم فإن بلعام كان يحسن اسم الله الأعظم فانظر مالقى، ولا تغتر برؤية الصالحين فلا شخص أكبر قدرا من المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينتفع بلقائه أعدائه، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن من أخيار أمتى قوما يضحكون جهرا من سعة رحمة الله ويبكون سرا من خوف عقابه، أبدانهم في الأرض وقلوبهم في السماء وأرواحهم في الدنيا، وعقولهم في الآخرة يمشون بالسكينة ويتقربون بالوسيلة).