التوسل من وسلت إلى ربي وسيلة أعملتُ عملاً أتقرب به إليه، وتوسلتُ إلى فلان بكتاب أو قرابة، أي تقربتُ به إليه (1).
- التوسل اصطلاحاً: تقرُّب العبد إلى الله تعالى بشيء، يكون أدعى لاستجابة الدعاء.
التوسل عند المسلمين
تكاد تتفق جميع الطوائف الإسلامية على مشروعية التوسل والتبرك بقبور الأنبياء والصالحين. وقد كان الصحابة يتوسلون ويتبركون بالنبي (صلى الله عليه وآله) واستمر هذا الفعل بعد مماته (صلى الله عليه وآله) وعلى هذا سار الناس، وعليه اتفقت الفرق الإسلامية إلا السلفية، فقد عدّت التوسل والتبرك شركاً. إلاّ أن القرآن والسنة وسيرة الصحابة ومن بعدهم تخالفهم.
التوسل والتبرك في القرآن الكريم
1- قال الله عز وجل متحدثاً عن يعقوب وكيف عاد بصيراً لمّا وضع قميص يوسف على عينيه: (فلمّا جاء البشير ألقاه على وجهه فارتدّ بصيراً) [سورة يوسف: الآية 96].
وهذا نوع من التبرك مارسه نبي من أنبياء الله.
2- وفي شأن أصحاب الكهف يقول الله عز وجل:
(قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذنّ عليهم مسجداً) [سورة الكهف: الآية 21].
إنّ ذكر المسجد هنا يدل على أنّ القائلين هم المؤمنون في ذاك الوقت، وقد ذكر الله كلامهم بصيغة الإثبات والإقرار، ولو كان اتخاذ المسجد على القبر شركاً ومنكراً لعرّضت الآية بهم وأنكرت فعلهم.
3- قال تعالى: (ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً) [سورة النساء: الآية 64].
هذه الآية نازلة بخصوص المنافقين، وهي دعوة لهم لأنّ يجعلوا النبي (صلى الله عليه وآله) واسطتهم إلى الله فيستغفر لهم والنتيجة سيجدون الله تواباً رحيماً بسبب دعاء النبي وتوسطه لهم!
والآية ليست خاصة بالمنافقين، بل كل مسلم ظلم نفسه فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وهي أصرح آية في جواز التوسل بالنبي، ولا فرق بين كونه حياً أو ميتاً فهو في قبره يسمع الكلام ويرد السلام على كل من يسلم عليه (2)، ولا تقلُّ وجاهته عند الله بموته (صلى الله عليه وآله) فهو حبيب الله وأفضل خلقه.
وهكذا التوسل بالأولياء والشهداء الذين هم أحياء عند ربهم يرزقون.
4- يقول الله عز وجل (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)[سورة البقرة: الآية125].
في هذه الآية يأمر الله عز وجل المسلمين بأن يجعلوا مقام إبراهيم مصلى لهم، والحاج لا يصح حجّة إذا لم يأت بركعتين هناك، إنّ هذا نوعٌ من التقديس لمقام خليل الله (عليه السلام) فهل أمر الله عباده أمراً يؤدي إلى الشرك به عز وجل؟!!
5- قال تعالى في الصلاة على المنافقين: (ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبداً ولا تقم على قبره) [سورة التوبة: الآية 84].
المقصود بالصلاة هنا: الصلاة على المنافق الميت، وقوله عز وجل: (ولا تقم على قبره يشمل وقت الدفن وفي سائر الأوقات، لقد منعت الآية القيام على قبر المنافق، ويفهم من هذا جواز القيام وإتيان قبر غير المنافق من المسلمين!
التوسل والتبرك في السنة
1 - قال (صلى الله عليه وآله): (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها) (3).
2 - عن بريدة قال: (زاد النبي (صلى الله عليه وآله) قبر أمه في ألف مقنّع فلم يرَ باكياً أكثر من يومئذ) (4).
قال الترمذي في حديث بريدة: (حديث بريدة حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم، لا يرون بزيارة القبور بأساً وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق - بن راهوية -) (5).
3 - قال (صلى الله عليه وآله): (من حجّ فزار قبري بعد وفاتي، فكأنما زارني في حياتي) (6).
التوسل عند الصحابة:
1 - قال علي بن أبي طالب (عليه السلام) عند قبر الرسول (صلى الله عليه وآله) حين دفن الزهراء (عليها السلام)السلام عليك يا رسول الله عنّي، وعن ابنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحاق بك...) إلى آخر كلامه [نهج البلاغة: خطبة رقم 202].
وهو دال على جواز إتيان القبر والكلام مع صاحب القبر وأنّه يسمع.
2 - عن عبد الله بن أبي مليكة أنّ عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم المؤمنين:
من أين أقبلت؟
قالت: من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر.
فقلت لها: أليس كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن زيارة القبور؟
قالت: نعم، كان نهى ثمّ أمر بزيارتهما (7).
3 - عن داود بن أبي صالح قال: أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه على القبر! فأخذ برقبته وقال: أتدري ما تصنع؟ قال: نعم.
فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب الأنصاري (رضي الله عنه) فقال: جئتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم آت الحجر، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن أبكوا عليه إذا وليه غير أهله (.
وفعل أبي أيوب الأنصاري تبركُ واضح بقبر النبي (صلى الله عليه وآله) والعجب ممن يحتج بابن الحكم طريد رسول الله ويترك فعل أبي أيوب (رضي الله عنه) صاحب رسول الله الذي نزل عنده الرسول (صلى الله عليه وآله) في المدينة!
إذا كان المسلمون بالتوسل والتبرك مشركين فقد تساوى معهم الصحابي أبو أيوب - حاشاه -!
التوسل عند الأئمة
في حوار بين أبي جعفر المنصور ومالك بن أنس في المسجد النبوي، قال أبو جعفر لمالك: يا أبا عبد الله: أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
قال مالك: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم (عليهم السلام) إلى الله تعالى يوم القيامة؟
بل استقبله، واستشفع به فيشفّعه الله تعالى (9).
وسُئل أحمد بن حنبل عن تقبيل قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وتقبيل منبره.
فقال: لا بأس بذلك (10).
مغالطة
لقد عدّ مانعو التوسل بالأموات شركاً بالله عز وجل، مع أنّهم أجازوا التوسل بالأحياء، وهذه مناورة مفضوحة، فإذا كان التوسل بالأموات شركاً فكذا التوسل بالأحياء، ولا فرق، ففي كلا الحالتين نجعل المتوسل به وسيلتنا إلى الله.
إنّ الأنبياء والأئمة لهم حياة خاصة يطلعون من خلالها على البشر، فحين أنكر بعض الصحابة مخاطبة النبي (صلى الله عليه وآله) لقتلى المشركين في بدر، قال (صلى الله عليه وآله): (والله إنهم لأسمع منكم، فكيف بالنبي أو الولي؟!).
هل التبرك عبادة؟
العبادة تعني: الخضوع والخشوع لإله واحد
يثير البعض زوابع فارغة فيتهم هذا المتوسل أو المتبرك بأنّه يعبد القبر، فالميت لا يملك ضراً ولا نفعاً للداعي.
إنّ القضية هنا تعتمد على النيِّة، وفي الأغلب تتجه نية هؤلاء إلى جعل صاحب القبر وسيلة إلى الله، فهم لا يطلبون منه قضاء حوائجهم على نحو استقلالية في فعله، إنما هو مجرد واسطة فهم لا يعبدونه!
ولو كان التوسل والتبرك بالميت عبادة لكان التوسل بالإنسان الحي عبادة. والإنسان لا يضر ولا ينفع حاله كحال الميت إلا بإذن الله!
إنّ هذا الأمر استعانة بسبب، ونظام الكون قائم على الأسباب والمسببات، فهل الاستعانة بالطبيب أو الدواء... شركاً على رأي المنكرين؟!
الخلاصة
لم يزل المسلمون منذ وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) وإلى الآن يجتمعون حول أضرحة الصالحين ويتقربون إلى الله بهم ولم يشذ إلا السلفيون، وقضاء الحوائج عند الأضرحة المشرفة مما ذاع خبره ورأيناه عياناً وهذا لوحده كافٍ في الدلالة على جواز التوسل بالموتى!