عدد المساهمات : 4107 تاريخ التسجيل : 30/01/2009 العمر : 38 الموقع : المشرف علي المنتدي
موضوع: (( والعافين عن الناس )) الجمعة مايو 29, 2009 11:33 am
(( والعافين عن الناس ))
-------------------------------------------------------------------------------- (( والعافين عن الناس ))
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على من ارسل رحمة للعالمين:
ان الانسان مفطور على جملة من الصفات والطبائع التي لابد له منها ؛ وهذه الصفات لايمكن ان تؤدي عملها الصالح في عمارة الكون على نحو تسعد به الانسانية الا اذا كانت هناك رقابة عليا على هذه الصفات وكان صاحبها مستشعرا وجود هذه الرقابة. اذ ان هذه الصفات والطبائع اذا تركت وشانها كانت منبعا للشرور؛ واسبابا للشقاء؛ اكثر من ان تكون سبيلا للخير والسعادة؛ فصفة العقل او العلم تنقلب الى شبكة تصطاد بها كرامة الانسان وحياته؛ ومزية القوة واسبابها تنقلب الى عواصف هوجاء تضرب الجماعات الانسانية ببعضها؛ لتنحسر العاصفة بعد ذلك عن ضعاف مستعبدين واقوياء متسلطين متالهين !.. وليس الطغيان البشري في حقيقته الا نتيجة طبيعية لتحرر هذه الصفات من الانضباط باي قيد؛ حيث يذهل صاحبها عن وجود رقيب يلاحظ كل تصرفاته ويدخر له العقوبة الصارمة على كل ما لايرضى عنه من انواع السلوك والصفات؛ فينطلق على سجيته يفعل كل ماتشاء له نفسه وتهواه. ولكون الانسان مرآة عاكسة لتجليات الاسماء الالهية الحسنى؛ وان ماوهب له من نماذج جزئية من ((العلم؛ والقدرة؛ والبصر؛ والسمع؛ والتملك؛ والحاكمية)) وامثالها من الصفات الجزئية؛ يصبح بهذه الصفات الجزئية مرآة عاكسة يعرف منها الصفات المطلقة لله سبحانه وتعالى؛ وادراك علمه وقدرته وبصره وسمعه وحاكميته وربوبيته؛ فيفهم تلك الصفات المطلقة للربوبية بالنسبة لمحدوديتها عنده؛ فالانسان ايضا يعرف بضعفه وعجزه وبفقره وحاجاته وبنقصه وقصوره قدرة القدير ذي الجلال وقوته العظيمة وغناه المطلق ورحمته الواسعة؛ بل حتى ان مايحمله الانسان من ضعف شديد ومايكتنفه من اعداء لاحد لهم يجعله يتحرى دائما عن مرتكز يرتكز عليه ومستند يستند اليه....فلا يجد وجدانه الملهوف الا الله سبحانه. ومن الاسماء الالهية الحسنى؛( العفو) ومعناه هو( جل جلاله) الذي يمحو الذنوب ويتجاوز السيئات ويبدلها اذا شاء حسنات وهو الواضع عن عباده تبعات خطاياهم وآثارهم فلايستوفيها منهم ان تابوا واستغفروا؛ او تركوا لوجهه اعظم مما فعلوا؛ فيكفر عنهم مافعلوا بما تركوا. وبما ان الانسان كما قلنا قبل قليل هو مرآة عاكسة لتجليات الاسماء الالهية الحسنى؛ فرقي عبودية الانسان لربه ان يتحلى بهذه الصفة الجميلة الراقية ولذلك نرى ربنا سبحانه ذكرها في مواطن عديدة في كتابه العزيز ليحببها الينا ويزينها في قلوبنا. فالعفو أقرب للتقوى، والصفح أكرم في العقبى، والترك أحسن في الذكرى، والمنُّ أفضل في الآخرة والأولى. وهو أفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة. ومعناه أن تستحق حقاً فتسقطه وتؤدي عنه قال - تعالى - في وصف المتقين وأعمالهم: ((الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين))[آل عمران: 134]. فالعفو والصفح إذاً هو الطريق الموصل لتحقيق القاعدة الربانية: "العاقبة للمتقين". ولا بد لمن ولاّه الله أمر جماعة أو أمة من قائد أو أمير أو زعيم أن يتحلى بـهذا الخلق لكي تستقيم له الأمور وتنقاد له الرعية بالسمع والطاعة؛ قال الله - تعالى - مخاطباً نبيه - عليه الصلاة والسلام -: ((فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين)) آل عمران: 159]. وفي مجال العقوبات قال - تعالى -: ((وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها فمن عفى وأصلح فأجره على الله إن الله لا يحب الظالمين))[الشورى: 40] وقال - تعالى -: ((ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور))[الشورى: 43]. وقال - تعالى -: ((لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاً عليماً. إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً))[النساء: 148-149]. وقال - تعالى -: ((والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له))[المائدة: 45]. وقال - تعالى -: ((وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين))[النحل: 126]. وفي المعاملة الزوجية في حال الطلاق والفراق حث على العفو والمسامحة فقال - تعالى -: ((وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم))[البقرة: 237]. لذلك نرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيد الكائنات وسيد المرسلين ادبه ربه جل جلاله فاحسن تاديبه فتحلى بهذا الخلق الرفيع فكان صلى الله عليه وسلم مثل قدوة رائدة وعظيمة ومرآة عاكسة لتجليات اسماء الله الحسنى ؛ ومافتح مكة الا احد هذه الامثلة الحقيقة الواقعية حيث تجلى فيها الخلق العظيم لنبينا العظيم صلى الله عليه وسلم؛ فمشركي مكة كانوا وجلون وخائفون من مصيرهم وماذا سيفعل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الذين طردوه من مكة وعادوه وعذبوا وقتلوا اصحابه واخذوا اموالهم ومساكنهم...فكان العفو من النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقال لهم (لاتثريب عليكم اليوم) ؛ اذهبوا فانتم الطلقاء....الله اكبر... ما اجملها من عبارة ان دلت على شيء فانها تدل على الانسانية الكاملة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلى حنانه ورحمته لامته. وهذه حادثة الإفك في سورة النور، حيث كان مسطح بن أثاثة ممن خاضوا في حديث الإفك على امنا عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها -، فلما نزلت براءة عائشة في القرآن الكريم ونزلت براءتـها من فوق سبع سماوات، حلف أبو بكر رضي الله عنه ألا ينفق على مسطح بعد ما رمى امنا عائشة بالإفك ظلماً وزوراً، فأنزل الله - تعالى - في ذلك: ((ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفورٌ رحيم)) [النور: 22]. وهذا سيدنا عبد الله ابن مسعود ( رضي الله عنه) جلس في السوق يبتاع طعاما فابتاع ثم طلب الدراهم وكانت في عمامته قد حلت فقال: لقد جلست وانها لمعي؛ فجعلوا يدعون على من اخذها ويقولون : اللهم اقطع يد السارق الذي اخذها ..اللهم افعل به كذا ...فقال عبد الله ابن مسعود : اللهم ان كان حمله على اخذها حاجة فبارك له فيها وان كان حملته جراءة على الذنب فاجعله آخر ذنوبه. فأين هذه الأخلاق والصفات من واقع أناس في هذا الزمان يلبسون جلود الضأن ويحملون قلوب الذئاب، وقد أدمنت في قلوبـهم كوامن الحقد واندفنت فيها أواحل الشر وعبسوا وأدبروا واستكبروا؛ فنرى في مجتمعاتنا (التي تدعي الاسلام) تجاوزات على الانسانية وعلى البشر... فانعدمت الرحمة والمسامحة والعفو بين الناس... فكثر الظلم وغلبت الاخلاق السيئة... فحق علينا البلاء والابتلاءات والفتن الطاحنات.... الا تحبون ان يعفو ويغفر الله لنا ولكم في الدنيا والاخرة ؟؟!!!... افتحوا القران وتدبروا واقرؤا الاخلاق العظيمة التي انزلها ربنا الينا وغرسها في ارواحنا وفي فطرتنا فطمسناها نحن بانفسنا وماالله بظلام للعبيد؛ اقرؤا و اطلعوا على السيرة العطرة للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وسترى العجب العجاب لنبي عظيم وكريم ورؤوف وعفو وذو خلق عظيم. إن أوثق عرى الروابط الاجتماعية وأدعاها للتماسك والألفة مبناها على العفو والصفح، وهذه الصفة لا ينالها إلا أصحاب الحظوظ العظيمة والقلوب السليمة التي يعمرها الإيمان بالله - عز وجل -، وأولئك هم المحسنون. قال - تعالى -: [ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم][فصلت: 34-35]. انها معادلة موزونة فلئن غفرت للناس زلاتهم وسترت عيوبهم ؛ بل اكثر من هذا.... لئن عفوت عنهم ؛ بل اكثر من هذا... لئن اصفحت عن عباد الله واكرمتهم رغم الاذى الذي حصلت عليه منهم ؛ اعلم انك على خطى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ؛ واعلم ان الله سيكرمك ويرحمك وهو الكريم الرحيم ؛ واعلم ان الله فالق الحب والنوى ورب العرش العظيم سيتجاوز عن سيئاتك ويعفو عن زلاتك فهو العفو جل جلاله. وتامل هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم في دعاء ليلة القدر .... فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني". اللهم اغفر لنا وارحمنا واعفوا عنا