عادل محمد زايد
عدد المساهمات : 4107 تاريخ التسجيل : 30/01/2009 العمر : 38 الموقع : المشرف علي المنتدي
| موضوع: مسألة الرؤية الأحد مارس 08, 2009 2:34 pm | |
| مسألة الرؤية [[ روى الإمام السلمي في طبقات الصوفية:" عن أبي عمرو الدمشقي أنه قال:" التصوف رؤية الكون بعين النقص، بل غض الطرف عن كل ناقص ليشاهد من هو منزه عن كل نقص " ]] سئل سهل بن عبد الله عن ذات الله عز وجل؟ فقال:" ذات الله تعالى موصوفة بالعلم، غيرُ مدركة بالإحاطة، ولا مرئية بالأبصار في دار الدنيا، وهي موجودة بحقائق الإيمان من غير حدِّ ولا إحاطة ولا حلول، وتراه العيون في العقبى ظاهراً في ملكه وقدرته، وقد حجب الخلق عن معرفة كنه ذاته، ودلهم عليه بآياته؛ فالقلوب تعرفه، والعقول لا تدركه، ينظر إليه المؤمنون بالأبصار من غير إحاطة ولا إدراك نهاية "، [[ وهذا لا يعني أنهم يدركون بداية أو جزءاً؛ فالله تعالى واحد على التحقيق "ط" ]]. قال سهل بن عبد الله التستري:" ينظر إليه تعالى المؤمنون بالأبصار من غير إحاطة ولا إدراك نهاية ". وقال أبو الحسين النوري:" القلوبُ شواهد الحقّ، فلم نر قلباً أشوق إليه من قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فأكرمه بالمعراج، تعجيلاً للرؤية والمكالمة ". وقال أبو بكر الكتاني:" جرت مسألة في المحبة، بمكة، أيام الموسم، فتكلم الشيوخ فيها، وكان الجنيد أصغرهم سناً، فقالوا له: هات ما عندك يا عراقي؟ فأطرق رأسه ودمعت عيناه، ثم قال: عبدٌ ذاهب عن نفسه، متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، أحرق قلبه أنوارُ هويته، وصفا شربه من كأس وده، وانكشف له الجبار من أستار غيبه؛ فإن تكلم فبالله، وإن نطق فمن الله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكن فمع الله، فهو بالله ولله ومع الله. فبكى الشيوخ وقالوا: ما على هذا مزيد، جبرك الله يا تاج العارفين ". فإن قيل: رؤية الله سبحانه هل تجوز رؤية الله سبحانه بالأبصار اليوم في الدنيا على جهة الكرامة؟ فالجواب عنه: أن الأقوى فيه: أنه لا يجوز؛ لحصول الإجماع عليه، [[ يعني: على الرؤية بالأبصار؛ كما ورد في السؤال، ومع ذلك: فقد نقل الشيخ عن ابن فورك رحمهما الله تعالى الاختلاف في المسألة بعد هذا مباشرة، فكيف يدعي الإجماع؟! وإن دل هذا: فإنما يدل على تساهل بعض العلماء في استعمال لفظ الإجماع. "ط" ]]. ولقد سمعت الإمام أبا بكر بن فورك رضي الله عنه، يحكى عن أبي الحسن الأشعري: أنه قال في ذلك قولين، في كتاب الرؤية الكبير. [[ قال الشيخ الإمام تاج الدين السّبكي رضي الله عنه في طبقات الشافعية:" قال القاضي ناصر الدين بن المنير المالكي في كتابه المقتفى: وفى الحكاية المدونة في كتب أهل الطريق: أن أبا تراب النخشبى كان له تلميذ وكان الشيخ يرفق به ويتفرس فيه الخير، وكان أبو تراب كثيرا ما يذكر أبا يزيد البسطامي فقال له الفتى يوما: لقد أكثرت من ذكر أبى يزيد، من يتجلى له الحق في كل يوم مرات ماذا يصنع بأبي يزيد؟! فقال له أبو تراب: ويحك يا فتى! لو رأيت أبا يزيد لرأيت مرأى عظيما، فلم يزل يشوقه إلى لقائه حتى عزم على ذلك في صحبة الشيخ أبى تراب، فارتحلا إلى أبى يزيد فقيل لهما: إنه في الغيضة _ وكانت له غيضة يأوي إليها مع السباع _ فقصدا الغيضة وجلسا على ربوة على ممر أبى يزيد، فلما خرج أبو يزيد من الغيضة قال أبو تراب للفتى: هذا أبو يزيد، فعندما وقع بصر الفتى على أبى يزيد خر ميتا! فحدث أبو تراب أبا يزيد بقصته _ وعجب من ثبوته لتجلى الحق سبحانه وتعالى وعدم تماسكه لرؤية أبى يزيد _! فقال أبو يزيد لأبى تراب: كان هذا الفتى صادقاً، وكان الحق يتجلى له على قدر ما عنده، فلما رآني تجلى له الحق على قدري فلم يطق. قال الفقيه ناصر الدين:" واصطلاح أهل الطريق معروف، وحاصله: رتبةٌ من المعرفة جلية، وحالة من اليقظة والحضرة سرية سنية، والإيمان يزيد وينقص على الصحيح. ولا تظنهم يعنون بالتجلي "رؤية البصر" التي قيل فيها لموسى عليه السلام على خصوصيته: { لن تراني }، والتي قيل فيها على العموم: { لا تدركه الأبصار }؛ فإذا فهمت أن مرادهم الذي أثبتوه غير المعنى الذي حصل الناس منه على الناس في الدنيا، ووعد به الخواص في الأخرى فلا ضير بعد ذلك عليك ولا طريق لسبق الظن إليك والله يتولى السرائر ". قلت: وكلام ابن المنير هذا في تفسير التجلي يقرب من قول شيخ الإسلام وسلطان العلماء أبى محمد بن عبد السلام رحمه الله في كتاب القواعد: إن التجلي والمشاهدة عبارة عن العلم والعرفان. واعلم أن القوم لا يقتصرون في تفسير التجلي على العلم، ولا يعنون به إياه، ثم لا يفصحون بما يعنون إفصاحا، وإنما يلوحون تلويحا، ثم يصرحون بالبراءة مما يوجب سوء الظن تصريحا. وقد ذكر سيد الطائفة أبو القاسم القشيري رحمه الله في الرسالة باب الستر والتجلي ثم باب المشاهدة: ولم يفصح بتفسير التجلي! كأنه خشي على فهم من ليس من أهل الطريق وعرف أن السالك يفهمه فلم يحتج إلى كشفه له. وحاصل ما يقوله متأخرو القوم: أن التجلي ضربان: ضرب للعوام: وهو أن يكشف صورة، كما جاء جبريل عليه السلام في صورة دحية .. قالوا: وهذا تجلى الصفة، ويضربون لذلك المرآة مثلا، فيقولون: أنت تنظر وجهك في المرآة وليست المرآة محلا لوجهك ولا وجهك حالا فيها، وإنما هناك مثالها تعالى الله عن أن يكون له مثال، وإنما يذكرون هذا تقريبا للأفهام. وضرب للخواص: وهو تجلى الذات نفسها، ويذكرون هنا لتقريب الفهم " الشمس "، قالوا: فإنك ترى ضوء النهار فتحكم بوجود الشمس وحضورها برؤيتك الضوء. قالوا: وهذا تقريب أيضا؛ وإلا فنور الباري لو سطع لأحرق الوجود بأسره إلا من ثبته الله. وقد يعتضدون بحديث أبى ذر رضي الله عنه: سألت النبي هل رأيت ربك؟ قال: { نور أنى أراه }، وفى لفظ قال: { رأيت نورا }[أخرجه مسلم والترمذي]، ولكنه حديث مؤول باتفاق المسلمين. [[ قال شمس الزمان _ قدس سره _:" إثباتها لسيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم بلا قيد ( أي: رؤية تامَّة )، وبقيد ( أي: بحجاب النور )، ونفيها، [[ الجواب عليه: أنه ]] لا تعارض بين الإثبات بلا قيد وبقيد؛ لعدم التصريح بأن الكلام عن نفس الواقعة، وجواز أن يكون رآه حيناً بلا قيد وآخر بقيد. فيُقال: رأى سيدُنا رسولُ الله محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم ربَّه بلا حجابٍ وبحجاب. وإنما التعارض بين الإثبات والنفي، فيُقَدم الإثبات؛ لما تقرَّر من تقديم المثبت على النافي. "انتهى ]]. هذا حاصل كلام القوم، وأنا معترف بالقصور عن فهمه وضيق المحل عن بسط العبارة فيه! وقد جالست في هذه المسألة الشيخ الإمام الصالح العارف قطب الدين بركة المسلمين محمد بن اسفهبدا الأردبيلى _أعاد الله من بركته_ وقلت له: أتقولون بأن الذي يراه العارف في الدنيا هو الذي وعده في الآخرة؟ قال: نعم. قلت: فبم تتميز رؤية يوم القيامة؟ قال: بالبصر؛ فإن الرؤية في الدنيا في هذين الضربين إنما هي بالبصيرة دون البصر. قلت: فقد اختلف في جواز رؤية الله تعالى في الدنيا؟ قال: الحق الجواز. قلت: فلا فارق حينئذ، وتجوز الرؤية بالبصر في الدنيا؟! قال: الفارق أنه في الآخرة معلوم الوقوع للمؤمنين كلهم، وفى الدنيا لم يثبت وقوعه إلا للنبي وفى بعض ذوى المقامات العلية. هكذا قال. ومما قلت له _ وقد ضرب المرآة مثلاً _: قد يقال إن هذا نوع من الحلول، والحلول كفر؟ قال: لا؛ فإن الحلول معناه أن الذات تحل في ذات أخرى، والمرآة لا تحل الصورة فيها. هذا كلامه. قلت له: فما المشاهدة عن التجلي؟ قال: المشاهدة دوام تجلى الذات، والتجلي قد يكون معه مشاهدة، وهو ما إذا دام وقد لا يكون. انتهى وأقول [[ أي: الإمام السبكي ]]: إذا تبرأ القوم من تفسير التجلي بما لا يمكن ولا يجوز وصف الرب تعالى به، فلا لوم عليهم بعد ذلك، غير أنهم مصرحون بأنه غير العلم والعرفان "انتهى النقل عن الإمام السبكي [الطبقات:1/502-504]. روى الإمام السلمي في طبقات الصوفية:" أن أبا يعقوب النَّهْرَجُورِي قال:" مشاهدة الأرواح تحقيق، ومشاهدة القلوب تعريف ". "انتهى. قال شمس الزمان الإمام العارف طارق بن محمد السعدي قدس سره في محلّ الرؤية القدسية وصفتها:" الدليل قد أثبت عدم صحة الرؤية في العالم السُّفلي: فإن الرؤية الشريفة ( وهي رؤية سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم لله تعالى في الحياة الدنيا ) إنما حصلت في معراجه الكليِّ إلى العالم العلوي، وعدم حصولها لسيدنا موسى عليه السلام إنما كان لسؤاله إياها في العالم السُّفلي .. وعليه: فتجوز الرؤية في الحياة الدنيا للنائم؛ لأنها تحصل للروح ( وهي من العالم العلوي ) في العالم العلوي، كما تجوز في اليقظة لمن مَنَّ الله تعالى عليه بالكمال وأنعم عليه بالحضور والوِصال. وذلك على وجه منزَّه عن جميع المعاني السُّفليّة، فمن زعم أنه رأى الله تعالى على صورة أو ما في معناها!! فقد اختلط عليه الرؤيا بالرؤية .. وبهذا يظهر: أن ما بنا عليه النفاة دليلهم ( أي حادثة سيدنا موسى عليه السلام ): ليس إلا دليلاً على إثباتها في الدنيا حياةً لا محلاً .. [[ وقد بين دلالته في موضع آخر فقال ]] وذلك من وجوه: الأول: أننا والنفاة جميعاً: نثبت جواز رؤية الله تعالى بطلب سيدنا موسى عليه السلام لها؛ لأنه لا يسأل محالاً! فنكيل لكم بنفس هذا الكيل ونقول: لو لم تكن جائزة في الدنيا أيضاً لما سألها؛ لأنه لا يسأل محالاً. الثاني: أن عدم حصولها له مع ثبوت جوازها بما ذكرته في الوجه الأول: ليس امتناعها في حياة الدنيا، بل امتناعها في دار الدنيا؛ إذ لو كان كذلك لأجابه الحقُّ تعالى بما يفيد امتناعها نحو " لا أُرَى في الدنيا "! ولكنه قال: { لن تراني } فاحتمل أن يكون المانع: " الحياة الدنيا " أو " دار الدنيا "، ولما علل المنعَ بقوله { ولكن انظر إلى الجبل فإن استقرَّ مكانه فسوف تراني } رجَّح مانع دار الدنيا، ودلَّ على جوازها في الحياة الدنيا، ثم أثبت له ذلك { فلما تجلى ربُّه للجبل } وهو أقوى مباني الدنيا { جعله دكاً }[الأعراف:143]. فلم ينف الحق جوازها، بل بين استحالتها في مكان سفلي بتعليق الأمر على استقرار الجبل. وعليه: فهذا دليل لنا، يترتب عليه اعتبار ما دل على امتناعها في الدنيا من الأخبار ليس على إطلاقه، ويشهد لذلك: حصولها لسيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وورثته رضي الله تعالى عنهم من بعده .. [[ وجواز الرؤية في ]] الدنيا من حيث كونها حياة وليس محلاً .. يمكن أن يفْهم أنها تحصل على الوجه الذي ذكره الشيخ أحمد الفاروقي رضي الله تعالى عنه في تأويل رؤية سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم [[ وهو قوله:" وإن تشرف بها نبينا عليه الصلاة والسلام بهذه الدولة، لم يكن وقوعها في الدنيا بل دخل الجنة ورأى فيها، وهي من عالم الآخرة، لا أنه رأى في الدنيا، بل خرج من الدنيا وصار ملحقا بالآخرة فرأى "انتهى ]]، أو على نحو ما قاله الشيخ ركن الدين:" إن السالكين يرون الحق سبحانه بالتجليات الصورية وهي مناسبة للآثار، ويرونه بالتجليات النورية وهي مناسبة للأفعال، وقد يرونه بالتجليات الذوقية وهي مناسبة للذات "اهـ[الرشحات:133] .. الخ. "انتهى [الفتاوى النورانية] ]]. قال الخراز:" إذا أراد الله تعالى أن يوالي عبداً من عبيده فتح عليه باب ذكره، فإذا استلذ الذكر فتح عليه باب القرب، ثم رفعه إلى مجالس الأنس به، ثم أجلسه على كرسي التوحيد، ثم رفع عنه الحجب وأدخله دار الفردانية، وكشف له عن الجلال والعظمة، فإذا وقع بصره على الجلال والعظمة بقي بلا هو، فحينئذ صار العبد زمناً فانياً، فوقع في حفظه سبحانه، وبريء من دعاوى نفسه ".[right] | |
|