الخلوة و الشيخ والاُستاذ.
وهي علی قسمَين: خلوة عامّة، وخلوة خاصّة.
------------------------------------------------------------------------
الخلوة العامّة (وتُدعي بالعُزلة)، وهي عبارة عن اعتزال غير أهل الله من الناس، سيّما النسوان والاطفال والعوامّ وأرباب العقول الضعيفة وأهل العصيان وطالبي الدنيا، إلاّ بقدر الحاجة والضرورة، أمّا مجالسـة أهل الطاعة فلا تتنافي مع هذه الخلوة، ولا يشترط فيها مكان خاصّ.
وما ورد في أخبار المعصومين عليهم السلام، فالمراد به هذا النوع. حيث قال أبو عبد الله عليه السلام: صَاحِبُ العُزْلَةِ مُتَحَصِّنٌ بِحِصْنِ اللَهِ مُتَحَرِّسٌ بِحَرَاسَتِهِ. فَيَا طُوبَي لِمَنْ تَفَرَّدَ بِهِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً. [الشرح]
وقال: فِرَّ مِنَ النَّاسِ فِرَارَكَ مِنَ الاَسَدِ وَالاَفْعَي، فَإنَّهُمْ كَانُوا دَوَاءً فَصَارُوا دَاءً... وقال: مَا مِنْ نَبِيٍّ وَلاَ وَصِيٍّ إلاَّ وَاخْتَارَ العُزْلَةَ فِي زَمَانِهِ، إمَّا فِي ابْتِدَائِهِ، أَوِ انْتِهَائِهِ. وقال: كُفُّوا أَلْسِنَتِكُمْ وَالزَمُوا بُيُوتِكُمْ. [14]
وقضيّة غار حراء دالّة علی هذا المطلب، والآية الكريمة: وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَو'ةُ الدُّنْيَا ] الآية 70، من السورة 6: الانعام [ ناطقة له. وهذه الخلـوة راجحة في كلّ الاحوال.
وأمّا الخلوة الخاصّة، فإنّها ـ ولو كانت لا تخلو من فضل في جميع العبادات والاذكار شرط لدي مشايخ الطريقة في طائفة من الاذكار الكلاميّة، بل في جميعها. ومراد أهل الاوراد من الخلوة: هذا النوع منها.
ويشترط فيها الوحدة والابتعاد عن محلّ الزحام والضوضاء والاصوات التي تشوّش البال، وحِلّيّة المكان وطهارته ـ حتّي السقف والجدران وأن تكون علی قدر سعة الذاكِر وعبادته فحسب. وقول عيسي عليه السلام: وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ[15] إشارةٌ إليها.
وأفضل البيوت ما كان له باب واحد ولم يكن فيه نافذة أو كوّة. والذاكرُ مندوب أن يقول إذا دخل في البيت:
رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَـ'نًا نَّصِيرًا. [16]
ثمّ يقول: بِسْمِ اللَهِ وَبِاللَهِ وَصَلَّي اللَهُ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِهِ.
ثمّ يصلّي ركعتَين، يقرأ في الاُولي بعد الحمد هذه الآية:
وَمَن يَعْمَلْ سُو´ءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ و ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَهَ يَجِدِ اللَهَ غَفُورًا رَّحِيمًا. [17]
وفي الثانية:
رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. [18]
وعليه ـ خلال الذِّكر أن يفترش الارض أو ما ينبت منها، كالحصير وما شابهه، وأن يجلس تجاه القِبلة متورِّكاً أو مربّعاً. وأن يهتمّ بالتعطّر في تلك الحال، سيّما بالبخورات اللائقة.
-----------------------------------------------------
الشيخ والاُستاذ.
------------------------------
وهو علی نوعَين: أُستاذ خاصّ وأُستاذ عامّ.
فالاُستاذ الخاصّ هو الذي نُصّ عليه وخُصّ بالدلالة والهداية، وهو النبيّ وخلفاؤه الخاصّون.
وأمّا الاُستاذ العامّ، فهو الذي لم يُنصّ عليه بالهداية، بل هو داخل في عُموم: فَسْـَلُو´ا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ] الآية43، من السورة 16: النحل [. وَلاَ مَفَرَّ للسالك في كلّ حال من الاُستاذ الخاصّ، حتّي لو كان بلغ هدفه المقصود،[الشرح] لانّ ذلك الاُستاذ يعلّمه آداب الوطن أيضاً، ولا نّه الوإلی في تلك المملكة أيضاً.
ومرافقته من الضرورة العامّة في حال السلوك، بل في أواخر السلوك (عند حصول التجلّيات الذاتيّة والصفاتيّة). وما ورد عن أرباب السلوك في باب آداب خدمة الشيخ وتعاهده، فقد أرادوا به الاُستاذ الخاصّ، ولو كان ملاحظة الادب والاحترام لازمَين للاُستاذ العامّ أيضاً لقيامه في الهداية مقام الاُستاذ الخاصّ.
وما يفهمه الاكثريّة من توقّف السلوك علی الشيخ، أنّ طلب السلوك بدون إرشاد الشيخ والاُستاذ ومتابعتهما غير ممكن. ومع أنّ الامر كذلك، إلاّ أنّ هناك مرحلة أُخري أعلی من هذه المرحلة، إذ إنّ مرافقة الاُستاذ الخاصّ في جميع الاحوال في ترتيب المظاهر ـ وهو ما سيُشار إليه من أهمّ الشرائط وأعظم اللوازم. كما أنّ مرافقة الاُستاذ العامّ أولي وأنسب، سيّما للمبتدي.
وتحصل معرفة الاُستاذ الخاصّ في بداية الامر حسب الطريقة التي مرّت في تحصيل الإيمان الاصغر، كما أ نّه سيعرّف نفسه في نهاية المطاف.
أمّا الاُستاذ العامّ فلا يعرف إلاّ بمصاحبته في الخلاء والملاء، وبالمعاشرة الباطنيّة وملاحظة تماميّة إيمان جوارحه ونفسه. وحَذارِ من متابعته بالانخداع بظهور خوارق العادات، وبيان دقائق النكات، وإظهار الخفايا الآفاقيّة والحبايا الانفسيّة، وتبدّل بعض حالاته، لانّ الإشراف علی الخواطر والاطّلاع علی الدقائق، والعبور علی الماء والنار، وطيّ الارض والهواء، والإحضار من المستقبل وأمثال ذلك يحصل في مرتبة المكاشفة الروحيّة، وهي مرحلة يفصل بينها وبين المنزل المقصود طريق بلا انتهاء. [الشرح]
وما أكثر المنازل والمراحل! وما أكثر السائرين الذين طـووا هذه المرحـلة، ثمّ انحـرفوا بعدها عن الجـادّة ودخـلوا في وادي اللصوص والابالسـة! وما أكثر الكفّار الذين حصـلوا بهذا السـبيل علی اقتـدار علی فِعل أشـياء كثيرة! بل لا يمكن أيضاً الاسـتدلال بالتجلّيات الصفاتيّة علی وصول صاحبها، لانّ ما يختصّ بالواصلين إنّما هو التجلّـيات الذاتـيّة، بنـوعها الربّـانيّ لا الروحـانيّ.[الشرح] و هناك طريقة أُخري لمعرفة الاُستاذ وشيخ الطريقة سنشير إليها إن شاء الله تعإلی.