ذات النطاقين (رضي الله عنها )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وآله وصحبه
أسماء بنت أبي بكر الصديق
نسبها
إنها أسماء بنت أبي بكر عبد الله بن قحافة أم عبد الله ، القرشية التميمية ، المكية ، ثم المدنية.مهاجرة جليلة وسيدة كبيرة بعقلها وعزة نفسها وقوة إرادتها
فهي رضي الله تعالي عنها تحمل نسباً شريفاً عالياً جمعت فيه بين المجد والكرامة والإيمان ، فوالدها هو الصديق صاحب رسول الله، وثاني اثنين في الغار، وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولدت رضي الله تعالي سنة 27 قبل الهجرة.وهي أكبر من أختها عائشة أم المؤمنين بعشر سنين. وهي شقيقة عبد الله بن أبي بكر وأمها قتيلة بنت عبدالعزى.
لذلك أرى أنها من صديقة المؤمنات وسيرتها عطر للمجالس وأنس للمجالس ورحيق مختوم بالمسك رضي الله عنها. وقد جمعت بين صدق الإيمان وعمق النظرة والشجاعة ما جعلها مثلا طيبا بين نساء الإسلام ، ولهذا استحقت أن تكون من النساء المبشرات بالجنة .
إسلامها
أسلمت أسماء رضي الله عنها قديما بمكة وكان إسلامها بعد سبعة عشر شخصا وكان عمرها آنذاك خمسة عشر سنة. وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم و آمنت به إيمانا قويا. وقد شهدت أسماء عهد البعثة النبوية، و عايشت أحداثها، ولقد كان لأبيها شرف السبق إلى الإسلام.حتى أصبح يدعو إلي الله تعالى من يثق به وبجهود حتى اسلم على يديه عثمان بن عفان و الزبير بن العوام و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله.
وكان أبو بكر رجلا مألفا لقومه وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بأنسابها، وكان رجلا تاجرا ذا خلق كريم ، وصاحب معروف(ابن سعد،الطبقات، ج8.)
تسميتها بذات النطاقين
لقد دخلت أسماء بنت أبي بكر التاريخ الإسلامي، من خلال نطاقها الذي شقته لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-إلى شقين، فلما جاء قرار الهجرة وجب على رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر الصديق-رضي الله عنه- الرحيل، ولم يخفى ذلك على قريش التي اقترح عليهم أبو جهل أن تقوم كل قبيلة باختيار شابا منها، ثم يهجمون على الرسول-صلى الله عليه وسلم- فيقتلوه بضربة رجل واحدة لتهدر دمائه الطاهرة وتضيع بين القبائل جميعا. وهكذا تسلل الرسول الكريم-صلى الله غليه وسلم-برفقة أبي بكر الصديق للاختباء في غار ثور، وسرعان ما علمت قريش بذلك فأرسلت فرقا للبحث عنه في جميع الاتجاهات، ولرحمة الله-عز وجل- وحبه للرسول-صلى الله عليه وسلم- سخر عنكبوتا لتنسج شباكها على باب الغار وحمامة لتبيض هناك، فأبعد ذلك شكوك المشركين في احتمال اختبائه-صلى الله عليه وسلم- في الغار.
وهنا كان الدور المهم الذي قامت به أسماء بنت أبي بكر-رضي الله عنها-فقد كانت تحمل الطعام والشراب إليهما، فكانت رمزا للشجاعة والذكاء رغم صغر سنها لأنها كانت تمضي حاملة الزاد لهما في عتمة الليل دونا عن الخلق، ولم يفتها أن تضلل قريش ولا أي إشارة تقودهم إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وأبيها الصديق-رضي الله عنه- فكانت في كل مرة تصحب معها خادمها الذي يرعى الغنم، بحيث تسير من خلفها الأغنام لتطمس خطاها فلا يعرف أحد بمكانهما. وفي الليلة التي وصل فيه عبد الله بن أريقط البكري خرج النبي-صلى الله عليه وسلم-وصاحبه استعدادا للرحيل، فحملت أسماء الزاد لتربطه بالناقة ولكنها لم تجد ما تربط به الزاد، ففكت نطاقها وشقته إلى نصفين ربطة سفرة الزاد بأحدهما وانتطقت بالآخر، وفي تلك اللحظة أطلق عليها الرسول الكريم-صلى الله عليه وسلم-لقب ذات النطاقين(خالد عبد الرحمن العك، صور من حياة صحابيات الرسول، دار الألباب،1989.)
مكانتها :
تمتعت أسماء بنت أبي بكر بين نساء قريش بمنزلة مرموقة، لمكانة أبيها فيها وشاركت أباها أعباءه في الدعوة إلى الله تعالى و نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويظهر ذلك جليا حين كان أبوها الصديق يجهز للرسول صلى الله عليه وسلم متاع الهجرة، و ما كان أحد يعلم بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم سوى أبي بكر وابنتيه أسماء وعائشة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم.ومن هنا نعلم كبير ثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهؤلاء حيث أطلعهم على أخص أسراره.
. جهادها :
تعرضت أسماء للأذى والاضطهاد في سبيل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيها صديق. ذلك أنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبو بكر رضي الله عنه، أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم؛ فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر ؟! قلت: لا أدري والله أين هو ؟! قالت: فرفع أبو جهل يده، وكان
فاحشا خبيثا، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي!!.؟ فهذا يدل على قوة إيمانها وعلى بذل الجهد في سبيل الله كما يدل على الصبر حيث أن جهادها يعتبر ذروة الإسلام.
روايتها عن الرسول:
روت أسماء رضي الله عنها خمسة وثمانين حديثاً وفي رواية أخرى ستة وخمسين حديثاً، اتفق البخاري ومسلم على أربعة عشر حديثاً، وانفرد البخاري بأربعة وانفرد مسلم بمثلها، وفي رواية أخرج لأسماء من الأحاديث في الصحيحين اثنان وعشرون المتفق عليه منها ثلاثة عشر والبخاري خمسة ولمسلم أربعة0
زواجها :
تزوجت أسماء رضي الله عنها من الزبير في مكة و ماله في الأرض ولا مملوك ولا أي شيء غير فرسه وهاجرت، و هي حامل بولده عبد الله في ذلك تقول : تزوجني الزبير و ما له في الأرض مال ولا مملوك، ولا شيء غير فرسه فكنت أعلف فرسه وأكفيه مؤنته وأسوسه، وأدق لناضخه، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير، وأدق النوى, أعجن و لم أكن أحسن أخبز، فكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صدق.
وكانت رضي الله عنها تتحمل الكثير من العنت والتعب في سبيل خدمة زوجها، و هي صابرة، وكان الزبير رضي الله عنه شديدا عليها، فأتت أباها فشكت ذلك إلية، فقال يا بنية! اصبري فالتزمت وصية أبيها إلى أن كبر ابنها عبد الله، ثم طلقها الزبير فأقامت عند ابنها عبد الله . وروت أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم 58 حديثا ، و في رواية56 حديثا. اتفق البخاري و مسلم على أربعة عشر حديثا. و انفرد البخاري بأربعة و انفرد مسلم بمثلها. وفي رواية أخرج لأسماء من الأحاديث في الصحيحين اثنان وعشرون المتفق عليه منها ثلاثة عشر و للبخاري خمسة ولمسلم أربعة.
مقتل ابنها عبد الله بن الزبير:
" بويع عبد الله بن الزبير بالخلافة بعد موت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان سنة أربع وستين، وبقي حتى قتل سنة ثلاث وسبعين، وحج بالناس كل هذه المدة وبنى الكعبة أيام خلافته وكساها الحرير.
كانت جميع الأقطار الإسلامية قد بايعته بالخلافة، ولم يبق إلا مروان بن الحكم ومعه جزء صغير من بلاد الشام، لكن مروان بدأ يتوسع وخلفه ابنه عبد الملك فتوسع أكثر بينما تنكمش خلافة عبدالله بن الزبير حتى لم يبق مع ابن الزبير إلا بلاد الحجاز، وقد سأل عبد الملك من حوله بعد أن أنهى ضم العراق إليه: من يكفيني أمر ابن الزبير في مكة فلم يتجرأ أحد على ذلك إلا الحجاج بن يوسف الثقفي وقال: أنا له يا أمير المؤمنين فابعث بي إليه فإني قاتله. فبعثه في جيش كثيف من أهل الشام، وكتب معه أمانا لأهل مكة إن هم أطاعوه، فخرج في جمادى الأولى عام 72 للهجرة ولم يعرض على المدينة ونزل بالطائف وصار يرسل السرايا إلى عرفة ويلتقي بفرسان ابن الزبير، فيحدث قتال ثم يعود كل طرف إلى مكانه، ثم استأذن الحجاج من عبد الملك أن يدخل الحرم فيحاصر ابن الزبير فأذن له، وكان حصاره ستة أشهر وسبعة عشر يوما، إلا أن الناس قد خذلوه وصاروا يخرجون إلى أهل الشام مستسلمين طالبين النجاة ومنهم ولداه حمزة وخبيب، ولم تكن أسماء بمنأى عن ذلك فهي تتابع الموقف، فذهب إليها عبد الله فشكا إليها- وكانت قد فقدت بصرها – فقال لها: يا أماه خذلني الناس حتى أهلي وولدي ولم يبق معي إلا اليسير من جندي، والناس يعطونني ما أردت من الدنيا فما رأيك؟ قالت: يا بني أنت أعلم بنفسك إن كنت تعلم أنم على حق وإليه تدعو فاصبر عليه، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن رقبتك لغلمان بني أمية يلعبون بها، وان كنت تتعلم أنك إنما أردت الدنيا، فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك وأهلكت من معك وإن كنت على حق، فما وهن الدين إلى كم خلودك في الدنيا؟ القتل أحسن.
فدنا فقبل رأسها وقال: هذا والله رأيي، ولكن يا أماه أخاف أن يمثل بي بعد القتل قالت: يا بني إن الشاة لا يؤلمها السلخ بعد الذبح.
لقد أحيط به من كل مكان، والمنجنيق يضرب البيت الحرام، وهو يقاوم مع فئة قليلة من جنوده، والكثرة تغلب أشجع الشجعان مهما عظم، وليس الرأي في الآخر إلا رأي أسماء فهي التي ربته على الحق وأرضعته لبن الإيمان والعدل والجرأة في الحق وسداد الرأي.
ودخلوا على ابن الزبير في المسجد وقت الصلاة وقد التجأ إلى البيت وهم ينادون: يا بن ذات النطاقين، وتكاثروا عليه فشدخ بالحجارة فانصرع، وأكب عليه موليان له وأحدهما يقول: العبد يحمي ربه ويحتمي، حتى قتلوا جميعا وتفرق من كان معه من أصحابه وأمر به الحجاج فصلب منكسا بمكة، وكان مقتله يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة 73 للهجرة.
ولم يدفع لها الحجاج جثة ابنها رغم كل المطالب والضغوط، وبعد مدة جاء كتاب عبد الملك بن مروان أن يرفع إلى أهله، فأتي به أسماء فغسلته وطيبته ثم دفنته"
مـــواقف وأحـــــداث:
كانت أسماء تأمر أبناءها وبناتها وأهلها بالصدقة تقول: أنفقوا ، أو أنفقن ، وتصدقن ، ولا تنتظرن الفضل، فإنكن إن انتظرتن الفضل، لم تفضلن شيئاً ، وإن تصدقتن لم تجدن فقده. وكانت شاعرة ناثرة ذات منطق وبيان ، فقالت في زوجها الزبير ، لما قتله عمرو بن جرموز المجاشعي بوادي السباع ، وهو منصرف من وقعة الجمل:
غدا ابن جرموز بفارس بهمة يوم الهياج وكان غير معرد
يا عمرو لو نبهته لو حدته لا طائشاً رعش الجنان ولا اليد
(كحاله ، أعلام النساء 1/47.)
وعن عبد الله بن عروة عن جدته أسماء قال: قلت لها: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله علية وسلم يفعلون إذا قرىء عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم الله ، تدمع أعينهم ، وتقشعر جلودهم. قال: فأن ناساً إذا قرىء عليهم القرآن خر أحدهم مغشياً عليه. قالت: أعوذ بالله من الشيطان.
وفي خلافة ابنها عبد الله أميراً للمؤمنين جاءت فحدثته بما سمعت عن رسول الله بشأن الكعبة فقال: إن أمي أسماء بنت أبي بكر الصديق حدثتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: (لولا حداثة عهد قومك بالكفر، لرددت الكعبة على أساس إبراهيم ، فأزيد في الكعبة من الحجر). فذهب عبد الله بعدها وأمر بحفر الأساس القديم ، وجعل لها بابين ، وضم حجر إسماعيل إليها، هكذا كانت تنصح أبنها ليعمل بأمر الله ورسوله.
وقد كانت امرأة جليلة تقية ورعة ، جادة في الحياة ، عندما قدم ولدها المنذر بن الزبير من العراق أرسل لها كسوة من ثياب رقاق شفافة تصف الجسد فرفضتها ، فقال المنذر: يا أماه ، إنه لا يشف ، قالت: إنها إن لم تشف فإنها تصف. ومن جرأتها وجهادها خروجها مع زوجها وأبنها في غزوة اليرموك.
وفاتها: رضي الله تعالي عنها : آخـر المهاجــرات وفاة:
وقد عاشت أسماء رضي الله عنها دهرا طويلا فكانت إحدى الوثائق الصحيحة التي وعت أحداث قرن كامل، وكانت خاتمة المهاجرين والمهاجرات وفاة، كما نالت بالشمائل الكريمة البشارة بالجنة منذ فجر حياتها، ففي قصة الهجرة جادت أسماء بنطاقها ونفسها من أجل تأمين السعادة والطعام لرسول الله فقال لها صلى الله عليه وسلم : إن لك بهما نطاقين في الجنة"
" توفيت رضي الله عنها بعد ابنها بأيام معدودات، ففي رواية أنها عاشت ثلاثة أيام وفي رواية عشرة أيام وفي روايات أكثر قليلا لكن المتفق عليه أنها لم تعش بعد ابنها طويلا0
توفيت رضي الله عنها سنة ثلاث وسبعين ، عن عمر يناهز مائة سنة ، ولم يسقط لها سن ولم يغب من عقلها شيء (كحاله ، أعلام النساء 1/47).
وقد أوصت رضي الله عنها قبل موتها قائلة لأهلها: إذا أنا مت فأجمروا ثيابي وحنطوني ولا تجعلوا فوق كفني حنوطا ولا تتبعوني بنار"
وانتهت حياة أســماء ذات النطاقين رضي الله عنها وأرضاها ، وانتقلت إلى جوار ربها ، تاركة دروساً وعبر ومواعظ خالدة في الإسلام فقد كانت بنتاً صالحة، وزوجةً مؤمنةً وفية، وأماً مجاهدة ربت أبناؤها على أساس إيماني قوي، وكانت صحابية وابنة صحابي وأم صحابي وأخت صحابية ، وحفيدة صحابي ، ويكفي أن خير الخلق نبينا مــحمد صلى الله عليه وسلم لقبها بالوسام الخالد أبد الدهر(بــذات النــطاقــين، ( محمد حسن برتعش ، ذات النطاقين (83
فهنيئاً لك والسلام عليكِ أيتها الأم الفاضلة .