تعطير الأنفاس بشرح معتقد السيد بهاء الدين الروّاس
الحمد لله رب العالمين قيوم السماوات والأرضين ، الحمد لله الأول بلا إبتداء، الآخر بلا انتهاء الذي جلَّ عنِ الصاحبة والأبناء وعزَّ عن الشركاء ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الشفعاء وعلى جميع إخوانه الأنبياء وعلى ءال كلٍّ وصحب كلٍّ ما دامت الأرض والسماء .
هذا شرح وجيز في بابه نافع عزيز في معتقد سيد الخلق وحبيب الحق محمد عليه الصلاة والسلام شرحنا فيه عبارات سبكها السيد الجليل والنبراس الكبير سيدنا ومفزعنا وملاذنا وملجؤنا السيد أحمد الرفاعي الكبير إمام الصديقين وسيد العارفين نقلها عنه القطب العارف بالله مولانا الشيخ الكبير السيد بهاء الدين محمد مهدي الشهير بالرواس رضي الله عنهما ونفعنا وأحبابنا بهما .
يقول السيد الرواس نفعنا الله به في كتابه (( بوارق الحقائق )) :
هذا لباب ما قرره شيخنا سيد الصديقين الإمام الرفاعي رضي الله عنه. وقد ذكر من مناهج السلوك إلى الله وسائل في الطريق أربعة فيها الحصول على خير الأمر الديني وجمع الحال مع الله تعالى . فالوسيلة الأولى صحة الاعتقاد، ولنذكر ذلك بالاختصار على الوجه الكافي ، وهو أن يعتقِد المرء أن اللهَ واحد لا شريك له ، فرد لا مِثلَ له ، صَمَد لا ضِد له ، متفَرِّد لا نِد له ، وأنَّه قَديم لا أوَّل له ، أزلي لا بِداية له ، مُستمر الوُجود لا ءاخِر له ، أَبدي لا نِهاية له ، قَيوم لا انقِطاع له ، دَائِم لا انصِرَام له ، هوَ الأوَّل والآخِر والظَّاهِر والبَّاطن ، لا يُماثله مَوجُود ، وليس كمِثله شىء ولا هو مِثل شَىء ، لا يَحُده المقدَار ولا تَحويه الأقطَار ، لا تُحيط به الِجهات، ولا تَكتَنِفه السمَاوات ، العَرش وحملته محمولُون بلطف قُدرته ، ومقهورون في قبضته ، بائن بصفاته عن خلقه ، ليس في ذاته سواه ، ولا في سواه ذاته ، مقدّس عن التغيُّر والانتقال ، منـزه عن الغيبة والزوال ، حي قادر جبار ، قاهر لا يعتريه قصور ولا عجز ، ولا تأخُذه سِنة ولا نوم ، ولا يُعارضه فناء ولا موت ، ذو الملك والملكوت والعزة والجبروت ، وله السلطان والقهر والخلق والأمر ، عالم بجميع المعلومات ، مريدٌ للكائنات ، مدبِّر للحادثات ، وهو المُبدىء المعيد ، الفعّال لما يريد ، لا رادَّ لحكمه ، ولا معَقِّب لقضائه ، ولا مهرب لعبد عن معصيته إلا بتوفيقه ورَحمته ولا قوّة له على طاعته إلا بمحبَّته وإرادته ، سميع بصير لا يَعزِب عن سَمعه مسموع وإن خفي ، ولا يغيب عن رؤيته مرئي وإن دقَّ ، متكلِّم ءامر ناهٍ واعد متوعِّد بكلامٍ أزلي قديم ، قائم بذاتِه ، لا يُشبِه كلام الخلق ليس بصوت يحدُث من انسلال هواء ، واصطكاك أجرام ، ولا بحرف يتقطع بإطباق شفة أو تحريك لسان ، وإنَّ القرءان والتورات والإنجيل والزبور كتبه المنـزلة على رُسله ، إنَّ القرءان مقروء بالألسنَة ، مكتوب في المصاحف ، محفوظ في القلوب ، قديم قائم بذات الله لا يَقبل الانفصال والفراق بالانتقال إلى القلوب والأوراق ، وأن موسى عليه السلام سمع كلام الله بغير صوت ولا حرف كما يرى الأبرار ذات الله من غير جوهر ولا عَرَض ، وإذا كانت له هذه الصفات كان جل و علا حيا قادرا مريدا سميعا بصيرا متكلما بالحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام لا بمجرد الذات ، ويجب أيضا على المرء أن يعتقد أن اللهَ حكيم في أفعاله ، عادل في أقضيته ، يثيب عبادَه على الطاعات بحكم الكرَم والوعد لا بحكم الاستحقاق واللزوم إذْ لا يجب عليه فعل ، ولا يُتَصوِّر منه ظلم ، ولا يجب لأحد عليه حق ، بعث الرسل وأظهر صدقَهم بالمعجزات الظاهرة فبَلَّغوا أمرَه ونهيَه ووعدَه ووعيدَه ، وأوجب على الخلق تصديقَهُم فيما جاءوا به ، وبعث النبيَّ الأميّ القرشيّ محمدا صلى الله عليه وسلم برسالته إلى كافة العرب والعجم والجنِ والإنس فنسخ بشرعه الشرائِع إلا ما قَرَره ، وفضَّلَه على سائِر الأنبياء ، وجعلَه سيد البَّشَر ، ومنَع كمال الإيمان بشهادَة التوحيد وهي قول لا إله إلا اللهُ مَا لمْ تقتَرِن بِها شهادَة الرَّسول ، وهي قول محمَّد رسول الله ، وألزَم الخَلق بتصديِقِه في جَميع ما أخبَر عنه مِن أمر الدنيَا والآخرَة ، ويجب على المرء أن يؤمِن بما أخبر عنه الرسول صلَّى الله عليه وسلم بعد الموت ، وذلك سؤال مُنكَر ونَكير وشأن القبر ، والميزان ، والصراط ، والحساب والقضَاء العدل في أمر الخلق بعد حسابِهم ، وتفاوت الخلق في الحساب إلى مناقَش ومسامَح ، ومنْ يدخل الجنة بغير حساب ، وأنْ يؤمِن بالحوض المورود حوض سيد الوجُود محمَّد صلَّى اللهُ عليهِ وسلم يشرَب منه المؤمنونَ قَبل دُخول الجنَّة ، وبعد جَواز الصِّراط مِنْ شَرِب منه شُربَة لمْ يظمَأْ بعدَهَا أبدا ، وأنْ يؤمِن بإخرَاج الموحدين منَ النَّار بعد الانتقَام حتَى لا يَبقَى في جهنَّم موحِّد بفضل الله تعالى ، ويؤمنُ بشفاعَة الأنبيَاء ثمّ العلماء ثم الشهداء ثمَّ سائِر المؤمنين كلٌ علَى حَسَب جاهه ومنـزلَته ، ومَنْ بقي منَ المؤمنين ولمْ يكُن له شَفيع أُخرِج بفضل الله ولا يُخَلَّد في النَّار مَنْ كان في قَلبه مثقَال ذرَّة منَ الإيمَان ، وأنْ يعتقِد فضل الصحَابَة الكرَام ، رضي الله عنهُم ، وترتيبُهُم ، وأنْ يُحسِن الظنَّ بِهِم جميعا ويُثنِي علَيهِم كمَا أثنَى الله ورَسوله عَلَيهِم . ا. هـ .