فى هذه الايام المباركة، يتوجه الملايين من الحجيج الى الاراضى المقدسة المباركة، استعداداً ليوم عظيم مبارك، حيث يخرجون من ملابسهم و متعلقاتهم الدنيوية، مُلبّين دعوة الرحمة و التكريم من ربهم الكريم، و متعرضين لفيوضات الرحمة، واقفين على بابه برداء المسكنة و الافتقار.
و فى هذا الوقت من السنة يبدأ موسم الخريف فتبدأ الاشجار خلع اوراقها او ملابسها استعداداً لموسم الشتاء حيث تقف جميعها عارية، و كأن هذا هو إحرامها، و ترتفع الأفرع الخالية الى السماء متضرعةً الى ربها منتظرةً رحمته و فيوضاته. و بعض هذه الاشجار تتزين قبل إحرامها التام فترى أوراقها قد تلونت بالوان بديعة، من الاصفر المبهج الى الاحمر المبتهج، و كأنها تعرب عن فرحتها و تدعونا للفرح بالايام المباركة القادمة، رغم انها تستعد للموت المؤقت. ذكّرتنى هذه الاشجار بمن يقف متطلعاً الى جموع الحجيج التى لبت دعوة ربها، و هو واقف مكانه منعته الموانع، لكنه قد يقطع أوديةً بفكره، و يهرول ملبياً بقلبه الى الصعيد الطاهر.
ثارت هذه المناظر و المعانى عندما استوقفتنى كلمة (شكوراً) فى الآية الجميلة: وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً . و كأن تبدل المواسم و تعاقب الاحوال يثير فى العقل تفكراً ، و يستخرج من القلب شكراً. قال الشيخ الشعراوى فى تفسير ذلك: معنى { يَذَّكَّرَ } يتمعنّ ويتأمل في آيات الله، في الليل وفي النهار، كأنه يريد أن يصطاد لله نعماً يشكره عليها، على خلاف الغافل الذي لا يلتفت إلى شيء من هذا، فمن فضل الله علينا أن يُنبِّهنا إلى هذه النعم، ويلفت نظرنا إليها؛ لأننا أهل غفلة. و قال ابن عجيبة: وهو الذي جعل ليل القبض ونهار البسط خِلْفةً، يخلف أحدهما الآخر، لمن أراد أن يذكر في ليل القبض، ويشكر في نهار البسط. والله تعالى أعلم.