- الحياء من الإيمان
**************
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلاة وسلاماً على الصادق الأمين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
(أما بعد)
فقد روى الأئمة عن ابن عمر رضى الله عنهما
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ على رجل من الأنصار
وهو يعظ أخاه فى الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( دعه فإنَّ الحياء من الإيمان) (متفق عليه)
أيها السادة:
لو نظرنا إلى هذا الحديث الشريف لرأينا الحكمة العالية
تتجلى فيه لجميع المؤمنين،
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الرجل الذى يعظ أخاه
فى التمسك والتحلى بفضيلة الحياء
أن يترك أخاه من هذه العظة،
وذلك لأن الحياء أثر من آثار الإيمان الحقيقة،
ونتيجة من نتائج التصديق الكامل بمراقبة الله،
وملاحظة أنه سبحانه وتعالى مع الإنسان أين كان وكيف كان،
وأنه عز وجل مطَّلِعٌ على خائنة الأعين وما تخفى الصدور،
وأنه جل شأنه يرى ويسمع كل حركة وكل كلمة،
وكل نية وكل إرادة تصدر عن الإنسان.
هذا الإيمان العميق يجعل المؤمن يستحى من الله عز وجل،
ويخشى جنابه العلى، فلا يأتى أمراً مخالفاً،
ولا يرتكب فعلاً خاطئاً، لأن الإيمان قد استقر فى قلبه.
وإن الحياء من الله عز وجل مقام من مقامات أهل الإحسان،
حيث أن المؤمن قد أحسن إلى نفسه وإلى غيره
وذلك بالإستمساك بهذا الخلق النبيل، وهذا الأدب الكريم،
إذ أنه يستحى أن يطلع على عورات الناس
ويستحى أن يفضحهم ويكشف ستر الله عنهم.
وإنَّ منزلة الحياء من الإيمان بمنزلة العين أو الأذن
من جسم الإنسان، ومن لا حياء فيه لا خير فيه
وإنَّ الحياء خير كله، وإنه لا يأتى إلا بالخير،
وإن صاحبه قد استعصم بما استعصم به الأنبياء والمرسلون،
قالت امرأة العزيز فى شأن سيدنا يوسف عليه السلام:
﴿ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ
وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾
[ سورة يوسف: الآية32]
ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوماً:
( استحيوا من الله حق الحياء)
قال رجل: وكيف نستحي من الله حق الحياء يا رسول الله؟
قال:
(أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبلى)
( رواه أحمد والترمذى والحاكم والبيهقى عن ابن مسعود)
بهذا البيان البليغ عرف المسلمون الأوائل رضى الله عنهم
كيفية الإستحياء من الله عز وجل
وما زال المسلمون الصادقون ينهجون على هذا المنهج القويم،
ويسلكون على هذا الصراط المستقيم.
ولما كان الحياء ينبع من ذات المؤمن، ومن نفسه الطاهرة،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
للرجل الأنصارى الذى يعظ أخاه فى هذا الخلق العظيم :
( دعه فإن الحياء من الإيمان).
يعنى من لا حياء فيه لا إيمان له،
إذ أنه لو كان معه إيمان فى قلبه لأشرق نور الحياء فى حياته
وأضاءها بالأدب الرفيع والتسامى عن الخبائث والفواحش
ما ظهر منها وما بطن.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا الإيمان الكامل
الذى يخلق فينا فضيلة الحياء،
إن ربى سميع الدعاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***********
من كتاب: (من هدى النبوة)
لقضيلة الشيخ/ محمد على سلامة
مدير أوقاف بورسعيد الأسبق
*******************
يتبع إن شاء الله