عادل محمد زايد
عدد المساهمات : 4107 تاريخ التسجيل : 30/01/2009 العمر : 38 الموقع : المشرف علي المنتدي
| موضوع: سيدى معروف الكرخى قطب الزمان الثلاثاء ديسمبر 08, 2009 11:38 pm | |
| سألوه: ما التصوف? فقال: الأخذ بالحقائق والقول بالدقائق واليأس مما في أيدي الخلائق
نلتقي في هذه الحلقة برجل كان آية في التقوى, وله كرامات وفيرة, ورياضات كثيرة, حظي بلطف عظيم وقرب تام, ووصل في مقام الأنس والشوق الى الغاية. كان السباق في الطريقة, والمقدم لدى الطوائف, وكان سيد المحبين في زمانه, وخلاصة عارفي عهده, هو معروف بن فيروز الكرخي. كان أبواه نصرانيين, فأرسلاه الى مؤدب, فقال له مؤدبه: قل: ثالث ثلاثة, فقال لا? "بل هو الله الواحد", فأمره بأن يقول "ثالث ثلاثة", وكان معروف في كل مرة يقول: واحد, يضربه معلمه لكن من دون جدوى. وفي ذات مرة ضربه ضربًا مبرحًا, فهرب معروف. وبحث أبواه كثيرًا عنه ولم يجداه لدرجة جعلتهما يقولان: "ليته كان يرجع الينا, وكنا نوافقه على أي دين يشاء". أسلم "معروف الكرخي" كما جاء في كتاب "تذكرة الأولياء" لفريد الدين العطار النيسابوري, على يد علي بن موسى الرضا, وبعد فترة رجع الى دار والده, وطرق الباب فقيل: من? قال: معروف, قيل: على أي دين أنت? قال: على دين محمد رسول الله, فأسلم أبوه في الحال. حينئذ التقى بداود الطائي, وارتاض كثيرًا, وأكثر من التعبد والمجاهدة, اتخذ من الصدق منهجًا حتى أصبح يشار اليه بالبنان, يقول محمد بن منصور الطوسي: كنت عند معروف في بغداد, فرأيت في وجهه أثرًا ل¯"شجة" (أي قطع), فقلت: كنت عندك بالأمس, ولم يكن هذا الأثر? فما سببه? فقال معروف: الشيء الذي لا شأن لك به لا تسأل عنه, وسل عن شيء يعنيك فقلت: قل بحق المعبود, فقال: كنت أصلي بالأمس, وأردت الذهاب الى مكة والطواف حولها, وذهبت الى زمزم لأشرب, فزلت قدمي, فارتطم وجهي وهذا هو الأثر. مراد الجميع من الحكمة ما روي عن معروف الكرخي أنه كان يسير ذات يوم مع جمع من الناس, وكانت جماعة من الشباب قادمين, يعيثون فسادًا, حتى وصلوا الى شاطئ دجلة, فقال له أصحابه: يا شيخ, أدع الله أن يغرقهم جميعاً, حتى ينقطع أذاهم عن الخلق, فقال معروف: ارفعوا أيديكم, ثم قال: الهي, أسألك أن تسعدهم في الآخرة كما أسعدتهم في الدنيا, فتعجب الأصحاب وقالوا: يا سيدنا, اننا لا نعرف سر هذا الدعاء, قال: يعلمه من أحدثه, فانتظروا وسيتضح سره الآن باذن الله, وعندما رأى الشباب الشيخ, حطموا الرباب, وسكبوا الخمر, وارتعدوا, وجثوا على يدي الشيخ وقدميه, وتابوا. قال الشيخ: أرأيتم أن مراد الجميع قد حدث دون غرق ودون أن يصاب شخص بأذى. وروي أن سري السقطي قال: رأيت معروفًا يوم عيد, كان يلتقط نوى التمر, فقلت: ما تفعل به? قال: رأيت هذا الطفل, وكان يبكي, فقلت: لماذا تبكي? فقال: انني يتيم ليس لدي أب ولا أم, ويملك الأطفال الآخرون ثيابًا, وأنا لا, ولديهم الجوز وأنا لا, ولهذا فانني التقط هذا النوى من أجله كي أبيعه, واشتري له جوزًا ليمضي ويلعب, فقال سري: كف عن هذا, ثم حملت الطفل, وأرديته ثيابًا, واشتريت له الجوز, وأدخلت السرور على قلبه, فرأيت نورًا في الحال أضاء قلبي, وتبدل حالي. روي أيضا أن طهارة معروف الكرخي نقضت ذات يوم, فتيمم في الحال, فقيل له: ها هو نهر دجلة فلماذا تتيمم? قال: ربما لا أعيش حتى أبلغه. وسئل يومًا: ما التصوف? فقال: الأخذ بالحقائق, والقول بالدقائق, واليأس مما في أيدي الخلائق. روي أنه كان صائمًا ذات يوم, وكان النهار قد انتصف, وكان يمضي في السوق وكان سقاء يقول: "رحم الله من شرب" فأخذ منه وشرب, فقيل له: ألم تكن صائمًا? فقال: بلى لكني رجوت دعاءه ولما توفي, رأوه في المنام, فقالوا: ما فعل الله بك? قال: أدخلني في دعاء السقاء, وغفر لي. خير العمل قال السري بن سفيان: كما جاء في كتاب "صلاة الصالحين وقصص العابدين" لأحمد مصطفي الطهطاوي, أن معروفاً الكرخي أقام الصلاة, ثم قال لمحمد بن توبة ¯ أحد أفاضل أصحابه ¯ تقدم فصل بنا, وذلك أن معروفًا كان لا يؤم انما يؤذن ويقيم, ويقدم غيره للامامة. فقال محمد بن توبة: ان صليت بكم هذه الصلاة لم أصل بكم صلاة أخرى, فقال معروف: وأنت تحدث نفسك أن تعيش حتى تصلي صلاة أخرى, نعوذ بالله من طول الأمل, فان طول الأمل يمنع خير العمل. وكان معروف الكرخي رضي الله عنه ذا عبادة وصلاة, وعرف بأنه مجاب الدعوة, فيحدث عنه خليل الصياد فيقول: غاب ابني الى الأنبار فوجَدت (حزنت) أمه عليه وجدًا (حزنًا) شديدًا, فأتيت معروفًا فقلت له: يا أبا محفوظ ابني قد غاب فوجَدت أمه وافتقدته, فقال معروف: وماذا تريد? قلت: تدعو الله أن يرده عليها, فقام فصلى, ثم قال: اللهم ان السماء سماؤك, والأرض أرضك, وما بينهما لك, فأت به, فأتيت باب الشام, فاذا ابني قائم منبهر. فقلت له: يا محمد يا ولدي كيف أتيت? فقال: يا أبت الساعة كنت بالأنبار. رفع النعش ورد في كتاب "تذكرة الأولياء", أنه عندما مات معروف الكرخي, حدث أن تنازع عليه كل معتنقي الأديان: من يهود ونصارى ومؤمنين لغاية لطفه وتواضعه, وقالت كل مجموعة: انه منا, فقال خادم انه قد قال: من يستطيع رفع نعشي من الأرض أكون من قومه, فلم يستطع النصارى ولا اليهود, فجاء أهل الاسلام, ورفعوه, وصلوا عليه ودفنوه هناك. قال محمد بن الحسين رحمه الله: رأيت معروفًا في المنام, فقلت له ما فعل الله بك? قال: غفر لي, فقلت: بزهدك وورعك, قال: لا, بقبولي عظة سمعتها من ابن السماك في الكوفة حيث قال: من أقبل على الله كلية, أقبل الله برحمته عليه, وأقبل جميع الخلق عليه, فوقع كلامه في قلبي فأقبلت على الله, وتركت جميع المشاغل الا خدمة علي بن موسى الرضا, وذكرت له هذا الكلام فقال: اذا قبلت الموعظة, فيكفيك هذا. | |
|