قيام أبي سليمان الداراني
جوهرة في عِقد التابعين ـ ودُرةٌ بين المؤمنين، وشامة في جبين المسلمين ـ الإمام الكبير والعابد الفقير أبو سليمان الداراني رحمه الله تعالى .
له كلام غاية في الرقة، وكان من أهل دَارَيَّا وإليها ينسب على غير قياس، وهي بلدة بالشام قريبة من دِمَشْق .
تعلم أبو سليمان العلم وأخذ وروى عن سفيان الثوري وجماعة من التابعين، ورأى وشاهد العلماء العاملين فتعلم الأدب مع الله تعالى كيف يكون ؟.
رحل أبو سليمان الداراني إلى الله تعالى، وحط رحاله بدار المحبين الخاضعين الخاشعين، وكان الليل علامة اللقاء .
يقول أبو سليمان : " لولا الليل لما أحببت البقاء في الدنيا "
ويقول له تلميذه أحمد بن أبي الحواري : " إن ابن داود قال : ليت الليل أطول مما هو " ، قال أبو سليمان الداراني : " قد أحسن وقد أساء ، قد أحسن حين تمنى طول الليل للطاعة ، وقد أساء حين تمنى طول ما قصره الله ، إنه إن مضت عنا هذه فله في التي تأتي العوض ".
وهذا هو دليل التسليم والرضا بقضاء الله تعالى، فالمؤمن لا يرى لنفسه اختياراً بل اختياره هو اختيار سيده ومولاه ـ وكم لليل من نفحات و كرامات، إنها معارف شتى تتنزل على العابدين ، كل بحسب قربه ومنزلته من ربه سبحانه وتعالى، والمحب لا يُشغل بغير محبوبه :
وشُغِلْتُ عن فهم الحديث سوى ما كان عنـك فإنه شُغْــلى
وأُديمُ لحـظ مُحدِّثي ليَــرىَ أنْ قد قد عَقِلتُ وعندكم عَقْلى
يقول ابن أبي الحوارى سائلاً أبا سليمان : " تبيت عندنا ؟ " ، فيقول رحمه الله : " تشغلوني بالنهار وتريدون أن تشغلوني بالليل ".
ومن لطيف أقواله : " الفتوة أن لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك، فهذه هي الرجولة في الإسلام وتعريفها في القرآن قوله تعالى : { رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزّسيدنا محمد صلى الله علية وسلماةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ }[النور:37] ، وقوله تعالى : { مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً }[الأحزاب].
في زمان كثر فيه المخنثون .... وقل فيه الرجال الصالحون
في زمان ظهر فيه الماجنون ..... واختفى الصادقون المخلصون
في زمان ضاعت فيه الأوطان ..... وصار الناس في سجن بلا سجان
حينما نسينا تلاوة القرآن ، وهجرنا سنة العدنان ....
حين ضاع تاريخ الشجعان، وسمينا زمن الرهبان ...
تخلفاً ... جهلاً وعميان ، وهم سادة الأزمان على مر الأزمان
متى تعود أمتنا وترجع عن ثقليد الشيطان .....
وتسلك درب الكرامة والعزة في رضا الرحمن ...
إني أذوب حنيناً كي أرى راية الفرقان عالية خفاقة فوق الأركان
رحم الله سلفنا، ورحم الله أبا سليمان الداراني .... الذي قال:
الفتوة أن لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك.