الصالحون وقيام الليل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
كان سلفنا الصالح يحرصون على قيام الليل، وإحياء ساعاته بالصلاة والاستغفار، ويتلذذون بقيامهم في ساعاته، ويمرغون جباههم بين يدي الله تعالى، حيث إنه وقت إجابة الدعاء، وأفضل الصلاة بعد الفريضة هي صلاة الليل.
ولقد تعددت أقولهم في وصف ساعاته، وما يجدون في أنفسهم من السعادة واللذة والراحة، حتى قيل لبعضهم كيف أنت والليل ؟ قال: ما راعيته قط، يريني وجهه ثم ينصرف وما تأملته بعد.
وقال علي بن بكار رحمه الله: منذ أربعين سنة ما أحزنني شيء سوى طلوع الفجر.
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: إذا غربت الشمس فرحت بالظلام لخلوتي بربي، وإذا طلعت حزنت لدخول الناس عليّ.
وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا.
وقال بعضهم: ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل التملق( التضرع ) في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة.
وقال غيره: لذة المناجاة ليست من الدنيا إنما هي من الجنة، أظهرها الله تعالى لأوليائه لا يجدها سواهم.
وقال ابن النكدر رحمه الله: ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث: قيام الليل ولقاء الإخوان في الله، والصلاة في الجماعة.
وقيل لبعضهم: كيف الليل عليك ؟ فقال: ساعة أنا فيها بين حالتين: أفرح بظلمته إذا جاء، وأغتم بفجره إذا طلع ما تمّ فرحي به قط.
فالله الله أخي الكريم في ساعته، وفي جنة الله في أرضه، لا تشغلنا الدنيا بأعمالها، ففي الليل زاد الداعية: (( إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً )) (المزمل:6 ).
إذ كيف يسير الداعية في هذه الدنيا المليئة بالفتن بلا زاد ؟
جعلني الله تعالى وإياك ممن يقرأ القول فيعمل به، وثبتنا حتى نلقاه وهو عنا راض.