[size=21]أحمد بن حنبل… إمام الدين والدولة
حين مات وحملوا نعشه كانت الطيور ترفرف
فوقه فأسلم عشرات الآلاف
نتحدث اليوم عن أحد أعلام الاسلام, وقلم النقاد, وعلم الزهاد. كان شيخ السنة والجماعة, وامام الدين والدولة, وليس لشخص مكانته في علم الأحاديث, وله في الورع والتقوى والرياضة والكرامة شأن عظيم, كان صاحب فراسة, مستجاب الدعوة, انه الامام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه, الذي قال عنه على بن المديني شيخ البخارى: ان الله أعز هذا الدين بأبي بكر الصديق يوم الردة, وبأحمد بن حنبل يوم المحنة وفتنة خلق القرآن.
أخبرنا ابنه عبد الله عن صلاته فقال: "كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاثمئة ركعة, فلما مرض من تلك الأسواط التي ضُرب بها في فتنة خلق القرآن وأضعفته, كان يصلي كل يوم وليلة مئة وخمسين ركعة, وقد اقترب من الثمانين.
وكان يقرأ في كل يوم سُبعًا من القرآن يختم في سبعة أيام, وكانت له ختمة في كل سبع ليالٍ يقرأ فيها القرآن في صلاته سوى صلاة النهار, وكان ساعة أن يصلي العشاء ينام نومة خفيفة ثم يقوم يصلي حتى يؤذن لصلاة الفجر, ثم يأخذ في الدعاء, وكان كثيرًا ما يقول في دبر الصلاة: "اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصنه عن المسألة لغيرك, اللهم من كان على هوي أو على رأي وهو يظن أنه على الحق وليس هو الحق فرده الى الحق حتى لا يضل من هذه الأمة أحد. اللهم لا تشغل قلوبنا بما تكفلت لنا به ولا تمنعنا خير ما عندك بشر ما عندنا, ولا ترانا حيث نهيتنا, ولا تفقدنا من حيث أمرتنا, أعزنا بطاعتك ولا تذلنا بمعصيتك".
نشأة طيبة
عرف الامام الجليل طريق العبادة منذ نعومة أظفاره, كما جاء في كتاب (صلاة الصالحين وقصص العابدين), فكان وهو غلام لا يدع صلاة الليل ولا القيام, فكان كما جاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله: "وشاب نشأ في طاعة الله".
تعجب الامام أحمد من الذين يطلبون العلم وليس لهم من قيام الليل نصيب, فعن أبي عصمة البيهقي قال: بت ليلة عند أحمد بن حنبل فجاء بالماء فوضعه عندى, فلما أصبح نظر في الماء, فاذا هو كما كان على حاله لم يُتوضأ منه. فقال الامام أحمد: "سبحان الله رجل يطلب العلم ولا يكون له ورد بالليل?!".
روى عنه أنه عندما غلب المعتزلة في بغداد, قالوا: يجب أن يُكلف بأن يقول أن القرآن مخلوق ومن ثم حملوه على قصر الخليفة, وكان هناك حارس باب القصر, قال: أيها الامام احذر حتى تكون رجلا لأني سرقت ذات مرة, فضربت ألف مقرعة, ولم أقر حتى تحررت في النهاية, وهكذا صبرت وأنا على باطل, والأولى أن تصبر وأنت على الحق.
قال الامام أحمد: كان قوله ذلك عونا لي, ثم حملوه, وكان شيخًا ضعيفًا, وشدوه على عقابين, وضربوه ألف سوط وهم يقولون: قل ان القرآن مخلوق! فلم يقل. وفي أثناء ذلك حل رباط ازاره, وكانت يداه مغلولتين, فظهرت يدان من الغيب, وعقدتا الازار, فلما رأوا هذا البرهان, حرروه, ومات في تلك الأثناء. وفي أواخر عهده جاء اليه قوم وقالوا له: ما تقول في هؤلاء القوم الذين عذبوك? قال: انهم كانوا يضربونني من أجل الله, ظانين أنني على باطل, فلن أختصمهم يوم القيامة لمجرد جرح سوط.
وفي كتاب "تذكرة الأولياء" لفريد الدين العطار النيسابورى, روى أن شابًا كانت له أم مريضة, ومر عليها زمن, فقالت له يومًا: يا بني, ان أردت رضائي, اذهب الى الامام أحمد, وقل له أن يدعو لي, لعل الحق (تعالى) يهبني الصحة, فقد أنهكني المرض, فدخل الشاب دار الامام أحمد, ونادى, فقيل: من? قال: صاحب حاجة, وقص الحال قائلا: لي أم مريضة, وتطلب منك الدعاء, فكره الامام ذلك كرهًا عظيمًا ثم نهض, واغتسل, وانشغل بالصلاة, قال خادم الامام: عد أيها الشاب, فالامام مشغول بأمرك, فعاد الشاب, ولما وصل الى الدار نهضت أمه, وفتحت الباب وصحت كل الصحة بأمر الله تعالى.
ورع
وجاء في بعض الروايات أن الامام أحمد كان يقيم في بغداد, لكنه لم يكن يأكل خبزًا في بغداد قط, وكان يقول: قد أوقف أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه هذه الأرض على الغزاة, وكان يرسل الذهب للموصل, حتى يجلبوا له به الدقيق, وكان يأكل منه الخبز.
وذات مرة, كان الامام أحمد قد رهن سطلا , وعندما أراد استرداده, أحضر له البقال "سطلين" وقال: خذ "سطلك", انني لا أعرف أيهما "سطلك"? فترك الامام أحمد "السطل" له ومضى.
رغب الامام أحمد في رؤية عبد الله بن المبارك مدة طويلة, حتى قدم عبد الله اليه فقال ابن أحمد: يا أبت, ان عبد الله بن المبارك على باب الدار, وقد جاء لرؤيتك, فلم يأذن له الامام أحمد, فقال ابنه: ما الحكمة في هذا? كنت تحترق أعواما شوقًا اليه, الآن وقد جاءت السعادة الى دارك, لا تأذن لها, فقال الامام أحمد: هكذا كما قلت, لكني أخشى ان رأيته, اعتاد لطفه, وبعد ذلك لا أطيق فراقه, وأمضي العمر متلهفًا اليه حتى أراه هناك حيث لا يتعقبنا الفراق.
وقال: رجوت الله تعالى أن يفتح علي بابا من الخوف, حتى وصل خوفي الى حد أن زال العقل عني, فدعوت وقلت: يا إلهي, بأي شيء يكون التقرب أفضل? قال: بكلامي, القرآن.
عندما توفي الامام أحمد بن حنبل, وحملوا نعشه, كانت الطيور تأتى, وترفرف على نعشه, حتى أسلم عشرات الآلاف من مجوسي ويهودي وراهب. وكانوا يصيحون ويقولون لا اله الا الله وكان سبب ذلك أن الحق تعالى ألقى بالبكاء على أربعة أقوام: في اليوم الأول: على "الزردشتيين" وفي اليوم الثانى: على اليهود, والثالث: على المسيحيين (الرهبان) والرابع: على المسلمين.
سألوا شيخًا: أكانت كراماته أكثر في الحياة أم الممات? فقال: كان له دعاءان مستجابان, الأول: أنه كان يقول, يا الهى, هب ايمانا لمن لا يؤمن, ولا تسترده ممن آمن, فأجيب دعاء من هذين الدعائين في الحال, فلم يرتد كل من كان قد آمن, والآخر أجيب عند الوفاة فرزقهم الاسلام.
[/size]