بشر الحارث الحافى؛ لقب بذلك لأنه جاء إلى إسكاف يطلب منه شسعاً لأحد نعليه، وكان قد انقطع، فقال له الإسكاف: " وما أكثر كلفتكم على الناس! " فألقى النعل من يده والأخرى من رجله، وحلف لا يلبس نعلا بعدها.
أصله من مرو، سكن بغداد. صحب الفضيل بن عياض ورأى سريا السقطي، وغيره.
وسبب توبته أنه أصاب فى الطريق رقعة فيها اسم الله، وقد وطئتها الأقدام، فأخذها واشترى بدرهم كان معه غالية، فطيبها وجعلها في شق حائط، فرأى في المنام كأن قائلا يقول: " يا بشر! طيبت أسمى، لأطيبن اسمك في الدنيا والآخرة! " وروى أنه إلى النهر فغسله، وكان لا يملك إلا درهما، فاشترى به مسكا وماء ورد، وجعل يتتبع اسم الله ويطيبه، ورجع إلى منزله فنام؛ فأتاه آت وقال: " يا بشر! كما طيبت أسمى لأطيبن ذكرك! وكما طهرته لأطهرن قلبك! " .
ومن كلامه: " لا تكون كاملا حتى يأمنك عدوك، وكيف يكون فيك خير وأنت لا يأمنك صديقك؟! " .
وقال: أول عقوبة يعاقب بها ابن آدم في الدنيا مفرقة الأحباب " .
وقال: " من أراد أن يكون عزيزاً فى الدنيا سليما في الآخرة فلا يحدث، ولا يشهد، ولا يؤم قوماً، ولا يأكل لأحد طعاماً " .
وأنشد:
وليس من يزوق لي دينه ... يغرني، يا قوم!، تزويقه
من حقق الإيمان في قلبه ... يوشك أن يظهر تحقيقه
وقال الساجى: سمعت بشراً ينشد:
أقسم بالله! لرضخ النوى ... وشرب ماء القلب المالحة
أعز للإنسان من حرصه ... ومن سؤال الأوجه الكالحه
فاستغن باليأس تكن ذا غنى ... مغتبطاً بالصفقة الرابحه
فاليأس عز والتقى سؤدد ... ورغبة النفس لها فاضحه
من كانت الدنيا به برة ... فإنها يوماً له ذابحه
وقال: " غنيمة المؤممن غفلة الناس عنه، وإخفاء مكانه عنهم " .
وقال: " التكبر على المتكبر من التواضع " .
وقال: " من أراد عز الدنيا وشرف الآخرة فعليه بثلاث: لا يأكل طعام أحد، ولا يسأل أحداً حاجة، ولا يذكر إلا بخير " .
وقال: " يكون الرجل مرائياً في حياته، وبعد موته يحب أن يكثر الناس على جنازته! " .
وقال: " لو علمت أن أحداً يعطى لله لأخذت منه، ولكن يعطى بالليل ويحدث بالنهار " .
وقال: " يقول أحدهم: توكلت على الله! ويكذب، لأنه لو توكل على الله صادقاً لرضى بما يفعله به " .
و قال: " إذا أراد الله أن يتحف العبد سلط عليه من يؤذيه " .
و قال: " الصبر الجميل الذي لا شكوى فيه للناس " .
وقيل له: باى شئ آكل الخبز؟ " فقال: " اذكر العافية، واجعلها إداماً! "
ولقيه سكران، فجعل يقبله ويقول: " يا سيدي! " ولا يدفعه بشر عن نفسه، فلما ولى تغرغرت عينا بشر، وجعل يقول: " رجل أحب رجلا على خير توهمه! لعل المحب قد نجا، والمحبوب لا يدرى ما حاله! " .
وقال بعضهم: " دخلت على بشر في يوم شديد البرد، وقد تعرى من ثيابه وهو ينتفض، فقلت له: " الناس يزيدون من الثياب فى مثل هذا اليوم، وأنت قد نقصت؟! " فقال: " ذكرت الفقراء، وما هم فيه، ولم يكن لي ما أواسيهم به، فأردت أن أواسيهم بنفسي في مقاساة البرد " .