بسم الله الرحمن الرحيم
تابع
درس { الإجازة }
لسيدي الفقير إلى الله تعالى
سيدي الباسل رضي الله تعالى عنه و أرضاه
شيخ ومؤسس الطريقة النورانية المحمدية الربانية الإلهية
ببيت المقدس ـ أرضالإسراء والمعراج
فبما أن علم التصوف علم رباني محمدي فإجازته يجب أن تكون ربانية محمدية، فالذي يكون مجازاً من الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وأهل الله عز وجل بحق يجيز بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبأهل الله عز وجل، وكل أهل الله عز وجل يقبلون عندئذ إجازته وما يجيزه. ولكننا في هذا الزمان نجد هناك الكثير الكثير ممن لا يملكون من العلم الظاهر أو الباطن شيئاً ولا من التصوف والشرع شيئاً، ولكنك تجد معه ورقة تثبت أنه مجاز!!! بالله عليكم بمَ هو مجاز وقد فقد ما فقد، ولا تجد عليه أي علامة أو صفة قرب من الله سبحانه وتعالى، هل مثل هذا يـُتــَّـبَع؟ ويجب أن يكون له مريدين؟ ويؤخذ منه؟ إن كان لا يستطيع إصلاح نفسه وتربيتها كيف سيصلح ويربي غيره؟ فالبعيد لا يزيد إلا بعداً والقريب لا يزيد إلا قرباً هذا هو الحق. فالله عز وجل يقول { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } فصلت/٤٦، فالإجازة هي أن تنظف مكان نظرة الله سبحانه وتعالى منك وفيك لكي تكون أنت موضع تلك النظرة الإلهية الكبرى، وكلما كان ذلك الموضع (وهو قلبك) طاهراً ونقياً وصالحاً لتلك النظرة كلما عظــُمَت النظرة وعظــُم بها قلبك وقالبك وحالك ومقامك.
فقول النبي صلى الله عليه وعلى آله و صحبه وسلم لسيدنا معاذ رضي الله تعالى عنه عندما أراد أن يبعثه لليمن فقال له: (بم تحكم ؟ قال: بكتاب الله، قال : فإن لم تجد ؟ قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإن لم تجد ؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو . قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله) فهذه إجازة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لسيدنا معاذ رضي الله تعالى عنه.
وقول النبي لسيدنا حارثة رضي الله تعالى عنه عندما قال له: (جاء حارثة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كيف أصبحت يا حارثة قال أصبحت يا رسول الله مؤمنا حقا قال يا حارثة إن لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك قال عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلى ربي عز وجل على عرشه بارزا وكأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يتنعمون وأهل النار في النار يعذبون. اسمع ما قال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهي بمثابة إجازة له بالإيمان وشهادة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم له،،، فقال له يا حارثة عرفت فالزم ثم قال من أحب أن ينظر إلى عبد قد نور الإيمان في قلبه فلينظر إلى حارثة ).
لا تحسبنّ بأن ورقة تثبتك قرباً ووصلاً بالنبي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فأهل مقام السر ليسوا بورقة نالوا الكمال وسر أحوال الصفى، فأوراق أهل الأرض لا يمكن لها أن تجعل نيران نفسك تنطفى، فهذه أمانة ثقيلة وعظيمة لا يجب أن يتقرب منها إلا من هو على قدرها، حتى أن الصادقين كانوا يتهربون من ثقلها لعلمهم بحالها وبما هي عليه، فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: { إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا }الأحزاب/٧٢. فهذه أمانة سيحاسَب الإنسان عليها إن لم يكن على قدرها أو أخذها بغير حقها أو ادعاها ادعاء بالكذب وبالباطل. فإن من معاداة أهل الله تعالى أن يدّعي إنسان أنه منهم وأنه على طريقهم وهو ليس منهم وليس على طريقهم. فطرق أهل الله تعالى مبنية على الصدق والمدد فمن كان ليس في قلبه صدق وليس له من الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأهل الله عز وجل مدد فأي إجازة معه؟ وأي طريق هو سالك؟ فوراثة الأكابر معروفة فقط للأكابر فلا يرث إلا من أراده الله سبحانه وتعالى أن يكون وارثاً لكي يورِّث غيره وهكذا، والله عز وجل يقول { تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا } مريم/٦٣، فالوراثة دائماً في كل زمان ومكان لأهلها ومستحقيها، فكما قلنا ونقول دائما شبيه الشيء منجذب إليه. فإجازة الكمال تكون من أهل الكمال في حضور أهل الكمال بإشارة من أهل الكمال لمن ترقى لمقامات الكمال.
فالمجاز هو الذي عن الصراط جاز وبمقام العلو فاز فالمجاز هو من جازه أهل السماء وأهل الأرض فهو منظور من أهل السماء وأهل الأرض. فاعلم أنه قبل أن يتم لك وهب الأسرار لا بد وأن توهب قبلها الأنوار لكي تتحمل الأسرار. فالسر ملك عرشه الأنوار والأحوال والواردات يطوفون حوله، فالعلم الرباني علم أذواق، فالإنسان بما فيه وبما هو عند ربه ووزنه عند الله تعالى وعند رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والمصيبة أنهم بذلك يحسبون أنهم يحسنون صنعا ولكن الله عز وجل يقول: { فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا } الكهف/١٠٥، لأنهم ادعوا بالكذب والباطل أن لهم وزنا وكأن الإجازة الورقية التي غرروا الناس بها أثبتت لهم وزنا عند الناس. والأمر الذي لا يجب أن يغيب عن الكل أن من أسباب الوضع الذي وصل إليه علم وحال التصوف إلى ما وصل إليه هو أنه تولت وتصدرت للتربية والتسليك والتزكية من هم ليسوا من أهلها فغابت الأحوال الصادقة مع الله سبحانه وتعالى ومع رسوله الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، غابت الواردات الربانية والإشارات الإلهية لقلة من هم على قدر تلك الإشارات فغابت النظرة الولائية التي كانت تـُـرى على السابقين بهذا العلم الشريف، فوالله إن الذي يقرأ للسادة الأكابر أمثال الأقطاب ومن هم مثلهم ليجد النشوة العظيمة تنعش صدره وتملأ قلبه محبة وفخرا أنه يقرأ لهم ويشرفه أن يكون خادمهم طول العمر والزمان أمثال هؤلاء هم المجازون والذين يحق لهم أن يجيزوا، فلو بقي الأمر على ما كان من أمثال هؤلاء لما وصل أمر التصوف إلى ما وصل إليه الآن، فالولد سر أبيه ومن الثمرة تـُـعرف الشجرة ومن الصنعة يُعرف الصانع. ولا نريد أن يـُفهم من كلامنا هذا أننا ننتقص من قدر الإجازة التي تكون على الحق مبنية بل بالعكس نريد أن يذهب المدعون لها لكي لا تبقى إلا الإجازات الصادقة التي يرقى هذا العلم ويرقى أهله بها إلا ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى الذي قال عنه سيدنا الجنيد رضي الله تعالى عنه لو أعلم أن تحت أديم السماء علم أشرف منه لطلبته وهذا دليل على أنه أعلى العلوم وأزكاها وأرقاها وأنقاها. فإن مقام الإحسان إجازته هو أن تكون محسنا، وعلى هذا فانظر كيف يجب أن يكون عليه الأمر فلا ينادي على الحضرات ولا يدخل إليها إلا أهلها والجالسين على بساطها والعارفين بها.
أحبة النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم هل حالنا في هذا الزمان حال أهل التصوف كحال السابقين من ساداتنا الأكابر؟ طبعا الجواب (لا) ولكن السؤال يبقى ما السبب الذي جعل حالنا ليس كحالهم؟ أيكون السبب أنه تصدر لهذا العلم من هم ليسوا من أهله فضلوا وأضلوا بحكم تلك الإجازة التي معهم أم أن هناك سببا وأسبابا أخرى أم قد يكون كل هؤلاء أدوا إلى الأمر الذي عليه الآن علم التصوف وأهله . فإنك تجد هناك من يحمل أكثر من إجازة على انه يستطيع التربية والتسليك لأكثر من طريقة ومنهم من معه إجازات تدل على أنه خليفة على الطرق السبعة الأساسية، والسؤال الذي يطرح نفسه هل فعلا ملكها كلها وأنه أستطاع أن يرقى إلى أنوارها وأسرارها وأحوالها ومقاماتها وهل فهم عباراتها وإشاراتها وعلومها وهل مدده موصول بالطرق التي هو مجاز بها كلها وصلا حتى يصل إلى أسيادها؟ فإن كان نعم فهو من أسياد زمانه وإن كان لا فلمَ رضي أن يحمل كل تلك الإجازات ويوهم الخلق بها أنه على شيء وهو ليس على شيء. لا أريد أن أطيل في هذا الموضوع ولكن أردت أن يتفهم المرء حقيقة الأمور التي يجب أن تكون عليها وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت هو رب العرش العظيم.
اللهم رد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا والطف بنا في أمورنا كلها وعاملنا بما أنت أهله ولا تعاملنا بما نحن أهله إنك أهل التقوى وأهل المغفرة.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون
وسلام على المرسلين
والحمدلله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا