السعداء هُم مَن سعد بالصيامفأسعده الصيام وآنسَه وزكّاه وهداه ، كان صيامهم عوناً لهم على طاعة الله تعالى ،فأكسبهم تقواه ومحبته وولايته ، حفِظوا الله تعالى في صومهم ، فحفظهم الله سبحانه ـ ورعاهم. كان صيامهم محض سعادتهم ونورهم وهدايتهم ،شرفوا به غاية الشرف وبلغوا به سماء العز والمجد ، إذ إن طاعة الله عزّ للعبدوكرامة ، ومعصيته ذلُّ له ومهانة ، طَفحَ السرور عليهم بمقدم رمضان ، والسعادة تغمرمحيّاهم وكلامهم وفعالهم . السعداء عرفوا قدر الصوم فجعلوهخصباً بفعل الصالحات ، ريّانَ بقراءة القرآن والصدقات ، أدرك السُّعَداء أن الصومعبودية للواحد القهار ، فيها الطاعة والامتثال والضراعة والابتهال والصبر ومحاسنالخلال . السعداء إذا أردكَهم رمضان ازدادوا هِمّةً ونشاطاً وقوةً وفلاحاًونوراً وصلاحاً ، عرفوا أن صيامهم إمّا لهم وإمّا عليهم ، فساسوه بميزان التقوى ،وصانوه من براثن الهوى ، وثبّتوه بأنوار الحق والهدى. السُّعَداء في رمضان صائمون ذاكرون ، قائمون قانتون ، داعون ومجاهدونوعلى ربهم يتوكلون ، رمضان عندهم عيد وسرور ، وجنّة وحبور ، وذكر ونور ، يودّون لوطالت أيامه وبعدت لياليه ، واستدامت نعمته وفرحته وبهجته . رمضان عندهم ذكرٌوصلاة وتلاوة ومناجاة ، وجهاد ومواساة، تذكّروا نِعَم الله عليهم وما أتم به وأكرم، فسعوا في نفع غيرهم بالدعوة والطعام والشراب والكساء . ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾محمد17 إذا انصرَمَت أيام رمضان بكي السعداءوتأسَفوا لفقدان حبيبهم وروحهم وراحتهم
﴿ مَنْ عَمِلَصَالِحاً مِّن ذسيدنا محمد صلى الله علية وسلمرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةًطَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾النحل97 أما الأشقياء فهم من شقي بالصيام ،وأشقاه الصيام وأضناه وأتعبَه ، كان الصيام عليهم إصراً وبلاءً ومشقةً وضنكاً ، إنصاموا فليس لهم من صيامهم إلا الجوع والعطش ، لا يذوقون فيه إلا الهم والضيقوالمرارة والحرمان . كان صيامهم عليهم عمىً وردَىَلا يجاوز حالهم ولا يغير صفاتهم وأحوالهم ، إذ إنهم إن صاموا صاموا على كرهٍ ومضَضٍوضيق ونكد ، تعقبهم كآبة في المنظر وسوء في المنقلب ، نهارهم قد ثقل بالنوم والكسل، وليلهم أظلم وهالك باللعب واللهو والسفَه ، ومن الأشياء مَن لا يصوم بتاتاًفهؤلاء قد خسرواخُسراناً مبيناً ، وقد ضلّوا ضلالاً بعيداً .
﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الخُرُوجَ لأَعَدُّوالَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَاقْعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ ﴾ التوبة46 الأشقياء لا يراعون جلالة الشهر وهيبته ، فتراهم سرعى هملاً وراءحسرتهم وندامتهم ، يطلبون غيّهم وفسقهم وخناهم . ألم يعلموا بأن الله يرى ،مُحيط بهم لا تخفى عليه خافية ، وسيأتي بهم عبداً عبداً إذ أحصاهم وعّدهُم عداً ،وكلُّهم آتية يوم القيامة فرداً . سبحان الله ! ألم يأتهم أنباء رمضان وبيّناته؟! ألم يكن لهم آيةً أنوار رمضان ودلائله ؟! ألم يروا فرحة الأمّةواغتباطها بهذا الشهر؟! عجباً !! . ﴿كَلاَّ بَلْرَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾المطففين 14 كنا في حقبةٍ من الدّهر ، نشكو فئاماً لا يعرفوناللهَ إلا في رمضان ، فما بال جموعٍ غفيرة من الناس شقيت في رمضان وغيره، ما حقّمَن لم يكن له من الصيام إلا اسمه ؟! لم يذُق نوره وحلاوته وروحانيّته . عياذاًبالله من ذلك .
يا أيها الإخوان :
اسلُكوا درب السعداء في رمضان هم مَن عرفقدر رمضان ، فصامَه صوم المتقين العابدين القانتين ، صاموه بنفوس صادقة وقلوب خاشعةوألْسنة ذاكرة ، ليست بهاذية ولا لاغية ، كان صومهم ثُمال قلوبهم وحياة نفوسهموجلاء أحزانهم وغمومهم .
يا أيها الصائمون :
تجنّبوا طريق الأشقياء في رمضان ، الذيننسوا الله تعالى فأنساهم ذكره ، الذين كان صومهم عليهم ندامة وحسرة ، نعوذ بالله منحالهم ومآلهم . قومٌ جاءوا في رمضان بالخاطئة ، وكانت أيامهم من ذكر الله خالية، شرِقوا بالصيام فأورثهم البؤس والحرمان ، وأنزلَهم منازل الخيبة والخُسران ،يحسبون طول بقائهم عزاٍّ لهم ، وغِناهم سروراً لهم ، وأموالهم تمكيناً لهم ، كلاّوالله !! بل كل ذلك استدراج وبلاء ونكبة وغصّة ولأواء ، ولكن متى يعلمون ؟
قال تعالى : ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَنُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ﴾ [المؤمنون55
قال ابن كثير رحمه الله : يعني أيظنّ هؤلاء المغرورون ، أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد ،لكرامتهم علينا ومعزّتهم عندنا ، كلا ليس الأمر كذلك كما يزعمون في قولهم﴿ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُبِمُعَذَّبِينَ ﴾ سبأ35،لقد أخطأوا في ذلك وخابرجاؤهم ، بل إنما نفعل بهم ذلك استدراجاً وإنظاراً وإملاءً ، ولهذا قال : ﴿ بَل لا يَشْعُرُونَ ﴾كما قالتعالى : ﴿ فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الحَيَاةِالدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ التوبة 55 ، وقال تعالى : ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً ﴾آل عمران 178وقال تعالى : ﴿ فَذَرْنِي وَمَنيُكَذِّبُ بِهَذَا الحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾القلم 44
أيها الإخوة :
ألم يأن لهؤلاءأن يعودوا إلى ربّهم ويُنيبوا إليه ، وينقادوا لِحُكمه ويخشعوا لذكره وآياته . في يوم القيامة يفرح السعداء الأخيار ، ويحزن الأشقياء الأشرار ، يُبَوَّاُالصالحون منازل ذهباً ، وينقلبُ الذين ظلموا منقلَباً صعباً أرداهم الهوى وغرّهمطول الأمل ، إذ تنكّروا للنُّذُر وأعرضوا عن هدايات البشر. ﴿ أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَوَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ﴾ فاطر 37 أُنذِروا بالسّقم فلم ينزجروا ، ووُعِظوا بالشَّيبفلم يتّعظوا وابتُلوا بالكروب فما أقلعُوا وأنابوا ، والله المستعان ! .