عدد المساهمات : 4107 تاريخ التسجيل : 30/01/2009 العمر : 38 الموقع : المشرف علي المنتدي
موضوع: التعب القليل بالمجاهدة يصل إلى خير كثير السبت أغسطس 01, 2009 1:30 pm
التعب القليل بالمجاهدة يصل إلى خير كثير
اتباع الحق والقيام بالعدل وملازمة المنهج المستقيم وذلك خطب جسيم لا يتصدى لإحصائه إلا إنسان استضاء قلبه بالأنوار القدسية ، وتخلص من الخواطر البشرية والظلمات الأنسية الطبيعية وأيده الله بتأييد من عنده ، والخواطر كما مرَّ معنا هي أربعة أشياء لا خامس لها ، وكما قاله العارف السهروردي :
ضعف اليقين أو قلة العلم بمعرفة صفات النفس وأخلاقها أو متابعة الهوى بخرم قواعد التقوى أو محبة الدنيا ومالها وجاهها وطلب المنزلة والرفعة عند الناس فمن عصم من هذه الأربعة فرق بين لمة الملك ولمة الشيطان ومن ابتلى بها لم يفرق ، وانكشاف بعض الخواطر دون بعض لوجود هذه الأربعة دون بعض ، والكافر سرحها في الشهوات فهي له كالجنة . والسجن والخروج من هؤلاء الأربع يتعاقبان على قلب المؤمن على توالي الساعات ومرور الأوقات لأن النفس كلما ظهرت صفاتها أظلم الوقت على القلب حتى ضاق وانكمد ، وهل السجن إلا تضييق وحجر من الخروج؟ . فالعلم هو فريضة لمعرفة آفات النفس وما يفسد العمل قبل طلب علم الإخلاص ، لأن الإخلاص مأمور به كما أن العمل مأمور به ، وخدع النفس وغرورها وشهواتها يخرب مباني الإخلاص ، فطلب العلم لمعرفة الخواطر وتفصيل عللها منشأ الفعل ، وذلك ليفرق بين لمة الملك ولمة الشيطان.
فإذ عَلِمَ وعَمِلَ الطالب لحصول الكمال والتكميل صفت مصادر العلم وموارده من الهوى أمدّته كلمات اللّه التي تنفذ البحار دون نفاذها ويبقى العلم على كمال قوته لا يضعفه تردده في تجاويف الأفكار وبقوته يتلقى الفهوم المستقيمة . وهذه رتبة الراسخين في العلم المتَّسمين بصورة العمل وهم ورَّاث الأنبياء ، كبر عملهم على العلم وعلمهم على العمل ، وبرضى الرب على العبد بالعلم والعمل يحصل لانشراح القلب وانفساحه وانشراح القلب من نور اليقين فإذا تمكن النور من الباطن اتسع الصدر وانفتحت عين البصيرة وعاين حسن تدبير اللّه فينزع التسخط والتضجر لأن انشراح الصدر يتضمن حلاوة الحب ، وفعل المحبوب بموقع الرضا عند المحب الصادق ، لأن المحب يرى أن الفعل من المحبوب مراده واختياره ، فيفنى ويسلو عن نفسه بالإخبات والتواضع والخشوع والمسكنة حتى يبلّغه المولى الودود الغفور حقيقة الإيمان حتى ينظر إلى الناس كالأباعر في جنب الله تعالى ، ثم يرجعه الله إلى نفسه فيجدها أحقر من كلب عقور، فينزل الحب كقطرات الندى من عند الرب الودود ذو العرش المجيد على القلب ليداوي لسعات النفس ، فلا طبيب لها ولا راقي ولا صديق ولا رفيق للقلوب إلا الله !!!
فإن جاء طبيب للتداوي فقل له : يا طبيب طبب نفسك !! فربي وربك هو المداوي الحقيقي بالدواء الشافي من الداء هو الطبيب الشافي المعافي الذي قد شغفها حباً به ، فعنده رقيتي وترياقي .
وأحْسَنَ يحيى بن حبش السهروردي ما قال بصفة هؤلاء المحبين :
يا صاحِ ليس على المُحِبِّ ملامـةٌ * إِن لاحَ في أفقِ الوصالِ صبـاحُ لا ذنبَ للعشاقِ إِن غـلبَ الهـوى * كـتمـانَـهم فنما الغرامُ فباحـوا لا يَطْربون لغيـرِ ذكرِ حبيبهــم * أبـداً فـكـُلُّ زمانِـهـم أفـراحُ *
هذا أصل عظيم في وجوب التسليم في هؤلاء المحبين ، وإن لم تظهر حكمته للعقول !!! ولكن يكفي للمحروم قوله تعالى : # فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ # المائدة : 54 . فالعالم طبيب الدين والدنيا داء الدين فإذا جرَّ الطبيب الداء إلى نفسه فكيف يداوي غيره ؟ ؟ فهم من العلماء باللّه بمنزلة الطبيب من العالم بعلم الطبيعة والطبيب لا يعرف الطبيعة إلا بما هي مدبرة للبدن والعالم بالطبيعة يعرفها مطلقاً وإن لم يكن طبيباً وقد يجمع الشيخ بينهما لكن حظ الشيخ من العلم أن يعرف من الناس موارد حركاتهم ومصادرها والعلم بالخواطر مذمومها ومحبوبها وموضع اللبس الداخل فيها من ظهور خاطر مذموم في صورة محمودة ، فهؤلاء همُ العلماء ورَّاث الأنبياء وليس غيرهم فافهم . قيل لأبي بكر الصديق أن يدعى لك الطبيب. قال الطبيب أمرضني ). وإليه أشار الجليل بقوله: {وَإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يُشْفِين}ِ الشعراء :[80] ، فصاحب العلة أخبر من الطبيب . فهذه الدنيا دار مرض ، إذ ليس في بطن الأرض إلا ميت ، ولا على ظهرها إلا سقيم ، ومرض القلوب أكثر من الأبدان ، والعلماء بالله بمنزلة الطبيب ، وأمراء البشر قوام ديار المرضى ، فكل مريض لا يقبل العلاج بمداواة العالم الوارث سُلِّمَ للأمراء ليكف شره عن الناس كما يسلم الطبيب المريض لمن يحميه ، وعلماء
السوء مكبِّين على حطام الدنيا لا سأم ولا ممل ، قد أخذ بقلبوهم حبها وألزمهم خوف الفقر فهم كالهمج يتقلبون في المزابل من عذرة إلى عذرة ولا يتأذوا بسوء رائحتها وإكبابهم عليها كإكباب الخنازير على العذرة . ومن أبواب الشيطان العظيمة الطمع فإذا غلب الطمع على القلب لم يزل الشيطان يحسن إليه التصنع والتزين لمن طمع فيه بأنواع الرياء والتلبيس حتى يصير المطموع فيه كأنه معبوده فلا يزال يتفكر في حيلة التودد والتحبب إليه ويدخل كل مدخل للوصول إلى ذلك وأقل أحواله الثناء عليه ليهلكه بالكِبر وغروره بنفسه ، في المثل يضرب في تظاهر الخاِئنِينَ :
إِنَّ الأسَدَ لَيَفْتَرِسُ الَعْيرَ فإذا أَعْياهُ صادَ الأرْنَبَ. إذا اصْطَلَحَ الشيطان والنفسُ خَرِبَ هيكل الإنسان ، و يضرب هذا المثل لمن كُفِيَ بغيره : إذا رَزَقَكَ اللّهُ مِغْرَفَةً فَلاَ تَحْرِقْ يَدسيدنا محمد صلى الله علية وسلم !!! فسبحان الذي إذا أعطى أدهش، فعلمك بالله والدعاء سلاحك ، وما يصنع بسلاح لا يُستعمل !!! وقد قال معاوية بن أبي سفيان قول من كنوز الحكمة لمن عقل :
لاَ جَدَّ إِلاَّ ما أَقَعَصَ عَنْكَ مَا تكْرَهُ يُقَال: ضَرَبه فأقْعَصَه، أي قتله مكانه يقول: جَدُّكَ الحقيقي مادَفَع عنك المكروه وهو أن يقتل عدوك دونك، قَاله معاويةُ حين خاف أن يَميل الناسُ إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فاشتكى عبدَ الرحمن، فسقاه الطبيبُ شربةَ عسلٍ فيها سم فأحرقته فعند ذلك قَال معاوية هذا القول . ورحم الله من قال : يا طالبَ الطبِّ من داءٍ أصبْتَ به * إِن الطبيبَ الذي أبلاكَ بالداءِ هو الطبيبُ الذي يُرْجى لعافيةٍ * لا من يذيبُ لكَ الترياقَ في الماء.ِ
حكم : شر العمى عمى القلب ، والناس معادن ، ومعدن التقوى قلوب العارفين وفي الحديث: # التقوى ههنا، وأشارإلى القلب # .
وقبلكَ داووي الطبيبُ المريضَ * فعاشَ المريضُ وماتَ الطبيبُ . فـكـنْ مستعـداً لدارِ الفنـاءِ * فإِن الذي هو آتٍ قرييييييييييبُ.
*
إِن الطبيبَ بطبِّه ودوائـــهِ * لا يستطيعُ دفاعَ مكروهٍ أتــى.
*
وللرشيد عند موته يهجو طبيباً :
إِن الطبيبَ لـه علـمٌ يدلُّ به * ما دامَ في أجلِ الإِنسانِ تأخيـرُ حتى إِذا ما انقضـتْ أيامُ مهلتهِ * حارَ الطبيبُ وخانَتهْ العقاقيــرُ يمشي وعزرائيـلُ من خلفِــهِ * مشمرَ الأردانِ للقبضِ الحاجري.