عدد المساهمات : 4107 تاريخ التسجيل : 30/01/2009 العمر : 38 الموقع : المشرف علي المنتدي
موضوع: حكايات عن اسم الله الأعظم السبت أغسطس 01, 2009 12:49 pm
هذه حكايات عن اسم الله الأعظم ، وهي من قبيل الإشارة ، واللبيب يفهم . وسأحكيها بلغة سلسة بسيطة ليفهمها العالم والمتعلم .
الحكاية الأولى : يحكى أن رجلاً سلك طريق التصوف ولازم أحد الشيوخ المعروفين بمعرفتهم باسم الله الأعظم .
وبعد طول صحبة امتدت الى عشرين عاما او أقل أو أكثر قال له المريد : يا شيخ ألم يأن الأوان لتعلمني باسم الله الأعظم ، وأنا صحبتك سنين ووفيت لك أفلا استحق منك إجابة طلبي ؟
فقال : وجب لك هذا جزاء لطول الخدمة والصحبة ، وسأرسلك الى أحد الشيوخ في المدينة الفلانية وسيعلمك بالاسم ، وسأرسل معك هدية له فلا تفتحها أبدا .
أعطاه الشيخ علبة صغيرة وقال له اذهب بها الى الشيخ الفلاني في المدينة الفلانية .
سار الرجل ومعه العلبة فراودته نفسه أن يرى ما في العلبة ، ولكنه امتنع عن ذلك ، زادت وساوس الشيطان وصارت الرغبة في فتح العلبة ورؤية ما فيها شغله الشاغل لا يفكر في شيء إلا في العلبة ، بعد معاناة يوم أو يومين فتح العلبة ، فإذا فيها فراشة طارت منها فجأة ، حاول أن يمسك بها ولكن هيهات .
قال في نفسه : ما العمل ؟ سأضع أية حشرة كانت ، فلا أحد سيدري بالأمر .
عثر على جرادة فوضعها في العلبة بدلا من الفراشة التي طارت ، وسار حتى وصل الى الشيخ المقصود .
فقال له بعد أن سلم عليه أن شيخي أرسلني إليك لتعلمني اسم الله الأعظم ، وقد أرسل إليك هذه العلبة .
فتح الشيخ العلبة وابتسم .
قال له : ما هذا ؟ قال : جرادة ، قال : ولكن الإشارة بيني وبين الشيخ أنه يرسل لي فراشة .
اسمع يا ولدي من لا يؤتمن على فراشة أيؤتمن على اسم الله الأعظم ؟
انتهت الحكاية الأولى ، وإلى الحكاية الثانية
يحكى أن أحد السالكين أوقف نفسه على خدمة أحد العارفين ، وبعد طول صحبة وعشرة كانت عيون المريد ترنو الى شيخه متسائلة : هل من نفحة أنالها منك أو عطية تجدد بها ري قلبي ، والشيخ يرمق نظرات مريده ولا يجيبه إلا بابتسامة هادئة ملؤها الحنان .
عزم الشيخ على أداء الحج وزيارة الأحبة في بلاد الله الواسعة ،وكان الحج يستغرق وقتا طويلا ، ولا سيما أن الشيخ لم يكن يملك من عرض الحياة الدنيا إلا عصاه ومزودته فيتوجه الى الأرض الحرام مشيا .
وكأن المريد خشي أن تخترم المنون شيخه فلا يراه ، فقال له : يا شيخ لي إليك حاجة ؟
ابتسم الشيخ ، فهو أدرى بمكنونات مريده فقال له : ما طلبك ؟
قال المريد : اسم الله الأعظم .
فقال له الشيخ : اذهب الى النهر الفلاني بعد صلاة الفجر ، واجلس هناك وارقب ما يجري ولكن إياك أن تحرك ساكنا لا تفعل شيئا إلا المراقبة . ووافني بعد مغيب الشمس فإن نجحت أرشدك الى اسم الله الأعظم ، وإن فشلك فارتقب عودتي من الحج .
امتثل المريد لطلب الشيخ وبكر بالخروج الى ضفة النهر وجلس يتلو ورده ويراقب الهواء الذي يداعب صفحة الماء بكل دعة وسكون .
فشاهد رجلا هرما حنت السنون ظهره ، يمشي الهوينا ، عبر الماء وتوجه الى الجبل .
بعد ساعات عاد الرجل وعلى ظهره حزمة حطب ، فعرف أن الرجل حطاب .
وبينما الشيخ يعبر النهر فإذا بفارس يجد السير باتجاه العجوز ، فركله ركلة قوية اسقطته وطاحت بالأغصان التي جمعها في الماء وسرعان ما سار بها السيل .
وقف الشيخ الكبير وولى وجهه للجبل ثانية وبعد زمان ليس بالقصير عاد وهو يحمل حزمة جديدة من الحطب ، فما إن عبر الماء حتى جاء الفارس مجددا فركلة ثانية واسقطه واضاع الحطب الذي جمعه .
عاد الشيخ الى الجبل ، وتكرر ظهور الفارس ، وعاد الرجل الى الجبل ، وظل الأمر على هذا الحال حتى قبيل المغرب .
فقد الشاب صبره ، وحمل عصا غليظة وقفز الى الفارس وانهال عليه ضربا .
وتفرق الجميع ، وعاد الى شيخه .
فقال له الشيخ : هيه ، أخبرني ما جرى عند النهر ؟
فقص عليه القصة كما جرت .
فقال له : لم ضربت الفارس ؟
قال المريد : لم أطق أن أرى هذا الفارس يعبث مع هذا الشيخ المسكين ، فعزمت على نصره .
فقال له الشيخ : يا ولدي ، اتعلم من هذا الشيخ ؟
قال : لا .
قال : إنه شيخي الذي ارشدني الى اسم الله الأعظم .
الحكاية الثالثة
دخل التكية على عادته ، فوجد المريدين في نقاش ساخن حول شخص زار قريتهم مؤخراً وقد ظهرت على يديه بعض الخوارق أو الكرامات ، قال احدهم : يقال إنه يطير في السماء ويمشي على الماء ، واستطال الكلام وتشعب حتى قال احدهم : إن ما لدى هذا الغريب من الكرامات التي يعجز شيخنا عن الإتيان بأبسطها .
آلمه ما سمع ، حاول أن يرد على هذه الأقوال ، ولكنه تذكر وصية شيخه أن لا يدخل في كل نقاش ، وأن يترك اللجاج ، فآثر السكوت .
حدثته نفسه أن يزور هذا الغريب الوافد ليراه ويسمع منه دون وسطاء ، حمل من طعام البيت ما وجده ، وجد صاحبنا السير باتجاه الغريب الذي اتخذ له من مسجد عمدة القرية مبيتاً ، وتثاقلت قدماه مع تقاربه ، راح يحاسب نفسه ، أمجيئه إلى هنا غيرة على شيخه ، أم هو من قبيل حب الفضول ، أم طمعاً في نيل بعض الكرامات ، أم هي الرغبة في التعرف على شيخ غير شيخه الذي لم يعرف غيره ؟
استقبله الغريب بالترحاب ، وتباسط معه في الكلام ، فعلم أنه من المريدين ، فقال له : كم مضى عليك وأنت في سلك الطريقة مع شيخك ؟ فقال : قرابة تسع سنين ؟ فقال له الغريب : وما هي كراماتك ؟ تحير المريد وخجل ، فبماذا سيجيبه ؟ فقال : إني لم ابلغ المرتبة التي تؤهلني لهذا .
انتفض الغريب قائلاً : كيف ؟ الله الله ! تسع سنوات ولم تظهر على يديك أية كرامة ؟
إن المريدين الذين سلكوا الطريقة عندي والذين أمضوا نصف ما أمضيت يعرفون اسم الله الأعظم ، ويطيرون في الهواء ويمشون على الماء ، أنت يا ولدي تضيع وقتك وجهدك مع شيخك ، فهذا الشيخ على قدر حاله لا يستطيع أن يعلمك المزيد ، ولا تتوقع منه المزيد .
خرج من عند الغريب ، وعشرات الهواجس تتصارع في داخله ، مرة يندم على العمر الذي ضاع منه من دون شيء يكسبه ، ومرة يلوم نفسه على هذه الخواطر ويعدها من قبيل نكران الجميل وعدم الوفاء .
ولكنه تيقن أن ما حازه من شيخه أقل بكثير مما توقعه ، وأنه بات يسمع من شيخه كلاما مكرراً ، وأقوالاً معادة لا جديد فيها . وسيطر على تفكيره قبل كل هذا وذاك اسم الله الأعظم ، فهو منية كل مريد .
قلت روحاته إلى شيخه وكثرت إلى الغريب ، وتعجب من كرامات الغريب التي كان يقصها على الحاضرين ، من أخباره ونوادره وطرائفه وصار يمضي الليل عند الغريب .
سمع من بعض المريدين أن شيخه عاتب عليه من قلة حضوره ، فاعتذر بكثرة المشاغل .
تكرر العتب وتكررت الأعذار . وطالت مجالس السمر ، وتناسى قيام الليل ، وصار يصلي الفجر قضاء .
ظل الحال على هذا المنوال فترة من الزمن ، وتفاجأ المريد من شيخه يزوره في بيته يعاتبه على انقطاعه وتلكؤه ، وطال النقاش بينهما ، فصارح المريد شيخه بما في قلبه ، وقال : إن هذا الشيخ الغريب يطير هو ومريدوه في لاهواء ويمشون على الماء ، وهو يعرف اسم الله الأعظم ، ونحن لا نطير في الهواء ولا نمشي على الماء ، وأنت لا تعرف اسم الله الأعظم .
أطرق الشيخ رأسه وارتسمت على شفاهه ابتسامة حزينة ، فقال له : يا ولدي من يعرف اسم الله الأعظم لا يتباهى به ولا يصرح بذلك .
فقال له المريد : وهل تعرف اسم الله الأعظم ؟
فقال الشيخ : وما حاجتي يا بني إلى معرفة اسم الله الأعظم ، فنعم الله تعالى علي لا تحصى ، ويكفيني أنه رزقني نعمة الإيمان ، والقناعة بعطايا الرحمن .
فقال : ولم لا تطير في الهواء ولا تمشي على الماء ؟
فقال الشيخ : وهل رأيت الغريب يفعل ذلك ؟
قال : لا ، ولكنه حتى أبسط مريديه يفعل ذلك .
قال : وهل رأيت ذلك ؟
قال :لا ، قال يا بني : اطلب منه أن يطير في الهواء أمامك وأن يمشي على الماء أمامك ، وأنا واثق أنه لن يقدر ، فهو رجل دعي .
يا بني ! هل أمنيتك أن تحشر يوم القيامة ترابا ، أم تحشر في عليين ؟
قال : بل أحشر في عليين .
قال : فلم تمني نفسك بتقليد حيوان مصيره في القيامة أن يكون ترابا ؟
خرج المريد مفعم بالثقة ، وذهب إلى الغريب ، وطلب منه أن يطير في الهواء ويمشي على الماء ، فقال له : هذا أمر بسيط ، ولكني لن أفعله إلا بمحضر القرية جيمعاً كي لا يتكرر هذا الطلب ولأقطع دابر الشك من قلوب الجميع . ما اليوم يا بني ؟
قال : الأربعاء .
فقال: موعدنا الجمعة بعد صلاة الجمعة .
وفي يوم الخميس لم يجدوا للغريب أي أثر .
آمل من الأخوة الكرام أعضاء المنتدى التفاعل بتعليقاتهم