حب الدنيا - السيد محمد النبهان رحمه الله تعالى
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حب الدنيا - السيد محمد النبهان رحمه الله تعالى
قال السيد النبهان قدس الله روحه
قال تعالى : (مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ) [آل عمران 152 ].
(وَاصْبِرْ نَفْسسيدنا محمد صلى الله علية وسلم مَعَ الَّذِينَ يدعون رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الكهف 28 ].
قال رضي الله عنه : الدنيا وصفك أيها الإنسان، الدنيا من الدنو لا من الدناءة، رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذمّ الدنيا، بل ذمَّ حب الدنيا، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (الدنيا حلوة خضرة)(1).
الدنيا رأس مالنا، الميزان هو حب الدنيا لا الدنيا.
ما رأت عيني أحداً منسوباً لأهل الله تعالى ويحب الدنيا أبداً، الّذي يحب الدنيا ضع عليه خطين، ولو كانت عمامته كبيرة ولحيته طويلة، محب الدنيا كلب ولو كان يخطب على المنبر، وطالب المولى أمير ولو كان عبداً أو راعياً للإبل.
نشتغل في الدنيا، نعمل في الدنيا لأن الله أمرنا بذلك، لأن الدنيا لا تقوم بدون تجارة أو صناعة أو زراعة.. ويلزمنا أن نعمل لأن الله أمرنا بالعمل.
حب الدنيا راس كل خطيئة (2) ولا يمكن لأحد يحب الدنيا أن يشهد الرسول صلى الله عليه و سلم.
محبو الدنيا إثنان : الكلب والقرباطي(3)، فالجيفة يطلبها الكلب يأكل اللحم والعظم وأما الثاني يأخذ جلدها يعمله ( ربابة ) يغني عليها ، عمى البصيرة هو الوجهة إلى الدنيا.
عيب علينا أن يشهد الله في قلوبنا حبَّ غيره، قال لي واحد: أنا إذا راحت الدنيا لا أحزن! قلت له: إذا جاءتك تفرح؟ قال: نعم، قلت له: إذن تحزن إذا راحت!
الزهد الحقيقي هو زهد القلب، ولا مانع من وجود المال بيد المؤمن يقول به هكذا وهكذا (وفي أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم) (الذاريات 19) , نعمت الدنيا مطية المؤمن(4) و نعم المال الصالح للرجل الصالح (5).
الميزان الأول حب الليرات، إذا رأيتم الرجل يصوم النهار ويصلي كثيراً وله عمامة ولحية ويحب الليرات فلا تعتقدوا به.
الّذي يحب الدرهم والدينار ليس بأمير، بل هو أجير مملوك، يعتزون بالدنيا من اعتز بغير الله ذلّ.
القانون الإلهي هو حب الدنيا وبغضها، الّذي يتعلق بالجيفة صار أدنى من الجيفة لأنّه تعلق بها، لذلك تبين أنه أدنى منها.
الدنيا ديار، والله هو الساكن، لا تحبّوا الديار بل من سكنها.
الّذي يحب الدنيا الدرهم والدينار ليس على شيء، ومن طغى مع المال تبين أنه صغير والمال أكبر منه، حب الدنيا غير الدنيا , نعمت الدنيا مطية المؤمن (6).
لا تنغشوا بالمال، لا تنغشوا بالزعامات.
الدنيا أخذت الكثير من الأكابر، ما رأت عيني أحداً منسوباً لأهل الله ويحب الدنيا أبداً، يشتغل بها ويزينها، ولكن لا يحبها.
المادي روحه ضعيفة، محكوم عليه بمادته، المادي يحترم كل من عنده مادة، ولو كان يهودياً عسى أن يصل إليه شيء منها، ولا يحترم أهل المعاني خوفاً على محبوبته أن تذهب .
أما المعنوي فلا قيمة عنده للمادة والماديين، ولو ذهبت المادة منه بأجمعها ولا أن تخدش المعاني، فالّذي ما عنده معانٍ لا يدرك المعاني. المادي فتحه قليل، بل لا فتح له، لأنّه محكوم بالمادة، وكذلك الّذي يصاحب المزّاحين والمجاذيب نادر أن يأتي منه خير .
الإنسان يقدر أن يتريّض حتى يصل إلى ربع رغيف ولا يصيبه شيء ولا يضعف، وهذه لا توصل إلى الله، الّذي يوصل إلى الله عدم حب الدنيا وعدم حب الأخرى، إذا واحد ما عنده شخصية وعنده مرتبة ففي الغالب ممكور فيه، ما وجد واحد حبّاب دنيا ويصير ولياً أبداً ألبتّة، متعبد بالظاهر لا بالباطن، بالصورة فقط، قال صلى الله عليه و سلم : إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنّة فيما يبدو للناس حتى لا يكون بينه وبينها إلاّ مقدار ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار(7) هذه الرواية ما كنت أراها (فيما يبدو للناس) بعدها رأيتها.. ليس معقولاً إلاّ (فيما يبدو للناس) لحية وعمامة وصوم وصلاة وقلبه خراب وقد يبغض الأولياء! يصير ولياً بالصورة، لكن غضبة من الغضبات تُذهب عبادته وأعمالَه كلّها هباءً منثوراً، الرسول صلى الله عليه و سلم يقول:حب الدنيا رأس كل خطيئة(
أقوى من القتل، وأقوى من كل شيء!! هذا لا نأخذ عنه ديننا.
* * * * * * * * * * * * *
(1) : صحيح مسلم برقم (2742) 4/ 2098.
(2) : شعب الإيمان للبيهقي برقم (10501) 7/ 338. قال العجلوني : إسناده حسن ، كشف الخفاء 1/ 412.
(3) : القرباطي ( من اللهجة الحلبية الدارجة ) أي : الفسقة من الغجر .
(4) : الفردوس بمأثور الخطاب 5/ 10 بلفظ لا تسبّوا الدنيا فنعم مطية المؤمن هي.
(5). :مسند أحمد: 4/ 197. قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح:مجمع الزوائد 4/64.
(6) :الفردوس بمأثور الخطاب: 5/ 10.
(7) :صحيح البخاري برقم (2742) 3/ 1061.
(
: شعب الإيمان للبيهقي برقم (10501) 7/ 338. قال العجلوني : إسناده حسن ، كشف الخفاء 1/ 412.