عادل محمد زايد
عدد المساهمات : 4107 تاريخ التسجيل : 30/01/2009 العمر : 38 الموقع : المشرف علي المنتدي
| موضوع: لتربية الاسلامية السليمة من خلال نصائح لقمان لابنه الجمعة يوليو 24, 2009 10:42 am | |
| لتربية الاسلامية السليمة من خلال نصائح لقمان لابنه
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ولي الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله سيد الخلق أجمعين، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين, وبعد
نصائح غالية دونها القرآن العظيم وتُتلى الى ماشاء الله تعالى, تلك التي أوصى بها لقمان الحكيم ابنه في هاته الآيات الكريمات:"واذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابني لاتشرك بالله, ان الشرك لظلم عظيم.ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك الي المصير, وان جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب الي ثم الي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون. يابني انها ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أوفي السماوات أو في الارض يأت بها الله , ان الله لطيف خبير. يابني أقم الصلاة وامر بالمعروف وانه عن المنكر, واصبرعلى ماأصابك,ان ذلك من عزم الامور ولاتصعر خدك للناس ولاتمش في الارض مرحا , ان الله لايحب كل مختال فخور, واقصد في مشيك واغضض من صوتك, ان أنكرالاصوات لصوت الحمير".من سورة لقمان..الايات.
إن هاته الايات الكريمات من سورة لقمان تنضَحْن بمعاني سامية جليلة, وبدروس في التربية الاسلامية غاية في الرقي والسمو والتحضركأنها ُزْبدة مايسمونه اليوم بلغة العصر:علم التربية الحديثة والبيداغوجيا ..
ان من أهم أهداف التربية :تعريف الفرد بخالقه وبناء العلاقة بينهما على أساس ربانية الخالق وعبودية المخلوق واعداد الفرد للحياة الاخرة, وكذلك تطوير وتهذيب سلوك الفرد وتنمية أفكاره وتوجيهه لحمل الرسالة الاسلامية الى العالم, وغرس الايمان بوحدة الانسانية والمساواة بين البشر والتفاضل لايكون الا بالتقوى, كما تسعى التربية الاسلامية السليمة الى تحقيق النمو المتكامل المتوازن للطفل في جميع جوانب شخصيته..وهذا غيض من فيض جاء في مجمل وصايا العبد الحكيم لقمان لابنه وهو يعظه في القرآن الكريم..ولقد جاء في الاخبار والروايات الكثير من لآلئ المعاني التي سطرها التاريخ وهي تخرج كالدرر النفيسة من في لقمان الى أذني ابنه وقبلهما عقله وقلبه..ومن بين هاته المعاني السامية والراقية في الاخلاق والسلوك الناضج القويم ماقاله :
*"يابني إذا جلست لذي سلطان فليكن بينك وبينه مقعد رجل, فلعله يأتيه من هو آثرعنده منك فينحيك فيكون نقصا عليك".
*"يابني ان أردت أن تواخي رجلا, فأغضبه فان أنصفك في غضبه والا فدعه."
*يابني لاتضحك من غيرعجب ولاتمشي في غيرأدب ولاتسأل عما لايعنيك."..
وعن خالد الربيعي أن لقمان كان عبدا حبشيا قال له مولاه:إذبح لنا هذه الشاة, فذبحها وقال له:أخرج أطيب مضغتين فيها,فأخرج لقمان لسانها وقلبها..ثم مكث ماشاء الله ثم قال له يوما: اذبح لنا هذه الشاة, فذبحها.. وقال له مولاه:أخرج أخبث مضغتين فيها فأخرج اللسان والقلب مرة أخرى..قال له مولاه: أمرتك أن تخرج أطيب مضغتين فيها فأخرجت القلب واللسان, ثم أمرتك باخراج أخبث مافي الشاة فأخرجت القلب واللسان..كيف ذلك..فأجابه لقمان:"انه ليس أطيب منهما اذا طابا, وليس أخبث منهما اذا خبثا"...
وهنا بالذات يظهرتركيزلقمان المربي الفاضل على مضغتين في جسد الفرد هما: القلب واللسان ..فلو حفظهما المرء من السوء ومن الآثام والمعاصي لفازفوزا عظيما, ولكنهما أحيانا كثيرة يكونان مجلبة لكثيرمن الفضائح والزلات والعصيان ,لالشيء سوى لأنهما لايخضعان لمراقبة المسلم وخشيته من الله تعالى في حله وترحاله..
ولنعد الى الايات الكريمات في سورة لقمان حيث يعظ ابنه بعدة وصايا ونصائح نفيسة ولنستخرج منها هاته العبر والفوائد الجليلة.. لكن قبل ذلك,هناك ملاحظات أساسية لابد من إبدائها والمرتبطة بالشكل الذي قدم بها لقمان نصائحه الغالية لابنه منها: -مبدأ الحوار بين الأب والابن بطريقة سلسة دون اثارة مشكلة عدم التواصل بين جيل الاباء مع جيل الأبناء, وهي القضية التي تعاني منها كثير من الاسر في واقعنا اليوم..لقمان كان يخاطب ابنه بأسلوب كله حوار راقي وحضاري, فالاب يسدي النصائح والمواعظ والابن ينصت أحسن الانصات,وتمر الامور في هدوء وروية بين الطرفين..
-وسيلة الاقناع بحيث أن لقمان الحكيم كان يورد الامر أو النهي ويُتبعه بالشرح والتبرير..مثلا يعظ ابنه بأن لايصعر خده للناس وبأن لايتكبر, فيفسر له للتو بأن ذلك السلوك يكرهه الله تعالى بالقول :"ان الله لايحب كل مختال فخور". ولما أمره باللين بأن لايرفع من صوته وأن يقصد فيه, أردف ذلك بالقول:" ان أنكر الاصوات لصوت الحمير"..
-بدء الخطاب بالرفق والاسلوب الذي كله رقة وعذوبة: "يابني"..وهي لفظة تصغير لكلمة "ابني" من أجل التحبب والتقرب بغية ايصال الخطاب بطريقة سليمة وكاملة ولفت الانتباه للمُخاطَب..
-الرد على التساؤلات المحرجة للطفل مهما كانت حتى لوجاءت في موضوع الجنس, وذلك بالجواب اللطيف والذكي دون قمع الطفل السائل او ابداء تيرم من سؤاله أو ضجرمن الحاحه في السؤال..
-تقديم البديل: حين قال لقمان لابنه بأن لايمشي في الارض مرحا أتى له بالبديل وهوأن يقصد في مشيه..وهكذا دواليك تتاسس التربية الاسلامية السليمة للابناء..
أما البناءات التي تضمنتها كلمات لقمان الى ابنه فتتشكل ركائزها على مايلي:
*بناء العقيدة الصحيحة للطفل المسلم: + التوحيد: وهو الأمرالذي بدأ به لقمان كلامه لابنه لأنه أساس كل كلام بعده..فالتوحيد حق الله على العباد. قال الله تعالى :" وماخلقت الجن والانس الا ليعبدون" الذاريات56.وقال أيضا:"ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" النمل36.وقال: "واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئا"...وفضل التوحيد كبير, ففي حديث عتبان الله تعالى حرم على النار من قال لااله الا الله ليس باللسان فقط وانمايلزم ترك الشرك باللسان وبالقلب وبجميع الجوارح..وعن انس بن مالك رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"قال الله تعالى ياابن آدم لو آتيتني بقُراب الارض خطايا ثم لقيتني لاتشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة"..وهكذا من حقق التوحيد دخل الجنة بغيرحساب.لهذا نجد لقمان الحكيم يحذر ابنه من الشرك ويبرره بكونه أعظم الظلم..واستهل نصائحه بهذا التحذير لعلمه أن الاصل هو التوحيد..
+ طاعة الوالدين: قرنها الله تعالى في كثيرمن الآيات القرآنية بطاعة الله تعالى:"وقضى ربك ألا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا". بل ان من طاعة الله تعالى طاعة الوالدين الا أن يدعوا الى الشرك به..وحتى في هذه الحالة الاستثنائية يجب مصاحبتهما ومعاشرتهما بالمعروف مع عدم طاعتهما في مايدعوان اليه. كما أمرالله عزوجل العبد بالشكرله وبوالديه بشكل مترابط اذ قال:" ووصينا الانسان بوالديه أن اشكر لي ولوالديك الي المصير"..فلولا الوالدان لما كان لنا أثرولاوجود في هذه الدنيا,ومن ثَم فهما السبب المباشر لحياتنا, لكن ينبغي التذكر دوما أن الله تعالى هوالسبب في وجود كل الخلائق..
+مراقبة الانسان لله تعالى: أضاف لقمان عظة غالية من عظاته لابنه جواباعلى سؤال سابق كما جاء في الروايات التي تناولت حياة لقمان, فقد سأله ابنه يوما قد يكون محرجا للأب الذي لايحسن الاجابة ولايملك الدراية بفنون القول في اطار من اللين والرفق..لم يتضايق لقمان ولم ينهرابنه ولم يأمره بالصمت أو ينعته بالغباء او الجهل حين سأله عندما رأى البحر متلاطم الأمواج هل بامكان الله تعالى أن يعلم تواجد حبة اذا ألقيت في أعماق بحر كهذا, فأجابه بأن الله تبارك وتعالى يعلم أقل من الحبة فقال له مقدما لفظة التحبب لابنه:"يابني" انها ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله.ان الله لطيف خبير".
وهكذا فقد أورد لقمان أمثلة غير البحرالذي ذكره له ابنه, فأعطى له المثال بالصخرة وبالسماوات وبالأراضين..ففي هذا الفضاء الواسع اللامنتهي, يعلم سبحانه مثقال حبة من خردل ,فانظرإلى صغرهذه الحبة حتى في الصخرة الصماء أو في الليلة الظلماء يعلم كل أمر مَهما حقر شأنه أو عظم..يقول ابن حجر"إن أعظم زاجر عم الذنوب هو خوف الله تعالى وخشية انتقامه وسطوته وحذر عقابه وغضبه وبطشه".إن قوام التربية الإسلامية ان يشعر الانسان منذ أن يكون طفلا صغيرا بأن الله قريب منه يسمعه ويراه ويحصي سيئاته وحسناته. يقول الله عز وجل" وهو الله في السماوات وفي الأرض يعبم سركم وجهركم ويعبم ماتكسبون"آية3 الانعام, وقوله في سورة الحديد " وهومعكم أين ماكنتم والله بماتعملون بصير"...ومما يعمق مراقبة الله تعالى في نفس الإنسان المداومة على صلوات الفرض. لهذا انتقل لقمان مباشرة إلى وصية ولده بالصلاة بعد أن وعظه بمراقبة الله تبارك وتعالى..
+إقامة الصلاة: لاشك أن الصلاة تحمي المسلم من الفواحش والمنكرلقول الله تعالى في سورة العنكبوت "إن الصلاة تنهىعن الفحشاء والمنكر" ..والأمربالصلاة هو أمر بإقامة الصلة بالله حتى تطهر نفس الإنسان ويغلق على الشيطان منافذه الكثيرة, والعجيب أن الوضوء الذي يسبق الصلاة هو أيضا طهارة للمرء المسلم من الذنوب التي تخرج مع آخر قطرة ماء..وفضلا على ذلك, الصلاة تمده بالطاقة الروحية التي تزين الشعور بالطمأنينة والأمن النفسي وهدوء البال وراحة العقل, ولقد أدرك ذلك أحد الأطباء الغربيين وهو ديل كارينجي في كتابه"دع القلق وابدأ الحياة"
بالقول" إن الصلاة هي أهم أداة عرفت إلى الآن لبث الطمأنينة في النفوس وبث الهدوء في الاعصاب".
*بناء العبادات: +الأمربالمعروف والنهي عن المنكر: أمرلقمان ابنه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكرلأنه يعلم حق اليقين أنها رسالة عظيمة حاملُ لوائها ينفع نفسه وينفع الأمة الإسلامية جمعاء,إذ ان المعروف الذي يحث عليه الاسلام هو الأمر النافع للمجتمع بجلبه الخيرله وتحقيق التعاون بين أفراده, أما المنكرفهو كل أمريؤدي إلى الخصومات والاعتداء على حرمات الإنسان في ماله وعرضه وماله ونفسه..ولقمان في وعظه ابنه بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, يكون ضمنيا قد نهاه على أن لايكون حياديا كما هو شأن الكثيرين من الناس اليوم, فموقف الحياد في معركة الحق مع الباطل في واقعنا هو موقف سلبي يهدم المجتمع أكثر مما يبنيه, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لاتكونوا إمَعة تقولون إنْ أحسن الناس أحسنا,وإن ظلموا ظلمنا,ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن لاتسيئوا".وهذا هوخلق المؤمنين والمؤمنات ومن سمات المجتمع المسلم.قال الله تعالى:" والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.." من سورة التوبة. + الصبرعلىالمصيبة: إنه خُلق كريم نصح به لقمان ابنه وعَبْره يجب على كل أب أن يوصي به أبناءه, فبفضل الصبر تُبنى شخصية الفرد المسلم وتُصقَل توجهاته في الحياة وتُزرع فيه دعائم القوة والصلابة , أما الجزع والتخاذل أمام أدنى مشكلة أو مصيبة فإنها من علامات ضعف الشخصية ووهنها..والصبرفوق كل هذا وذاك يثيب عنه الله تعالى خاصة إذا احتسب المؤمن الأجر عند الله تعالى عند تلقيه أول مرة للمصيبة..
*بناء الاخلاق: هو بناء شيده لقمان في الآيات الكريمات المذكورة أعلاه على أساس دعامتين اثنتين هما: + النهي عن التكبر: بقوله تعالى "ولاتُصَعرخدك للناس ولاتمش في الارض مرحا"..وتصعيرالخد للناس هو كناية عن التبرم وإدارة الوجه عنهم وعدم الاقبال عليهم بمؤانستهم والأُلفة معهم, بل التعالي عنهم للإحساس بالغروروالتكبرالمشينين وزكى لقمان نصيحته الاولى بالقول: "ولاتمش في الأرض مرحا", ليبرر بعد ذلك قوله كأسلوب للإقناع بأن الله تعالى لايحب كل مختال فخور,ومادام الله يكره هذه الخصال فالأجدى أن يبتعد عنها الفرد المسلم..
+ الإقتصاد في الاُموركلها: يقول لقمان لابنه واعظا إياه بأن يقصد في مشيه ويغض من صوته..ودائما في أسلوب راقي في الاقناع, يضيف لقمان:" إن أنكرالأصوات لصوت الحمير" حتى تعاف النفس هذا الصوت وتهرب منه فيتحرى الانسان عدم الرفع من الصوت بدون حاجة..والمعنى الضيق للاقتصاد في المشي والغض من الصوت هو عدم المشي ببطء قاتل ولا السرعة المفرطة, وأيضا عدم الرفع من الصوت يشكل يؤذي السامعين ولاخفضه بطريقة لاتُسمع الآخرين, بل اللازم هو أن يكون المشي بين السرعة والهرولة والصوت بين المنخفض والعالي, لكن المعنى العام والشامل هو سلامة نهج الاقتصاد دون إفراط ولاتفريط في أمورالحياة كلها حتى في جزئياتها من قَبيل المشي والصوت..وهذه دعوة عجيبة منذ زمان بعيد هو زمان لقمان إلى سلك الاقتصاد الوسط بمعناه العلمي الحديث الحالي.وقد أثبتت التجارب العلمية أن هذا النوع من السلوك الاقتصادي هو الأأمن والأسلم في اقتصادات اليوم. | |
|