قال سفيان الثوري – رحمه الله – فيما أوصى به علي بن الحسن السلمي : (( عليك بالصدق في المواطن كلها ، و إياك و الكذب و الخيانة و مجالسة أصحابها ، فإنها وزر كله ، و إياك يا أخي و الرياء في القول و العمل فإنه شرك بعينه ، و إياك و العجب فإن العمل الصالح لا يرفع و فيه عجب ، و لا تأخذن دينك إلا ممن هو مشفق على دينه ، فإن مثل الذي هو غير مشفق على دينه ، كمثل طبيب به داء لا يستطيع أن يعالج داء نفسه ، و ينصح لنفسه ، كيف يعالج داء الناس و ينصح لهم ؟!!
فهذا لا يشفق على دينه كيف يشفق على دينك ؟ و يا أخي إنما دينك لحمك و دمك ، ابكِ على نفسك و ارحمها فإن أنت لم ترحمها لَم تُرحم ، و ليكن جليسك من يزهدك في الدنيا و يرغبك في الآخرة ، و إياك و مجالسة أهل الدنيا الذين يخوضون في حديث الدنيا ، فإنهم يفسدون عليكم دينك و قلبك ، و أكثر ذكر الموت ، و أكثر الاستغفار مما قد سلف من ذنوبك ، و سل الله السلامة لما بقي من عمرك ، ثم عليك يا أخي بأدب حسن الخلق ، و خلق حسن ، و لا تخالفن الجماعة فإن الخير فيها ، إلا من هو مكب على الدنيا ، كالذي يعمر بيتا و يخرب آخر . و انصح لكل مؤمن إذا سألك في أمر دينه ، و لا تكتمن أحداً من النصيحة شيئاً إذا شاورك فيما كان لله فيه رضا ، و إياك أن تخون مؤمناً ، فمن خان مؤمناً فقد خان الله و رسوله ، و إذا أحببت أخاك في الله فابذل له نفسك و مالك ، و إياك و الخصومات و الجدال و المراء فإنك تصير ظلوماً خواناً أثيماً ، و عليك بالصبر في المواطن كلها فإن الصبر يَجُر إلى الجنة ،و إياك و الحدة و الغضب فإنهما يَجُران إلى الفجور و الفجور يجر إلى النار ، و لا تمارين عالماً فيمقتك ، و إن الاختلاف إلى العلماء رحمة و الانقطاع عنهم سخط الرحمن ، و إن العلماء خزان الأنبياء و أصحاب موارثيهم ، و عليك بالزهد يبصرك الله عورات الدنيا و عليك بالورع يخفف الله حسابك ، و دع كثيراً مما يريبك إلى ما لا يريبك تكن سليماً و ادفع الشك باليقين يسلم لك دينك .
و أمر بالمعروف و انه عن المنكر تكن حبيب الله و ابغض الفاسقين تطرد به الشياطين ، و أقل الفرح و الضحك بما تصيب من الدنيا تزدد قوة عند الله ، و اعمل لآخرتك يكفك الله أمر دنياك ، و أحسن سريرتك يحسن الله علانيتك ، وابك على خطيئتك تكن من أهل الرفيق الأعلى ، و لا تكن غافلاً فإنه ليس يغفل عنك ، و أن لله عليك حقوقاً و شروطاً كثيرة ؛ ينبغي لك أن تؤديها ، و لا تكونن غافلاً عنها ، فإنه ليس يغفل عنك ، و أنت محاسب بها يوم القيامة ، و إذا أردت أمراً من أمور الدنيا فعليك بالتؤدة ، فإن رأيته موافقاً لأمر آخرتك فخذه ، و إلا فقف عنه حتى ينظر إلى من أخذه كيف عمله و كيف نجا منها ؟ و أسأل الله العافية ، و إذا هممت بأمر من أمور الآخرة فشمر إليها و أسرع من قبل أن يحول بينها و بينك الشيطان ، و لا تكونن أكولاً لا تعمل بقدر ما تأكل فإنه يكره ذلك ، و لا تأكل بغير نية و لا بغير شهوة ، و لا تحشون بطنك فتقع جيفة لا تذكر الله و أكثر الهم و الحزن ، فإن أكثر ما يجد المؤمن في كتابه من الحسنات الهم و الحزن و إياك و الطمع فيما في أيدي الناس ، فإن الطمع هلاك الدين ، و إياك و الرغبة فإن الرغبة تقسي القلب ، و إياك و الحرص على الدنيا ، فإن الحرص مما يفضح الناس يوم القيامة ، و كن طاهر القلب نقي الجسد من الذنوب و الخطايا ، نقي اليدين من المظالم ، سليم القلب من الغش و الخيانة خالي البطن من الحرام ، فإنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت ، كُف بصرك عن الناس ، و لا تمشين بغير حاجة ، و لا تكلمن بغير حكم ، و لا تبطش بيدك إلى ما ليس لك ، و كن خائفاً حزيناً لما بقي من عمرك لا تدري ما يحدث فيه من أمر دينك و إياك أن تلي نفسك من الأمانة شيئاً و كيف تليها و قد سماك ظلوماً جهولاً ؟ أبوك آدم لم يبق فيها و لم يستكمل يوم حملها حتى وقع في الخطيئة ، أقل العثرة ، و اقبل المعذرة و اغفر الذنب ، كن ممن يُرجى خيره و يؤمن شره ، لا تبغض أحد ممن يطيع الله ، كن رحيماً للعامة و الخاصة ، و لا تقطع رحمك ، وَصِل من قطعك وصل رحمك و إن قطعك و تجاوز عمن ظلمك تكن رفيق الأنبياء و الشهداء ، و أقل دخول السوق فإنهم ذئاب عليهم ثياب ، و فيها مردة شياطين من الجن و الإنس ، و إذا دخلتها فقد لزمك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و إنك لا ترى فيها إلا منكراًَ ، فقم على طرفها و قل : " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك و له الحمد يحي و يميت ، بيده الخير و هو على كل شيء قدير و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم " ، فقد بلغنا أنه يكتب لقائلها بكل من فِي السوق عجمي أو فصيح عشر حسنات ، و لا تجلس فيها ، و اقض حاجتك و أنت قائم يسلم لك دينك . و إياك أن يفارقك الدرهم فإنه أتم لعقلك ، و لا تمنعن نفسك من الحلاوة فإنه يزيد فِي الحلم ، و عليك باللحم و لا ندم عليه و لا تدعه أربعين يوماً فإنه يسيء خلقك ، و لا ترد الطيب فإنه يزيد في الدماغ ، و عليك بالعدس فإنه يفرز الدموع و يُرق القلب ، و عليك باللباس الخشن تجد حلاوة الإيمان ، و عليك بقلة الأكل تملك سهر الليل ، و عليك بالصوم فإنه يسد عنك باب الفجور و يفتح عليك باب العبادة ، و عليك بقلة الكلام يلين قلبك ، و عليك بطول الصمت تملك الورع ، و لا تكونن حريصاً على الدنيا ، و لا تكن حاسداً تكن سريع الفهم ، و لا تكن طَعَّاناً تنج من ألسن الناس ، و كن رحيماً تكن محبباً إلى الناس ، و راض بما قسم لك من الرزق تكن غنياً ، و توكل على الله تكن قوياً ، و لا تنازع أهل الدنيا في دنياهم يحبك الله و يحبك أهل الأرض ، و كن متواضعاً تستكمل أعمال البر . اعمل بالعافية تأتك العافية من فوقك ، كن عفواً تظفر بحاجتك ، كن رحيماً يترحم عليك كل شيء . يا أخي ؛ لا تدع أيامك و لياليك و ساعاتك تمر عليك باطلاً ، و قدم من نفسك لنفسك ليوم العطش . يا أخي ؛ فإنك لا تُروى يوم القيامة إلا برضا من الرحمن و لا تدرك رضوانه إلا بطاعتك ، و أكثر من النوافل تقربك إلى الله ، و عليك بالسخاء تستر العورات و يخفف الله عليك الحساب و الأهوال ، و عليك بكثرة المعروف يؤنسك الله في قبرك و اجتنب المحارم كلها تجد حلاوة الإيمان . جالس أهل الورع و أهل التقى يصلح الله أمر دينك ، و شاور في أمر دينك الذين يخشون الله ، و سارع في الخيرات يحول الله بينك و بين معصيتك ، و عليك بكثرة ذكر الله يزهدك في الدنيا ، و عليك بذكر الموت يهون الله عليك أمر الدنيا ، و اشتق إلى الجنة يوفق الله لك الطاعة ، و اشفق من النار يهون الله عليك المصائب ، أحب أهل الجنة تكن معهم يوم القيامة ، و أبغض أهل المعاصي يحبك الله ، و المؤمنون شهود الله في الأرض ، و لا تسبن أحداً من المؤمنين ، و لا تحقرن شيئاً من المعروف ، و لا تنازع أهل الدنيا في دنياهم ، و انظر يا أخي أن يكون أول أمرك تقوى الله في السر و العلانية و اخش الله خشية من قد علم أنه ميت و مبعوث ، ثُم الحشر ثثم الوقوف بين يدي الجبار – عزوجل - ، و تحاسب بعملك ، ثم المصير إلى إحدى الدارين إما جنة ناعمة خالدة ، و إما نار فيها ألوان العذاب مع الخلود لا موت فيه ، و ارج رجاء من علم أنه يعفو أو يعاقب ، و بالله التوفيق لا رب غيره )) .