عدد المساهمات : 4107 تاريخ التسجيل : 30/01/2009 العمر : 38 الموقع : المشرف علي المنتدي
موضوع: تفسير سورة الفاتحة الإثنين يونيو 29, 2009 10:13 am
تفسير سورة الفاتحة
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
التفسير الصوفى لفاتحة الكتاب
( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )
الإسم والمسمى شىء واحد لا يتميز عنه وهما حقيقة واحدة ومن ثم قال تعالى : " وَعَلَّمَ ءَادَمَ الْأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ " (البقرة 31) فأعاد الضمير على الأسماء المعروضة المسميات لكونها عينها لا غيرها وإذا تجلى الحق لا ترى غيره فلا ترى هنا أسماء متميزة فى ذاتها .
وكذلك إذا أبصرته لا ترى إلا ذاته فلا ترى شيئاً من ذلك قائماً بذاته ... إذن فالأسماء والذات حقيقة واحدة والمعنى أن الحمد برز بإسم الله الذى هو مجمع الأسماء من حيث ( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) وذلك أن الله سبحانه وتعالى حمد نفسه بنفسه عنا رحمة بنا لما علم أننا لا نقدر على القيام بحمده كما يليق بجلاله وكماله فقام خليفة عنا بإسم الوكيل وإذا كان الوكيل قائماً بنفسه رحمه بأحد يعلمه أنه لا يعرف أن يقوم بأمر نفسه ولا يدرى ما يضره ولا ينفعه كان أبلغ فى الإستغناء بخلاف ما إذا كان يحتاج إلى من يحثه على ذلك سواء كان الموكل أو غيره.
فلو عقلنا مع الله فى وجودنا كما كنا فى عدمنا وإكتفينا برحمته لنا عن أن نرى أن نطلب الرحمة لنفوسنا وإعتقادنا أنه أرحم بنا منا بأنفسنا وتوكلنا عليه كما هو الوكيل الذى وكل نفسه لنا قبل أن نكون ووكالته لنفسه لا يدخلها خلل بخلاف ما إذا كانت الوكاله منا فإنها حقيقة على قدرنا...
( الْحَمْــــــدُ لِلَّهِ )
الألف واللام على المبتدأ جنسية تفيد الحصر .. وفى ذلك تفصيل أشار له الأجهورى بقوله : بلام جنس عرفا منحصر فى خبرية وفاقا يذكر
فالمعنى ( أحمد الله بالله ) أى ... لا حامد سواه لعجز الخلائق عن إتيانهم بالحمد على حقيقته .. فإنه لما عجز خلقه عن حمده حمد نفسه بنفسه نيابة منه عنهم فحمدنا وإن بلغ ما بلغ ليس بحمد فى الحقيقة لقصوره وحصول النيابة عنه بحمد الله ..ويترتب على الحمد بقوله : ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) أى موجود المخلوقات كلها فجميع العالم مخلوق لنا قال تعالى " هو الذى سخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا منه " .
كأنك تقول أحمد الله بحمده الذى حمد نفسه به ....ثم قال بعد حمده .
( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )
أى إيجاده لنا وإيجاده ما خلقه لأجلنا إنما هو بمحض رحمته وجوده و أتى بالإسمين فى صفة المبالغة إشارة إلى ما صدر منه ليس هو تمام رحمته وجوده بل رحمته كثيرة وجوده غزير حتى إن ما علمتوه بالنسبة إلى ما جهلتموه فدخل فيه جميع الأسماء .
( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ )
تجمع أسماء الجلال والجمال فكلها بصدقه على البرزخ وما بعدها الذى الدنيا بالنسبة إليه كالرحم إليها وهو بالنسبة ليوم القيامة كالرحم إلى الدنيا فهناك تتحقق مظاهر أسماء الله تحقيقاً لا يرتاب أحد فيبدو سلطان القهر والغلبة على أتم وجه
وأكمل حال من كل معاند وجاحد فسلطان الرحمة والإمتنان واللطف لمن آمن بالله ورسوله وسلك سبيل الهدى والرشاد فكان " مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهمِ مِّنَ النَّبِيِّيِنَ وَ الصِّدِّيقيِنَ وَالشُّهَدَآءِ وَ الصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً"النساء (69) .
ولما ذكر الحقيقة بالحمد ووصِفَ بتلك الصفات العظام التى توجب إقبال العبد على ربه قال :
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )
ليكون أدل على الغيبة إلى الشهود و كأن المعلوم صار عيانا والمعقول مشاهدا والغيبة حضورا ويصير من أهل المشاهدة فيراه عينا فيناجيه شفاها لملاحظة نفسه فى حضرات القدس ومشاهدا له الحاضر والأنيس واقفا بين يديه ضارعا إليه بالخضوع والإلتجاء قارعا باب المناجاة وتحصل بالعبادة والإستغاثة على غاية الجمع والإقبال ونهاية التضرع والإبتهال وهذا هو السر فى تكرارات الفاتحة فى كل ركعة من جميع الصلوات التى هى عبارة عن مناجاة العبد مولاه لكونه يحكم على نفسه فى كل ركعة فإنه لا يعبد على حق سواه ولا يستعان بمن عداه فمن تعلق قلبه بشىء أو تخيل إستغاثة لمخلوق مثله فقد نقض العهد الذى أبرمه مع الله أى لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك فنرى كل مصل فى الصلاة يعاهد ربه بذلك فى كل صلاة بالإمتثال لجميع ما يستطاع من الأمور والإمتناع عن جميع المنهيات لذا قال تعالى : " إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ " ( العنكبوت 45) .فيجدد العبد فى كل يوم خمس مرات العهود والمواثيق .
ويحكى أنه لما أكمل القاضى البيضاوى تفسيره وحمله للأمير على عادة العجم ولما كان فى أثناء الطريق بالبادية رأى فقيراً صوفياً فأستضافه فأضافه الفقير وأحسن ضيافته ثم سأله عن سبب سفره فقال له إنى ألفت كتاباً فى التفسير
وأردت أن أرفعه للسلطان لإقتبس منه صلة ويحصل له القبول فقال الفقير بما فسرت قوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
فقال لا أعبد إلا إياك ولا أستعين إلا بك فقال الفقير إن كنت لا تستعين إلا به فلماذا تذهب للسلطان فإعتذر بأن له بنات وأراد تزويجهن فلم يجد ما يزوجهن به ثم سرت فيه موعظة الفقير فرجع ففرج الله عليه أمر بناته من حيث لا يحتسب ولا يدرى ووقع الإقبال على تفسيره دون غيره من التفاسير مع كثرتها .
( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )
الذى أنت عليه وذلك لقوله " إِنَّ رَبِّى عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ " ( هود 56) أى خلقنا بأخلاقك .. ولما كان لا طريق لمعرفة الله إلا من طريق نفوسنا فإن هذا العالم الذى هو نسخه من العالم الكبير خلقه الله على صورته كما فى الحديث " من عرف نفسه عرف ربه " ...وقال تعالى : " سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِى الْآفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ " (فصلت 53) أمرنا بمعرفة النفوس ليحصل المقصود وهو بالصراط المستقيم الطريق الموصل لمعرفة النفس على الحقيقة الموصلة لمعرفة الله . والصراط هو :
(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ )
أنعمت عليهم بالمعرفة الحقيقية فإذا كان الغالب عليهم الإشتغال بك عشقوك وعشقتهم فرفعت الحجاب فيما بينك وبينهم وتقربوا إليك بالنوافل فكنت أسماعهم وأبصارهم وأيديهم وأرجلهم وألسنتهم و أفئدتهم فكنت إياهم وكانوا إياك من غير إتحاد ولا حلول .
( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ )
كمن يعبد غيره بمحبته وتغيير قلبه وإستعان به إذا إتكل عليه وهو على مراتب فمنه :
غضب وسخط وطرد كغضبه على اليهود ومن نحا نحوهم .
ومنع غضب تأديب ما وقع لعامة الناس من الحدود والزواجر.
ومنه غضب غيره ما يقع لأوليائه .ولهذا أمر الله الخليل بذبح ولده إسماعيل لأنه جاءه على الكبر ففرح به ومال إليه بقلبه بعض الميل ومال إليه إسماعيل كذلك فغار الحق عليهما فأمره بذبحه .
فلما إمتثل لجميع ما أمر به وحصل تفريق قلب كل من صاحبه فداه الله تعالى من الذبح وكذا فعل بيوسف ما فعله على يد إخوته لأنه لما تعلق قلب أبيه به لما تفرسه من النور النبوى ولما مال يوسف لأبيه إبتلى بالرمى فى الجب .
ثم لما لم يبق له سوى التعلق بالحق أوحى إليه لمجرد الإلقاء فقال : " وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ "(يوسف 15) فجاءته النبوة عندما خلص قلبه من جميع ما سوى الله وخلص قلب أبيه فقال : " إِنَّمَآ أَشْكُواْ بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللهِ " (يوسف 86).
( وَلَا الضَّآلِّينَ )
عن طريق معرفة نفوسهم فلم يعرفوا ربهم إما عن طريق الدليل والبرهان كمعرفة النصارى وجعلهم الله ثالث ثلاثة أو شهود عيان كمعرفة عامة الناس لضلالتهم عن هذة المرتبة لعدم معرفة طريق نفوسهم التى هى السبيل لمعرفة الله بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم : وكلام الله تعالى فى غير ما موضوع فيه وأما من أيده الله فوفقه لذلك السبيل فنال المنى وأزال عنه العناء وقليل ما هم .