عدد المساهمات : 4107 تاريخ التسجيل : 30/01/2009 العمر : 38 الموقع : المشرف علي المنتدي
موضوع: حاجتنا إلى الصبر الأحد يونيو 28, 2009 10:57 am
حاجتنا إلى الصبر
بسم الله الرحمن الرحيم لفضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط إمام الحرم المكي الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيّها المسلمون، دَيدنُ المؤمن الحقّ وسِمَته التي يمتاز بها ونهجُه الذي لا يحيدُ عنه شكرٌ على النّعماء وصَبر على الضراء، فلا بَطَرَ مع النعَم، ولا ضَجر مع البلاء، ولِمَ لا يكون كذلك وهو يتلو كتابَ ربه الأعلى وفيه قوله سبحانه: وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد [إبراهيم:7]، وفيه قولُه عزّ اسمه: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب [الزمر:10]، وقولُه سبحانه: واصبروا إن الله مع الصابرين [الأنفال:46]، إلى غير ذلك من الآياتِ الكثيرة الدالّة على هذا المعنى.وبيَّن رسول الله جميلَ حال المؤمن في مقامِ الشكر والصبر وكريمَ مآله، فقال: «عجبًا لأمرِ المؤمن، إنّ أمره كلَّه خير، وليس ذلك لأحدٍ إلاّ للمؤمن، إن أصابَته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له» [أخرجه مسلم في صحيحه]، فالعَبد ما دام في دائرة التكليف فمناهج الخير مُشرَعَةٌ بَين يديه، فإنّه متقلّبٌ بين نِعمةٍ وَجب شُكرُها ومُصيبة وجَب الصبر عليها، وذلك لازمٌ له في كلِّ أشواط الحياة. ولقد كان للسَّلف رضوان الله عليهم أوفَرُ الحظّ وأروع الأمثال في الشّكر والصبر، ممَّا جعل منهم نماذجَ يُقتَدَى بها ومناراتٍ يُستَضاء بها وغاياتٍ يُنتهَى إليها في هذا البابِ، حيث كان لهم في صدرِ الإسلام وقفاتٌ أمام صولةِ الباطل وما نالهم منه من أذى ونكال وما صبَّ عليهم هذا الباطل من عَذاب، فلم يزِدهم الأذى والنّكال والعذاب إلا صبرًا وثباتًا على الحقّ وصمودًا وإصرارًا على مقارعةِ المبطلين. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشحَذ عزائِمَهم ويحفز هممَهم إلى لزومِ الجادّة والاستمساك بالهدى وعدَم الحيدة عن صراطِ الله مهما اعترَض سبيلَهم من عوائق ومهما نزلَت بهم المحن ونجمَتِ الخطوب، فلمّا سأل خبّاب بن الأرتّ رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتدّ عليه وعلى أصحابه الأذى، حين سألَه أن يدعوَ لهم ويستنصرَ لهم، قال صلوات الله وسلامه عليه: «لقد كان من قَبلكم يؤخَذ الرجل فيحفر له في الأرض حفرة، فيجعَل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضَع على رأسه فيجعَل نصفين، ويمشَط بأمشاطِ الحديد ما دونَ لحمه وعَظمه، ما يصدّه ذلك عن دينه» [أخرجه البخاري في صحيحه] وأورثهم ذلك تمكينًا في الأرض وعزًّا وانتصارًا تهاوَت معه عروش الأكاسرَة والقياصِرة تحت أقدامهم، فكانت لهم الحياة الطيّبةُ التي كتَبها الله لهم كِفاءَ ثباتهم وصبرهم وشكرِهم على ما خوّلهم ربهم من وافرِ النِّعَم وكريم الآلاء. ثم خلف من بعدهم خلفٌ فَتّ في عضدهم صروفُ الدهر ونوائب الأيام، ونالت من عزائِمهم وحادَت بهم عن الجادّة مضلاَّت الفِتن، فإذا هم لا يعرَفون بشكر إزاءَ نِعمة، ولا بصبرٍ أمام محنةٍ، فهم داخلون فيمن وصف سبحانه واقعَه بقوله: ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين [الحج:11]. فترى منهم الذي يجوِّز على الله الظلمَ في حكمه ويتَّهمه في عدلِه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، لا حديثَ له في غير الاعتراض على ربِّه أن أغنى فلانًا أو أفقرَ فلانًا أو رفَع هذا ووضَع ذاك، وربما قال: لِمَ هذا يا ربّ؟! وكأنّه يتغافل أو يغفل عن قوله سبحانه: أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون [الزخرف:32]، وعن قوله عز من قائل: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون [الأنبياء:23]. وترى منهم من استولى عليه اليأسُ واستبدَّ به القنوط، فحين تنزل به نازلة أو تؤرِّق ليلَه مشكلةٌ أو تثقل كاهِلَه ديونٌ أو يصاب بخسارةٍ ماليّة في صفقة عقَدَها أو حكِمَ عليه بحكمٍ في قضية أو مُنِيَ بفشل في حياته الزوجيّة أو فَقدَ حبيبا في سقوطِ طائرة أو غرق سفينة أو حادثِ سَير فربما مضى مندفِعًا بقصدِ وضع حدٍّ لشقائِه في زعمِه ونهايةٍ لمتاعبه وآلامه، ويتبعُ خطوات الشيطان، ويقَع فريسةً لتزيِينه وتسويله، ويقتل نفسَه، ويتجرَّع كأس الموت بيده، إمّا بشنقٍ أو باحتساءِ سمٍّ أو بالتردّي من شاهق أو بغير ذلك من الوسائل، ولا يكون من وراء ذلك إلا غضَب الله سبحانه وسخَطه وأليم عقابه؛ إذ ظنَّ هذا أنّه بقتل نفسه يفضِي إلى عيش لا نغصَ فيه وحياةٍ لا كَدَر فيها، لكن الله تعالى بمقتضى عدله وحكمته عامَله بنقيض مقصودِه، فأعدّ له عقابًا من جنس عمله، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: «من قتل نفسَه بحديدة فحديدتُه في يده يتوجّأ بها في بطنه في نار جهنّم خالدًا مخلّدا فيها أبدًا، ومن شرب سمًّا وقَتل نفسَه فهو يتحسّاه في نار جهنم خالدًا مخلَّدا فيها أبدًا، ومن تردّى من جبل فقَتل نفسَه فهو يتردّى في نار جهنّم خالدًا مخلَّدا فيها أبدا»، وقال عليه الصلاة والسلام أيضًا: «كان فيمن كان قبلَكم رجلٌ به جُرحٌ فجزِع، فأخذ سكّينًا فحزّ بها يدَه، فما رَقأ الدّم حتى مات، فقال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسِه، حرّمتُ عليه الجنة». [أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما] وإنه ـ يا عبادَ الله ـ لوعيدٌ تقضّ له مضاجعُ أولي النهى وتهتزّ له أفئدة أولي الألبَاب، فأيُّ وعيدٍ وأيّ حِرمان أعظم من هذا الوعيد وهذا الحرمان؟! فاتّقوا الله عبادَ الله، واقطعوا أشواطَ الحياة بإيمان راسخٍ ويقين ثابتٍ وتوكّل على ربّكم الأعلى وتسليمٍ له وإنابةٍ إليه وتصدِيق بأن كلّ قضاءٍ يقضي الله به ففيه الخير لعبده عاجلاً كان ذلك أو آجلا، فإنّه سبحانه أرحم بعبادِه من الأمّ بولدها، وأعلَمُ بما ينفعُهم على الحقيقةِ ممّا يضرُّهم، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون [البقرة:216]. واذكروا أنَّ من آياتِ الإيمان الصبرَ على البلاء والشكرَ على النعماء، وصدَق سبحانه إذ يقول: ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم [التغابن:11]. جاء في تفسيرِها قولُ بعضِ السّلَف: "هو العبدُ تصيبه المصيبةُ فيعلَم أنها من عند الله فيرضَى ويسلّم". إنّه ـ يا عباد الله ـ معيارُ الإيمان الصادِق الذي لا يتزلزَل واليقينِ الكامل الذي لا تُضَعضِعه صروف الدّهر وفواجعُ الأيام. فاتقوا الله عباد الله، واذكروا على الدَّوام أنَّ الله تعالى قَد أمَركم بالصّلاةِ والسّلام على خير خلقِ الله محمد بن عبد الله، فقال سبحانه في كتاب الله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً << [الأحزاب:56]. اللّهمَّ صلِّ وسلِّم علَى عَبدِك ورَسولِك محَمَّد، وَارضَ اللَّهمَّ عَن أصحاب النبي أجمعين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
التوقيع رباه سامحني اني لعفوك طالب وعند بابك لا ترد المطالب انت مولاي واليك نجواي وليس لي غير كتابك صاحب مهما فعلت الهي اني مقصر فليس بعد رحمتك وعفوك غالب