الهجر وأثره على المسلمين
الهجر وأثره على المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المنعم الوهاب، الرحيم التواب، أنعم علينا بدين الإسلام وأمرنا بالتآلف والوئام، ونهانا عن التفرق والخصام.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبي الرحمة ورسول السلام، دعا إلى الوحدة والصف وجمع الكلمة وضم الشمل وحرم الهجر والمشاحنة وشدد في تحريمها وتوعد عليهما بدخول النار واستحقاق غضب الجبار. وعلى آله الأطهار وصحابته الأبرار.
يا سيد السادات يا باب الحمى *** يامن على الرسل الكرام تقدما
صلى عليك الله يا علم الهدى، ما هبّت النسائم وما ناحت على الأيك الحمائم
أما بعد
فيا حماة الإسلام وحراس العقيدة.
أريد أن أتكلم حول مسألة الهجر وبأنها بدعة شركية حيث أبتدعها المشركون وأنها حرام على المسلمين بين بعضهم البعض، فإليكم البيان لذلك في هذا الشهر الفضيل وأسأل الله العلي القدير أن يجعلنا وإياكم من عتقاء من النار بجاه حبيبه محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
من المقرر المعلوم أن الشخص إذا ضعف في ميدان المناظرة واحتجاجه وأختل برهانه ولم يسعفه بيانه ووجد مناظره قوي الحجة صحيح البرهان واضح البيان لم يجد سبيلا لمقاومته إلا أن يهجره ويوصي بهجره حتى لا يتأثروا بحسن منطقه فينضموا إليه، وهذا ما فعله المشركون في مقاومة دعوة التوحيد، وهي الدعوة التي أبدتها قضايا العقول وشهد بصحتها الفطرة السليمة.
ومن المشركين من لجأوا في محاربة الدعوة إلى طريقة بدائية حين كان العقل الإنساني مازال في دور طفولته، وعندك قصة نبي الله نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام كما هو في سورة نوح عند قوله تعالى : { وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا } يقول سيدنا ابن عباس – رضي الله عنهما – يجعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا ما يقول، واستغشوا ثيابهم أي غطوا بها وجوههم لكيلا يروا نوحا ولا يسمعوا كلامه.
حتى الأطفال إذا تنازعوا في شيء من لعبهم يضع أحدهم إصبعه في أذنيه لئلا يسمع كلام منازعه ليغيظه بذلك، فنرى أن عمل قوم نوح عمل صبياني.
وهناك من المشركين من استعملوا طريقة أخرى ألا وهي عملية التشويش كما يفعل الآن الدول المتحاربة تشويش إذاعات الدولة الأخرى المعادية، فالمشركون استعملوا هذا الأمر ضد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك عند قوله تعالى: { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه لعلكم تغلبون }
يقول ابن عباس : كان النبي –صلى الله عليه وآله وسلم – وهو بمكة إذا قرأ القرآن يرفع صوته فكان المشركون يطردون الناس عنه ويقولون: لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه أي بالتصفير والتخليط والمنطق.
قال قتادة : وألغوا فيه يقولون اجحدوه أنكروه وعادوه. ومنهم من يضيف إلى النهي عن سماعه وسبه وسب من أنزله، يقول ابن عباس: فكان النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وهو متوار بمكة إذا صلى بأصحابه، رفع صوته بالقرآن فإذا سمع ذلك المشركون، سبوا القرآن ومن أنزله، ومن جاء به فقال تعالى لنبيه: { ولا تجهر بصلاتك ..الآية } .
حتى أن المشركون في مكة إذا جاءهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعوهم للإسلام اعرضوا وتولوا عنه وتركوه فذلك قال تعالى : { فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة }. .
إذن نرى أن المشركون اعرضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوه ويأمرون الناس بهجره وعدم الجلوس إليه مع سبه وشتم القرآن الكريم ومن أنزله حيث يقولون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجنون أو كذاب أو ساحر أو كاهن أو فيه مس من الشيطان وهكذا حتى أن الوليد بن المغيرة اجتمع معهم أن يتفقوا عليه بلقب واحد حتى لا تتفرق كلمتهم فيه فيعلم الناس ومن يأتي مكة على كذبهم وتفرقهم، فأخذوا يتشاورون حتى اتفقوا أن يسموه بالساحر.
فهذه حملة إعلامية ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يجعلوه وحيدا مهجورا في مكة لا يجلس إليه أحد ولا يستمع إليه أحد وفي هذا الأمر قصص واضحة في سيرته وسيرة بعض من الصحابة في بداية إسلامهم كيف كانوا من قبل إسلامهم على حذر منه لئلا يسمعوا كلامه ولا يجلسوا إليه كما هو معروف في قصة سيدنا طفيل بن عمرو الدوسي – رضي الله عنه – كيف كان يضع الكرسف وهو القطن في أذنه حتى لا يسمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثا.
وقوله تعالى: { وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا }
يقول ابن زيد: بغضا لما يتكلم به لئلا يسمعوه كما كان قوم نوح يجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا ما يأمرهم به من التوبة والاستغفار. وكذلك أزر في مقام والد إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام قال له: { أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم، لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا }
أي اهجرني دهرا طويلا حتى لا أسمع دعوتك ولا أسمع كلامك عن ربك.
وكذلك ما فعل المشركون معه صلى الله عليه وآله وسلم ومع عشيرته وهم بنو هاشم عندما أخذت تمنعه وتناصره قامت قريش واتفقوا على مقاطعة بني هاشم كلهم وحاصروهم في شعب أبي طالب لمدة سنتين فظلوا لخلال هذه فترة في ضيق من العيش والقصة مبسوطة في السيرة فلا داعي لسردها.
ورحم الله القائل حيث يقول: إذا رأيت شخصا يشتم مناظره في مسألة فألعلم أنه خسر القضية.
خلاصة القول:
يتبين أن المشركين توافقوا على الهجر الذي جعلوه سلاحا ضد رسول الله منذ عهد قوم نوح إلى عهد كفار قريش، فعليه يكون الهجر بدعة شركية أساسها هم المشركون وذلك لضعف حجتهم وعدم إرضاخهم للحق عندما يتبين لهم فيقومون بالهجر ومع الشتم والتشير وإشاعة الكذب حوله حتى يبتعد الناس عنه.
بينما نرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يهجرهم ولم يأمر على هجرهم بل كان حريص على هدايتهم ويجلس في ناديهم ويكلمهم وكان يصل الرحم ويعين على النوائب ويأمر بمكارم الأخلاق كما قال عنه عمه أبو طالب وابن عمه الطيار جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وكذلك أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
هناك تنبيه:
إن ما ابتدعه المشركون الكفار أعداء الله لا يمكن أن يشرعه الله تعالى لأوليائه المؤمنين لا وجوبا أو ندبا حتى يتعالمون بها فيما بينهم بل إنما شرعه ليعاملوا بها الكفار، بمعاملة بالمثل، عندك مثلا الاسترقاق، كان معمولا به في الجاهلية ولما ظهر الإسلام كان معمولا به ضد الكفار إذا جاهدناهم نسترق منهم وذلك معاملة بالمثل، ولكن الله تعالى حرم ذلك على الخوارج والبغاة من المسلمين.
إذن فهجر الكفار والمشركين جائز بمعاملة بالمثل قال تعالى :{ واهجرهم هجرا جميلا، وأعرض عن المشركين } ولكن هذا الأمر بين المسلمين جعله حراما لما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا يهجر المسلم أخاه المسلم فوق ثلاث أيام.
---------------------------------------------
إإذن كما تقدم أن الهجرالمسلم لأخيه المسلم فوق ثلاثة أيام حرام كما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك لأن الذي يروي هذا الحديث أعداد كثيرة من الصحابة منهم أسيادنا أنس بن مالك و وأبو أيوب الأنصاري وسعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وأم المؤمنين عائشة وابن عباس وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبو موسى الأشعري وعوف بن مالك وابن عمرو بن العاص وأسامة بن زيد وجابر بن عبدالله وهشام بن عامر وأبو بكر الصديق وغيرهم رضي الله عنهم جميعا.
حيث قام الإمام الحافظ السيد/ عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري الحسني رحمه الله واعلى درجته، بإثبات هذا التواتر في كتابه.
و ضرر هذا الهجر على مجتمعنا فيه حكم .
منها أنه بدعة شركية كما مر بيانه والإسلام إنما جاء لمخالفة المشركين في بدعهم خصوصا ما اتخذوه سلاحا لمحاربة الدعوة الإسلامية.
ومنها أنه مناف لروح الإسلام ومباين له، فالإسلام يدعوا إلى التواصل والتوادد والتعاطف والتآلف أما الهجر يؤدي إلى التقاطع والتدابر والتباغض .
ومنها أن الإسلام يدعوا إلى إبداء النصيحة ويؤكد وجوبها حتى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
(( الدين النصيحة...........الحديث ))
أفاد هذا الأسلوب البليغ أن الدين منحصر في النصيحة إيذانا بأنها من أهم مقاصد الإسلام ومن أحق تشريعاته بالاهتمام وهي لا تخص بالعلماء وأولو الأمر بل تطلب من كل من يستطيع القيام بها كالرجل في بيته والتاجر في متجره والصانع في مصنعه والأخ لأخيه والصديق لصديقه.فلا شك أن الهجر يعطل النصيحة إذ لا يمكن أن يتناصح المتهاجران هذا معرض عن هذا.
منها أن الهجر يعطل طاقة الخير للمتهاجران لبعضهم البعض فلا يتعاونان على فعل البر والخير ولا يجتمعان على النصيحة.
ومنها أن الهجر يؤدي إلى قبض يد العون والمساعدة عن المهجور وإن كان الهجر للوالدين يكون عقوقا وإن كان للأقارب وذوي الرحم أصبحت قطيعة رحم، فالعاق وقاطع رحمه لايدخلان الجنة.
ومنها أن الهجر أمر سلبي لا يمنع عاصيا من معصيته ولا يرد مبتدعا عن بدعته بل يبقى المهجور على ما هو عليه.