عن أبي مسلم الخولاني قال أتيت مسجد دمشق فإذا حلقة فيها كهول من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وإذا شاب فيهم أكحل العين براق الثنايا كلما اختلفوا في شيء ردوه إلى الفتى قال قلت لجليس لي من هذا قالوا هذا معاذ بن جبل وعن الواقدي عن أشياخ له قالوا كان معاذ رجلا طوالا أبيض حسن الشعر عظيم العينين مجموع الحاجبين جعدا قططا وعن ثور بن يزيد قال قال كان معاذ بن جبل إذا تهجد من الليل قال اللهم قد نامت العيون وغارت النجوم وأنت حي قيوم اللهم طلبي للجنة بطيء وهربي من النار ضعيف اللهم اجعل لي عندك هدى ترده إلي يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد وعن عاصم بن حميد عن معاذ بن جبل قال لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته فلما فرغ قال يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ولعلك تمر بمسجدي هذا وقبري فبكى معاذ خشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة فقال إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا كان شهد طاعون عمواس فقال الناس لمعاذ ادع الله أن يرفع عنا هذا الرجز فقال إنه ليس برجز ولكنه دعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم وشهادة يختص الله بها من يشاء من عباده منكم أيها الناس أربع خلال من استطاع منكم أن لا يدركه شيء منها فلا يدركه شيء منها قالوا وما هن قال يأتي زمان يظهر فيه الباطل ويصبح الرجل على دين ويمسي على آخر ويقول الرجل والله لا أدري على ما أنا لا يعيش على بصيرة ولا يموت على بصيرة ويعطى الرجل من المال مال الله على أن يتكلم بكلام الزور الذي يسخط الله اللهم آت آل معاذ نصيبهم الأوفى من هذه الرحمة فطعن ابناه فقال كيف تجدانكما قالا يا أبانا الحق من ربك فلا تكونن من الممترين قال وأنا ستجداني إن شاء الله من الصابرين ثم طعنت إمرأتاه فهلكتا وطعن هو في إبهامه فجعل يمسها بفيه ويقول اللهم إنها صغيرة فبارك فيها فإنك تبارك في الصغيرة حتى هلك فلما حضرت معاذ بن جبل رضي الله عنه الوفاة قال : اللهم إني كنت أخافك ،وأنا اليوم أرجوك ، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار ، ولكن لظمأ الـهواجر، ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر . فلما اشتد به النزع كان كلما أفاق فتح طرفه ثم قال : رب اخنقني خنقك فو عزتك تعلم أن قلبي يحبك