عدد المساهمات : 4107 تاريخ التسجيل : 30/01/2009 العمر : 38 الموقع : المشرف علي المنتدي
موضوع: في محاسبة النفس هااااااااااااااااااااام جدا الأحد يونيو 07, 2009 7:52 am
في محاسبة النفس
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اعلموا وفقنا الله وإياكم أنه يجب على الإنسان أولاًأن يعلم أنه عبد مربوب لا نجاة له إلا بتقوى الله ولا هلاك عليه بعدها ثم يفكر (لأي شيء خلقه الله ولما خرج في هذه الدار الفانية فيعلم أنه لم يخلق عبثاً كما قال الله " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً " وقال" أيحسب الأنسان أن يترك سدى" وإنما وضع في هذه الدار للبلوى والاختيار هل يطيع ربه فينتقل إلى دار نعيم أبدي سرمدي أو يعصي ربه فينتقل إلى عذاب الأبد وبئس المهاد وإذا فهم ذلك علم أنه لا نجاة له إلا بطاعة ربه وأن الدليل على طاعة العلم ثم العمل بأمره ونهيه في مواضعه وعلله وأسبابه ولن يجد ذلك إلا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لأن الطاعة سبيل النجاة والعلم هو الدليل على السبيل قال تعالى" فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك" ثم يتأمل ما أمامه من الشدائد والكرب والعقبات والأهوال التي أوضحها الله في كتابه وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون" وقوله "ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة غلا أحصاها" وقال "يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بنا عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد" وكثير من الأيات في ذلك.
فإذا علم أنه مناقش في الحساب عن مثاقيل الذر في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة أحوج ما يكون إلى الحسنات وغفران السيئات تحقق أنه لا ينجيه من هذه الأخطار إلا اعتماده على الله ومعونته على محاسبة نفسه ومراقبتها ومطالبتها في الأنفاس والحركات ومحاسبتها في الخطرات واللحظات فمن حاسب قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه وحضر عند السؤال جوابه وحسن منقلبه ومآبه.
قال ابن القيم رحمه الله : هلاك القلب من إهمال محاسبتها ومن موافقتها وإتباع هواها وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني" دان نفسه أي حاسبها.
وذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله أنه قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم وتزينوا للعرض الأكبريؤمئذ تعرضون لا تخفى عليكم خافية" على الله وقال: إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه وكانت المحاسبة من همته .
وقال ميمون بن مهران : لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك ولهذا قيل النفس كالشريك الخوان إن لم تحاسبه ذهب بمالك . وذكر الإمام أحمد عن وهب قال مكتوب في حكمة داود
حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه. وساعة يحاسب فيها نفسه. وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدونه عن نفسه. وساعة يخلى فيها بين نفسه وبين لذتها فيما يحل ويجمل فإن في هذه الساعة عوناً على تلك الساعات وإجماما للقلوب .
وقال الحسن: المؤمن قوام على نفسه لله وإنما يخف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا وإنما الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة.
قال ابن القيم رحمه الله على قول صاحب المنازل : المحاسبة لها ثلاثة أركان أحدها أن تقايس بين نعمته وجنايتك يعني تقايس بينما من الله وما منك فحينئذ يظهر لك التفاوت وتعلم لأن الرب رب والعبد عبد ويتبين لك حقيقة النفس وصفاتها وعظمة جلال الربوبية وتفرد الرب بالكمال والأفضال وأن كل نعمة فضل وكل نقمة منه عدل وأنت قبل هذه المقايسة جاهل بحقيقة وبربوبية فاطرها وخالقها.
فإذا قايست ظهر لك أنها منبع كل شر وأساس كل نقص وأن حدها الجاهلة الظالمة وأنه لولا فضل الله ورحمته بتزكيته لها ما زكت أبداً ولولا هداه ما اهتدت ولولا إرشاده وتوفيقه لما كان لها وصول إلى خير البته وإن حصول ذلك لها من بارئها وفاطرها ثم تقايس بين الحسنات والسيئات فتعلم بهذه المقايسة أيهما أكثر وأرجح قدراً وصفة.
ومحاسبة النفس نوعان:
أما الأول : فيقف عند أول همته وإرادته ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه قال الحسن: رحم الله عبداَ وقف عند همه فإن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر . الثاني: محاسبة بعد العمل .
وفي محاسبة النفس عدة مصالح: ـ الإطلاع على عيوبها ومن لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته ومن ذلك أنه لولا أن الله وفق العبد لمحاسبته لشقى في القيامة . ـ أن المحاسبة من الكياسة . ـ استراحة المحاسب من التعب الطويل يوم القيامة ومن ذلك لا يتحسر المحاسب في القيامة كالذين لم يحاسبوا أنفسهم. ـ تمرير النفس على العبادة. ـ ان المحاسبة تضعف الأعمال السيئة وتوقفها . ـ تحض الإنسان على الأعمال الصالحة . ـ أنها تخلص النفس من العُجب ورؤية العمل. ـ أنها تفتح للإنسان باب الذل والانكسار والخضوع لله . ـ أنها تدعوا الإنسان أن ينظر حق الله تعالى عليه. ـ أنها توجب للإنسان أن يمقت نفسه ويعلم أن النجاة لا تحصل إلا بعفو الله ورحمته.
فحق على الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها وسكناتها وخطواتها و إذا حاسب نفسه فرآها قد فارقت معصية أن يتوب توبة نصوحا ويتبع السيئة بالحسنات التي تمحوها فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها)
فكل نفس من أنفاس العمرجوهرة نفيسة لا يمكن أن يشتري بها كُنزاً من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبد الآباد فإضاعة هذه الأنفاس أو مشترَى صاحبها بها ما يجلب هلاكه خسران عظيم لا يسمح بمثله إلا أجهل الناس وأحمقهم وأقلهم عقلا وإنما يظهر لهم هذا الخسران يوم التغابن ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سؤء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً).
اللهم يا من خلق الإنسان في أحسن تقويم وبقدرته التي لا يعجزها شيء يحيي العظام وهي رميم نسألك أن تهدينا إلى صراطك المستقيم وان تمن علينا بإصلاح عيوبنا وتجعل التقوى زادنا وفي الدنيا اجتهادنا وعليك توكلنا واعتمادنا واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلين الأحياء منهم والميتين برحمتك ياأرحم الراحمين. [من كتاب موارد الظمآن لدروس الزمان]
اللهم ارزقنا محاسبة النفس قبل الذنب ومحاسبتها إذا وقعت في الذنب والتوبة من كل ذنب والرجوع إلى من يغفر الذنب .آمين.