هناك وبعد أن تأتينا المنية نفقد كل سلطان وجبروت الحياة ولا يبقى لنا سوى شىء واحد إما ان يكون القبر لنا:
نوراً وأنيسا .
وإما أن يكون:
ناراً وعذابا إلى يوم الدين
وأول ما يموت العبد يدخل قبره وهو أول منازل الآخرة دار البقاء وسوف أعرض عليكم ما قد
يحدث لكل مسلم فيها وسوف أتكلم عن نقاط محددة ألا وهى:
فى اجتماع الموتى الى الميت
فى كلام القبر عن نزوله اليه
فى اجتماع أعمال الميت عليه من خير أو شر
حال الميت عند نزولة القبر وسؤال الملائكة
فى اجتماع الموتى الى الميت
نعلم يا اخوان ان عند نزول القبر كثير من الاشياء تحدث لنا فى القبر من عذاب او نعيم ومن الاشياء التى اول مرة اسمعها الحقيقة هى ان الموتى يكلمون الميت ويسالونه ما أخبار فلان ما أخبار فلانة من مات من تزوج واشياء كثيرة واذا سألوه عن رجل مات قبله قال مات قبلى قالوا انا لله وانا إليه راجعون ، ذهب به الى أمه الهاوية ، فبئست الأم وبئست المربية .
وهناك احتفال من اهل الميت الى ميتهم اللذين تقدموا من الموتى
يا اخوان ان نعم الاخرة اكبر وافضل من نعم الدنيا . لا تغرك الدنيا يا عبدالله
فى كلام القبر عن نزوله اليه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { القبر إما روضه من رياض الجنة او حقرة من حفر النار}
ان للقبر لسان ينطق به يقول: يا ابن ادام كيف نسيتني ، الم تعلم أنى بيت الوحشة، وبيت الغربة ، وبيت الدود، وبيت الضيق، إلا ما وسع الله عزوجل .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الميت يقعد وهو يسمع خطى مشيعيه ، فلا يكلمه شئ الا قبره فيقول : ويحيك يا بنى ادم اليس قد وحذرت ضيقى وهولي ودودى فما اعددت لي.)
فى اجتماع اعمال الميت عليه من خير او شر
روى حماد ابن سلمة عن محمد بن عمرو بم علقمة ، عن ابى سليمة ، عن ابى هريرة عن النبى صلى اللع علية وسلم ، قال (( والذى نفسي بيده انه ليسمع خفق نعالكم حين تولون عنة فإن كان مؤمنا ، كانت الصلاة عند لاأسه ، والزكاة عن يمينة ، والصوم عن شماله ، وفعل الخيرات والمعروف والاحسان الى الناس عند رجليه . فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة ليس من قبلي مدخل ، فيؤتى عن يمينه ، فتقول الزكاة ليس من قبلى مدخل ، ثم يؤتى عن شماله فيقول الصوم ، ليس من قبلى مدخل ، ثم يؤتى من قبل رجليه ، فيقول فعل الخيرات والاحسان الى الناس ليس من قبلى مدخل .
فيقال له اجلس ، فيجلس وقد مثلت الشمس للغروب فيقولون له ما تقول فى هذا الرجل الذى بعث فيكم ، فيقول : أشهد انه رسول الله صلى الله عليه وسلم جائنا بالبينات من عند ربنا فصدقناه واتبعناه فيقال له صدقت وعلى هذا حييت وعلى هذا مت وعليه تبعث ان شاء الله ، فيفسح له فى قبره مد بصره ، فذلك قوله تعلى (( يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت فى الحييوة الدنيا وفى الأخرة)) فيقال افتحوا له باب الى النار فيقال هذا منزلك لو عصيت الله ، فيزداد غبطة وسروراً. فيعاد الجسد الى ما بدئ منه ، وتجعل روحه نسم طير معلق فى شجر الجنة .
واما الكافر فيؤتى فى قبره من قبل راسه ، فلا يوجد -- يعنى شيئا ، فيجلس خائفاً مرعوبا فيقال له: ما تقول فى هذا الرجل الذى بعث بعث فيكم وما تشهد به ؟ فلا يهتدي لاسمه ، فيقال محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول : سمعت الناس يقولون شيئا فقلت كما قالوا : فيقال له صدقت على هذا حييت وعليه مت وعليه تبعث ان شاء الله ويضيق عليه قبره حتى تختلف اضلاعه ، فذلك قوله تعالى (( ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا)) طه: 124
فيقال : افتحوا له باباً الى الجنة ، فيفتح له باب الجنة ، فيقال هذا منزلك وما أعد الله لك لوكنت أطعته ، فيزداد حسرة وثبوراً ، ثم يقال / افتحوا له بابا الى النار ، فيفتح له باب اليها ، فيقال له هذا منزلك ، وما أعد الله لك ،فيزداد حسرة وثبوراُ))
حال الميت عند نزولة القبر وسؤال الملائكة
الباب الاول: حال الميت عند نزولة القبر وسؤال الملائكة له وما يفسح له فى قبرة او يضيق عليه وما يرى من منزله فى الجنة او النار
قال الله تعلى ((يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ))قد دلت الأدلة على أن المؤمن ينعم في قبره ، حتى تقوم الساعة فينتقل بفضل الله ورحمته إلى النعيم الذي لا ينفد ولا ينقطع وهو نعيم الجنة . جعلنا الله تعالى من أهلها .
وهذه بعض صور مما ينعم به المؤمن في قبره :
1- يفرش له من فراش الجنة .
2- ويلبس من لباس الجنة .
3- ويفتح له باب إلي الجنة ، ليأتيه من نسيمها ويشم من طيبها وتقر عينه بما يرى فيها من النعيم .
4- ويفسح له في قبره .
5- ويبشر برضوان الله وجنته . ولذلك يشتاق إلى قيام الساعة .
فعن البراء بن عازب : قال : « خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله وكأن على رءوسنا الطير وفي يده عود ينكت في الأرض فرفع رأسه فقال استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا ثم قال إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول
يا أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض قال فيصعدون بها فلا يمرون يعني بها على ملإ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب فيقولون فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهى به إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى قال فتعاد روحه في جسده
فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولان له وما علمك فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فذلك قول الله عز وجل يثبت الله الذين آمنوا الآية فينادي مناد في السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره قال ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي . . . » الحديث رواه أحمد (17803) وأبو داود (4753) وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" ( ص 156 ) .
6- سروره برؤيته مقعده من النار الذي أبدله الله عز وجل به مقعدا من الجنة
روى أحمد (10577) عن أبي سعيد الخدري قال « شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فإذا الإنسان دفن فتفرق عنه أصحابه جاءه ملك في يده مطراق فأقعده قال ما تقول في هذا الرجل فإن كان مؤمنا قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقول صدقت ثم يفتح له باب إلى النار فيقول هذا كان منزلك لو كفرت بربك فأما إذ آمنت فهذا منزلك فيفتح له باب إلى الجنة فيريد أن ينهض إليه فيقول له اسكن ويفسح له في قبره وإن كان كافرا أو منافقا يقول له ما تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فيقول لا دريت ولا تليت ولا اهتديت ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقول هذا منزلك لو آمنت بربك فأما إذ كفرت به فإن الله عز وجل أبدلك به هذا ويفتح له باب إلى النار ثم يقمعه قمعة بالمطراق يسمعها خلق الله كلهم غير الثقلين فقال بعض القوم يا رسول الله ما أحد يقوم عليه ملك في يده مطراق إلا هبل عند ذلك [أي ذهل] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت »صححه الألباني في تحقيق كتاب السنة لابن أبي عاصم (865) .
7- ينام نومة العروس .
8- وينور له قبره .
عن أبي هريرة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قبر الميت أو قال أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر والآخر النكير فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول ما كان يقول هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ثم ينور له فيه ثم يقال له نم فيقول أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولان نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك وإن كان منافقا قال سمعت الناس يقولون فقلت مثله لا أدري فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول ذلك فيقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه فتختلف فيها أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك »رواه الترمذي ( 1071 ) . والحديث : صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 1391 ) .
وإنما شبه نومه بنومة العروس لأنه يكون في طيب العيش . اهـ تحفة الأحوذي .
فهذا بعض النعيم الذي ينعم به المؤمن في قبره ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهله .