هل تريد أن يدافع الله عنك
هذا القبس من كتاب الله فيه بشارة وتطمين للمؤمنين بأنّ الله ـ جلّ في علاه ـ سيتولّى مهمّة الدفاع عنهم في مواجهة الأعداء، فليسوا بحاجة إلى محامين يذبّون عنهم إلا من سخّرهم الله بقدرته للقيام بهذه المهمة وربّما دون طلب من المؤمنين..ولعمر الله إنّها لمنزلة عالية، ودرجة رفيعة أن يكون الله ـ جلّ في علاه ـ هو المدافع عنك أيها المؤمن، فماذا يصنع بك الأعداء؟
لكن من هم هؤلاء الأعداء؟
إنّهم الخونة الكفرة؛ ولهذا ختم الله الآية بقوله: {إنّ الله لا يحبّ كلّ خوّان كفور}، فهم خوّانون؛ خانوا دينهم وأمّتهم ووطنهم، وباعوا أنفسهم للشيطان اللعين ولجنده المتربّصين بالمؤمنين من أعداء الملّة والدين، ورضوا بأن يكونوا أداة طيّعة في أيدي المعتدين.
ولمّا كان هذا الوصف مضادّاً للإيمان، ولا يصدر من مؤمن صادق؛ أضاف إليه وصف الكفر، وجاء الوصفان بصيغة تدلّ على المبالغة (خوّان/ كفور) للدلالة على أنّ صاحبهما قد ولغ فيهما ولوغاً استدعى أن يكون الله ـ جلّ في علاه ـ طرفاً في هذه المواجهة غير المتكافئة.
وهل لهذا الدفاع من شروط؟
نعم، له شرطان ذكرهما الله في موضع آخر، وهو قوله: {وإن تصبروا وتتّقوا لا يضرّكم كيدهم شيئاً.. }[آل عمران: 120].
فالأوّل: الصبر على أذى الأعداء، وتحمّل ما يصدر منهم من كيد ومكر وخيانة واستفزاز، وعدم استعجال النصر، بل عدم انتظاره، فالمعركة مع الباطل طويلة لا تكاد تنتهي، ومن فاته النصر من المؤمنين في الدنيا؛ فلن يفوته الأجر العظيم في الآخرة.
كما أنّ الصبر يقتضي ترك الانتصار للنفس والغضب لها، المفضي إلى تحويل المعركة من انتصار للحقّ والدين؛ إلى نزاع شخصي مهين.
والشرط الثاني: التقوى، فلا يحمله بغض أهل الباطل وجهادهم على ظلمهم والاعتداء عليهم وبخسهم شيئاً من حقوقهم المشروعة.
كما أنّ تقوى الله تقتضي ترك المعاصي والذنوب التي تعين الأعداء عليه، وتستوجب سخط الربّ وتخلّيه عن العبد.
بهذين الشرطين ينال المؤمن شرف دفاع الربّ عنه، ويا له من شرف عظيم.