المصطفي صلي الله عليه وسلم جعله الله نورا من نوره وباقي المؤمنين من ر
الحمد لله رب العالمين وعزت معرفته فلا يدرك بالأوهام والعقول· تمت كلمته وعلت سلطته فضَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعله معظَّما في الدنيا والآخرة وأنزل فيه السور ومعانيها وجعل نوره من نوره وباقى الخلق من رشحات نوره يقول سبحانه وتعالى { هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شئيا مذكورا . إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا } وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً رسول الله· اللهم صلِّ صلاة كاملة وسلِّم سلاماً تاماً على سيدنا محمد الذي تنحلُّ به العقد وتنفرج به الكرب وتقضى به الحوائج وتنال به الرغائب وحسن الخواتم ويستسقى الغمام بوجهه الكريم وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأحبابه وسلم، روى الدارمى عن أبى ذرالغفارى رضى الله عنه قال: (قلت يارسول الله كيف علمت أنك نبىٌّ حتى استيقنت؟ قال: يا أبا ذر أتانى ملكان وأنا ببعض بطحاء مكة فوقع أحدهما إلى الأرض وكان الآخر بين السماء والأرض، فقال أحدهما لصاحبه:أهو هو؟ فقال: نعم· قال: فزنه برجل· فرجحته·ثم قال: زنه بعشرة· فرجحتهم· ثم قال: زنه بمائة فرجحتهم· قال: زنه بألف·فرجحتهم· قال صلى الله عليه وسلم:كأنى أنظر إليهم يُنثَرونَ علىَّ من خفة الميزان . فقال أحدهما لصاحبه: لو وزنته بأمته كلها لرجحها·)
أما بعد فياأيها الأحباب.
إن معرفة حقيقة سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عجز عنها سائر البرية. وقد ورد أن معرفة حقيقته صعب المنال فقد قال صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر والذى بعثنى بالحق بشيراً ونذيراً لم يعلم حقيقتى غير ربى). فهو صلى الله عليه وسلم طلسمُ السر المكنون لا يطَّلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى· وما أدرك المسلمون إلا ظاهر صورته المحمدية· وهى التى عبَّر عنها سيدى أويس القرنى بالظل· أما حقيقته وسرُّه صلى الله عليه وآله وسلم فهو أمر انفرد به الحق عز وجل، أما كونه صلى الله عليه وسلم أول الخلق على الإطلاق فقد أشارت الآيات والأحاديث إلى هذه الحقيقه ويحتج المعترضون على كون سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أول الخلق فى عالم النور والأرواح، ويستدلون فى اعتراضهم بالآيات القرآنية والأحاديث والشريعة التى جاءت فى وصف حضرته بالبشرية ولوازمها، ويقولون إنه بشر مثلنا فكيف يكون نوراً، وغاب عنهم أن البشرية أتم مراتب الكمال الإنسانى، فهى التى قبلت النور ونفخ الروح فيها، وقالوا ما الفخر الا بالجسوم فإنها مولِّدة الأرواح ناهيك من فخر من وقفوا مع بشريته صلى الله عليه واله وسلم وغفلوا تماما عن عالم الأرواح فى قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم}·
فلا بد أن يكون لعالم الأرواح أصل وحقيقة، كما لابد أن يكون لعالم الأجساد أصل إذا قلنا أصل الأجساد سيدنا آدم فليس فى ذلك خلاف فلا بد أن يكون عالم الأرواح أصلا وهو عالم النور ويسميه الصالحون بالأعيان الثابتة، والذين يقفون مع بشرية النبى (ص) فهم بهذا المفهوم يقولون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثلنا ونحن مثله وهذا يؤدى إلى الخلط والعياذ بالله، وعليه يبرز أمامنا سؤال هل يوجد فى الصنف البشرى اثنين خلقهم الله متحدين فى أى شئ ؟ فى الشكل ؟ فى الصوت فى الإدراك فى الإحساس فى الذوق فى التذوق ؟ فى الطبع وهذا لم يتوافر فكيف حكمت بالمثلية لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ألم يقرأوا قول الحق سبحانه وتعالى {انظر كيف فضَّلنا بعضهم على بعض} فلابد من التفضيل ولابدَّ من التمييز· وإذا كان لابد من القياس فيجب أن نقيس بما قاس به الحق سبحانه وتعالى، فاذا قلنا أعلى درجة فى التفضيل بين الأجناس نقول الصنف البشرى ثم من الجنس البشري نقول الأولياء والصالحون وأعلى درجة فى التفضيل بين الأولياء نقول الأنبياء والمرسلون وأعلى درجة فى التفضيل بين الأنبياء والمرسلين نقول أولو العزم من الرسل، وأعلى درجة في التفضيل بين أولي العزم من الرسل نقول هو النبى صلى الله عليه وسلم فهذا هو القياس الصحيح هذا هو الأمر الواضح الذى لا يزيغ عنه إلا كل هالك·
فقد أجمع العلماء على أن النبى صلى الله عليه وسلم له الأفضلية والمزية على كل صورة ظهرت فى عالم الأحياء وفى عالم الأرواح وعالم النور ويقول بعض المعترضين: كيف قلتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الخلق رغم ان الاحاديث الصحيحة فى البخارى ومسلم وفى الجامع الكبير ومسند الامام احمد ورد بانه صلى الله عليه واله وسلم لما سئل عن اول ما خلق الله· قال: الماء وسئل ومرةً اخرى عن اول ما خلق الله فقال: القلم الاعلى وسئل مرة اخرى فقال: اول ما خلق الله العقل الاول· نقول نعم كل ماذكر صحيح وورد ايضاً كما روى الامام احمد عن النبى صلى الله عليه واله وسلم كنت نوراً بين يدى ربى قبل خلق ادم باربعة عشر الف عام وكذلك رواه الامام الترمذى وغيره عن أبى هريرة رضى الله عنه قال· قالوا يا رسول الله متى وجبت لك النبوة ؟ قال: وآدم بين الروح والجسد· وكذلك ما جاء فى مسند الإمام احمد عن ابى هريرة رضى الله عنه· قال النبى صلى الله عليه واله وسلم: إنَّ رب العزة خاطبه فقال: لولاك لولاك ما خلقت الافلاك· والامام البيهقى وابن عساكر عن سيدنا عثمان بن عفان بن ابى العاص رضى الله عنه قال: (حدثتنى امرأة شهدت ولادة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت: فما شئ انظر اليه فى البيت إلا نوراً اضاء البيت والدار حتى جعلنا لا نرى الا نورا)· والاحاديث الوارده فى أنه نور وانه اول الخلق كثيره ولكن الجامع لهذه الاحاديث التى قد يرى بينها تعارضاً عليه قبل ان يخوض فى شئ لا يعلمه ولايفهمه ان يسأل أهل الذكر والعلماء المتحققين؛ قال الامام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى رضى الله عنه: (ان كل اولويه ذكرت للقلم او للعقل او للماء إنما هى بالنسبة للعالم التى هى اساس له)· ولتوضيح هذا الامر نقول مثلاً: اصل الوجود او اول الايجاد لعالم الدنيا هو سيدنا ادم· فأوَّلية سيدنا ادم مقيدة بعالم الدنيا من حيث الصورة البشرية فهو اول، ولكن عالم العناصرالتي هي التراب والماء والهواء والنار· له اولية قبل ظهور سيدنا ادم· لان التراب اصل الإيجاد قبل ظهور الجسد {انى خالق بشراً من طين} فالطين له اولية ايضا· ولكن الدنيا الاراضين والسماء اين حقيقتها ومن اي شيء كانت· اسمع الى قوله تعالى: {أو لم ير الذين كفروا أن السماء والارض كانتا رتقاً ففتقناهما} فالسماء والارض كانت شيئاً واحداً فلها اولية بهذا الاعتبار وباختصار شديد فالقلم الأعلى أول عالم التدوين قد حصر ما يجرى فى الوجود وكذلك العقل الاول هو اول بالنسبة لعالم المعانى والادراكات وكذلك الماء أول بالنسبه للحياه التى هى قوام كل صوره وهو هنا بمعنى الروح· فعندما يقول النبىُّ صلى الله عليه وآله وسلم· أول ما خلق الله القلم، أول ما خلق الله العقل، أول ما خلق الله العرش، فكل شئ أول لعالمه، ولكن أولوية كل هذه العوالم مطلقة وأصلها هو النبى صلى الله وعلى اله وسلم فهى الاولية جامعة لكل أولية مذكورة فى الاحاديث التى سبق ذكرها· والدليل إنك ترى أيها الاخ المسلم أن الله سبحانه وتعالى أخبرعن أحوال الملأ الاعلى وأخبر عن القلم وأخبر عن العقل وعن الماء وعن العرش وأخبر عن صفات الجنات والنيران فهل يخبر عنها من غير مناسبة؟ فلابد من وجود مناسبة تؤهله لمعرفة ذلك كله·
أيها الأحباب نرجع سريعاً للادلة القرآنية يقول الحق سبحانه وتعالى {واذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مُصدِّق لما معكم لتؤمننَّ به ولتنصرنَّه قال أأقررتم واخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} 81 آل عمران · ففى تعبير سيدنا عبد الله بن العباس رضى الله عنهما قال: أخذ الميثاق على النبيين أن يبين بعضهم لبعض صفة النبى محمد ونعته وفضله وفى الجلالين المراد بلفظ الرسول فى الايه سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفى حاشية الصاوى على الجلالين· المراد بالرسول المعاهد فى الآية سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكذلك قال قتادة وذكر البكرىُّ بناء على التعبير السابق أن المعنى يكون أن النبى صلى الله عليه وعلى اله وسلم هو نبى الانبياء وأن الانبياء نواباً عنه· وجاء فى بردة الامام البصيرى رضى الله عنه·
وكل آىٍ أتى الرسلُ الكرامُ بها فـإنما اتصلـَّت من نوره بهم
فإنه شمس فضلٍ هم كـواكبها يُظهرن أنوارها للناس فى الظلم اللهم انفعنا به وكملنا بانواره صلي الله عليه وسلم