الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد…
سؤال أرق الإنسان منذ بدء الخليقة والى الآن… هذا السؤال هو…
ماذا سيحدث للإنسان بعد موته؟…
هل هو الانتهاء والفناء وذهاب الحياة ومظاهرها بالكامل من حركة وشعور وإحساس ووعي وإدراك؟ أم هو الانتقال بالحياة من طور إلى طور، ومن حال إلى حال، كما يحدث عند ولادة الطفل وخروجه إلى الحياة الدنيا من بطن أمه؟ وهل يحدث له التلف والعطب للجسم بأعضائه وأنسجته وخلاياه، وللنفس والروح والشعور والإدراك؟ أم يحدث التلف والعطب للجسم والأعضاء والأنسجة والخلايا عدا خلايا معينة يبدأ منها طور حياته الجديد بعد البعث والنشور، أما الروح فيبقى لها نوع حياة تستطيع معه أن تحس وتدرك وتشعر بالنعيم أو بالعذاب مع خلايا الجسد الميتة أو بدونها؟ وهل… وهل…وهل…؟ أسئلة كثيرة حائرة لمرحلة حرجة جداً من مراحل الوجود الإنساني على هذه الأرض.
ولقد حاول العلماء والأدباء والفلاسفة في هذا العصر ـ وفي كل العصورـ أن يجدوا لهذه الأسئلة جواباً شافياً ولكن لم يجدوا هذا الجواب، حتى بعد استخدامهم لوسائل علمية روحانية تجريبية، كالاستعانة بالأشخاص من ذوي الموهبة الفطرية والقابلية المدهشة على التخاطر والتخاطب الروحي، أو الاعتماد على رؤى بعض الأشخاص الموثقين ورؤيتهم فيها لأحوال بعض المتوفين حديثاً، أو الاستماع إلى تجارب البعض من الذين شارفوا على الموت ثم أنقذت حياتهم بعد ذلك بسبب إجراءات الإسعاف والإنعاش الطبي أو بغيرها من الأسباب. ولكن هذه الطرق والوسائل، كما يبدو للفاحص المتبصر، قد تعطينا بعض التصورات والأفكار للأجوبة على الأسئلة السابقة، وقد تورث لدينا الظن والتخمين، ولكن لا تصل بنا إلى اليقين التام والإيمان العميق والتسليم والإذعان الكاملين للحقيقة المطلقة التي ما بعدها ريب ولاشك ولا يحصل معها المراء والجدال.
ومن رحمة الله بنا نحن البشر، ومن مظاهر تكريم خالق الكون والسماوات والأرض والمخلوقات لبني جنسنا، واستجابة منه جل جلاله، وكما عودنا، لأدعيتنا الفطرية بلسان الحال والمقال بأن يجيبنا على تلك الأسئلة المصيرية الحائرة، بطريقة تورث فينا اليقين والإيمان والتسليم الكامل المطلق…
وإليك الجواب الذي ما بعده جواب…
أرسل الله سبحانه وتعالى رسلاً إلى الناس وكان خاتمهم رسول الإسلام نبي الله محمد وأيده الله سبحانه وتعالى بآيات وبينات وأدلة على نبوته ورسالته وصدقه فيما ادعى وأخبر، ومن هذه الآيات والبينات والأدلة:
بشارات ونبوءات وأخبار الكتب السابقة لبعثة النبي محمد صلى االله عليه وسلم كالتوراة والإنجيل وشهادة الأحبار والرهبان في زمانه. شمائله وسيرته وأخلاقه وفضائله التي لا يمكن أن تكون إلا لنبي مرسل من عند الله ولصادق مصدوق. خوارق العادات التي جرت على يديه والتي رآها أصحابه وأهل زمانه ونقلت إلينا بالتواتر. إخباره بأمور غيبية مستقبلية صدقها الزمن وجاءت كما أخبر، وتحدثه عن أخبار وأحداث وقصص سابقة لزمانه ولم يتعلمها من أحد من البشر. الشريعة السمحة الغراء التي أتى بها، والتي لم تدع خيراً إلا دعت إليه ولم تدع شراً إلا نهت عنه، بشهادة الأعداء والمخالفين قبل الأصدقاء والموافقين.
شهادة التاريخ، وذلك بتغييره ( صلى االله عليه وسلم) لحركة التاريخ وقلب موازين القوى العالمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية في زمانه صلى االله عليه وسلم ، وخلال مدة من الزمن قصيرة جداً. شهادة الآلاف بل الملايين من الناس الذين صدقوه واتبعوه وشهدوا بأنه نبي مرسل من عند الله وأنه هو الصادق المصدوق، من زمن بعثته محمد صلى االله عليه وسلم والى الآن، ومن مختلف الأجناس والأعراق والبلاد ومختلف مستويات العقول والاتجاهات والمشارب والمهن والحرف والاختصاصات. المعجزة الكبرى والآية العظمى الباقية إلى يوم القيامة، القرآن الكريم، بمختلف نواحي إعجازه البلاغية والموضوعية والعلمية، هذا بالإضافة إلى قوة تأثيره في الناس، وجدته الدائمة، وكلامه الفريد الذي لا يقارن بأي كلام ولا يشبه أي بيان بشري، والروح الإلهية المتجلية فيه.
فثبت بطريق اليقين أن ما يخبر به هذا النبي هو الحق البين الواضح والصدق المطلق، بعد أن نتثبت ونتأكد بأنه هو الذي قد أخبر به فعلاً وأن النقل عنه صحيح وثابت بالتواتر.
وهذا النبي الكريم قد أخبرنا في حديثه الصحيح الذي يرويه لنا الصحابي الجليل البراء بن عازب رضي الله عنه حيث قال:
( خرجنا مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة، وجلسنا حوله، وكأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض، فجعل ينظر إلى السماء، وينظر إلى الأرض، وجعل يرفع بصره ويخفضه ثلاثاً، فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر، مرتين أو ثلاثاً، ثم قال: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر) "ثلاثاً" ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة (وفي رواية: المطمئنة)، أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها، (وفي رواية: حتى إذا خرجت روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض، وكل ملك في السماء، وفتحت له أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم). فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط، فذلك قوله تعالى: ((توفته رسلنا وهم لا يفرطون))، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها فلا يمرون ـ يعني بهاـ على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين ((وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون))، فيكتب كتابه في عليين، ثم يقال: أعيدوه إلى الأرض، فإني وعدتهم إني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فيرد إلى الأرض، وتعاد روحه في جسده، قال: فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه مدبرين، فيأتيانه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله ، فيقولان له: وما عملك؟ فيقول قرأت كتاب الله، فآمنت به وصدقت، فينتهره فيقول: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، فذلك حين يقول الله عز وجل: ((يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا))، فيقول ربي الله، وديني الإسلام، ونبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فينادي مناد في السماء أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره، قال: ويأتيه (وفي رواية: يمثل له) رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، أبشر برضوان من الله وجنات فيها نعيم مقيم، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: وأنت فبشرك الله بخير، من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح (فوالله ما علمتك إلا كنت سريعاً في إطاعة الله، بطيئاً في معصية الله، فجزاك الله خيراً)، ثم يفتح له باب من الجنة، وباب من النار، فيقال: هذا منزلك لو عصيت الله، أبدلك الله به هذا، فإذا رأى ما في الجنة قال: رب عجل قيام الساعة، كيما ارجع إلى أهلي ومالي، فيقال له: أسكن.
قال: وإن العبد الكافر (وفي رواية: الفاجر) إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة (غلاظ شداد)، سود الوجوه، معهم المسوح (من النار) فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود (الكثير الشعب) من الصوف المبلول (فتقطع معها العروق والعصب)، فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض، وكل ملك في السماء، وتغلق أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط)) فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين، في الأرض السفلى، (ثم يقال: أعيدوا عبدي إلى الأرض، فإني وعدتهم أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى)، فتطرح روحه من السماء طرحاً، حتى تقع في جسده، ثم قرأ: ((ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق))، فتعاد روحه في جسده، (قال: فأنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه). ويأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان: فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فلا يهتدي لاسمه، فيقال: محمد! فيقول: هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون ذاك، قال: فيقال: لا دريت ولا تلوت، فينادي مناد من السماء، أن كذب، فافرشوا له من النار، وافتحوا له باباً من النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه (وفي رواية: يمثل له) رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: وأنت فبشرك الله بالشر، من أنت فوجهك الوجه يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، (فوالله ما علمت إلا كنت بطيئاً عن طاعة الله، سريعاً إلى معصية الله، فجزاك الله شراً)، ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يديه مرزبة لو ضرب بها جبل كان تراباً، فيضربه ضربة حتى يصير بها تراباً، ثم يعيده الله كما كان، فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين، ثم يفتح له باب من النار ويمهد من فرش النار، فيقول: رب لا تقم الساعة ) (حديث صحيح أخرجه ابو داود والحاكم والطيالسي واحمد).
هذا هو الجواب الحق… وهذا هو المصير المحتوم لكل إنسان على وجه الأرض منذ بدء الخليقة وإلى الآن… فهل يمكن أن يدعي مدعي فيقول: أنا سوف لن أصل إلى هذه النتيجة، ولن ألاقي هذا المصير، ولن تمر بي هذه الحوادث الجسام والأمور العظام؟! وما هو الدليل الذي سيقدمه لنا على صدق ادعاءه هذا؟! وهل سيصمد دليله ـ إن وجد ـ لو عرضناه أمام الأدلة القطعية والبراهين المنطقية التي سقناها آنفاً؟! نعتقد بعد هذا البيان، أن الحق قد ظهر، وأن الصدق قد تجلى… فلنحاول أن نستفيق من رقادنا، ونتفكر في مصيرنا، وما يستلزمه ذلك من الاستعداد والتأهب.