موضوع: خصائص الشعر الصوفى الخميس مارس 19, 2009 7:00 am
خصائص الشعر الصوفى
الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن ، وصلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد سيد المرسلين وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين. أما بعد ظلَّ الشعرُ دوماً ، مَعيناً يرده الصوفية للارتواء من نبعِ التعبير الصادق ، وأداةً مناسبة لتصوير أدق حقائق الطريق .. تلك الحقائق التى تلوح لقلوب أتقياء هذه الأمة فى ارتحالهم الذوقى لمنابع النور الإلهى ، سيراً بأقدامِ الصدق والتجردُّ عن الأكوان وطيراً بأجنحة المحبَّة ، لاختراق سماوات الأحوال والمقامات .. حتى تحطَّ عصا الترحال والسفر ، عند خيام القرب من الله . وكناَّ قد انتهينا من النظر فى الآثار الصوفية ، إلى القول بأنَّ هناك ثلاثة أشكالٍ رئيسة ، عبَّر خلالها أصحاب الطريق الصوفىِّ عن أدقِّ رقائقهم وحقائقهم، وعَبَروا بها تلك الإشكالية الكامنة فى عجز اللغة العادية وقصورها عن ترجمة هذه المعانى بدقة ، فكانت هذه الأشكالُ التعبيرية : الكتابة النثرية بألفاظٍ اصطلاحية موغلة فى الاستغلاق ، القصص الرمزى المفعم بالتلويحات ، الشعر الصوفى. وتأتى ضرورة بحث هذه الأشكال التعبيرية الثلاثة ، من كونها السبيل الوحيد لفهم التصوف وطريق الولاية بعمق ، وإن كانت للشعر أهمِّيته الخاصة بين هذه الأشكال الثلاثة .. فهو من حيث طبيعته ، وبما يتميز به من ايجازٍ لفظىٍّ ودلالةٍ رحبة ، خليقٌ بأن يُلْمَحَ به الصوفىُّ إلى مكاشفاتِ الوصول ومشاهداتِ الولاية، دونما إسهاب من شأنه أن يوقع أهل التحقيق فى مزالق اللغة ومضايق الفهم ومشانق الفقهاء القشريين ! ومن هنا قال الصوفى فى شعره ، مال لم يقله فى كلامه لأهل زمانه . ولما كان الشعرُ الصوفىُّ فى أبياته القصار وقصائده المطولة على هذه الدرجة من الأهمية ، ولما كان الصوفية قد ارتضوه قالباً تعبيريّا منذ فجر التصوُّف وحتى اليوم ، ولما كنَّا بصدد تقديم نموذجٍ منه فى هذا الديوان ، ولأنه فى خاتمة المطاف : نمطٌ مستقل من الانتاج الشعرى ، فالمقام يقتضى أن نتوقَّفَ حِيناً لتحديد الخصائص العامة التى يتميز بها هذا اللون الشعرى : إن أولى خصائص الشعر الصوفى وأبرزها ، هو ما يتعمده الشاعر فى سلوك سبيل الرمز والكناية وضرب الأمثال ، ليحمل البيت الشعرى بين طياتِ تفعيلاته ، ما لاحصر له من الدلالات الخاصة ، وهذا ما يصرِّح به شعراء الصوفية أنفسهم ، فنجد منهم عبد الكريم الجيلى يفصِّل الأمر بقوله:
ورموز الشعر الصوفى ، هى ذاتها تلك الاصطلاحاتُ التى تواضع القومُ على التحدُّث بها لكشف معانيهم لأنفسهم ، والتى عنى بعض مشايخهِم بالكشف عن دلالاتها للمريدين خلال قائمةٍ طويلة من المؤلَّفات فى هذا الباب ، كالرسالة القشيرية ، واللمع ، وكشف المحجوب ، وكتابىْ (اصطلاحات الصوفية) لابن عربى والقاشانى . وأبرزُ هذه الرموز وأكثرها وروداً فى الغالب الأعمِّ من شعر الصوفيةِ، هو إشاراتُهم للذَّات الإلهية بمحبوبات العرب المشهورات ، مثل ليلى وهند وسلمى ولبنى .. وغيرهن . فمن ذلك ما نراه عند عفيفِ الدين التلمسانى حين يريد التعبير عن رؤيتِه لآثار جمال الذات الإلهية فى الكون ، فيقول:
وهذا الاشتقاقُ الرمزىُّ يرجع فى المفهوم الصوفىِّ ، إلى كَوْنِ كلِّ مظاهر الحسنِ فى الوجود ، إنما هى تجلياتٌ للجمال الإلهى الذاتى ، فتلك المحبوبات العربيات لايتعدَّين كونهنَّ إشارةً حسِّية باهتةً للجمال الأزلى ، هذا الجمال الذى اشتركْن فيه بحسنِهنَّ ، وتواضعهنَّ عنه بتعالى جمال الذات عنهنَّ علوّاً كبيرا . يقول ابن الفارض :
إلا أنَّ هذه الرموز ليست بحالٍ من الأحوال مسوِّغاً للوقوف عند هذه المظاهر والوجود المستحسنة ، وإنما هى محضُ تلويحاتٍ يوهم بها الصوفىُّ العامَّةَ بأنَّ محبوبه إنسانىٌّ ، صوناً لسرِّ محبته من الشيوعِ فى غير أهله ، وإشفاقاً على السامعين من أهل السلامة أن يفتتنوا بصريح أقواله . وعلى الحقيقة، فليس للصوفى توقف ولا كلام ، إلا فى محبة مولاه عز وجل ، ولهذا ارتاع ابن عربى حين سمع من مريديه أن ديوانه (ترجمان الأشواق) حمل على المعنى الظاهر ، وأنه اتُّهم بغزل ابنة شيخه تصريحاً .. فشرح ديوانه شرحاً ذوقيّاً ، منه قوله :
وبطبيعة الحال ، فالشاعر الصوفى لم يكن ليلجأ إلى المهجور من البحور الشعرية ليعبّر بها ، فذلك بالنسبة له تكلف لاطائل تحته . فالصوفى لايرمى إلى الإِبهار اللغوى ولزوم ما لايلزم ليُسعد به الفصحاء ، وإنما هو فى نهاية الأمر يترجم بالأبيات معنىً عاينه عند فيضان الوجد . وأخيراً ، فثمة خاصية يمكن اعتبارها سمة مميزة فى الشعر الصوفى ، تتمثَّل فى هذا الحشد الوافر من الأبيات المجهولة المؤلف . ففى الكتب المتون التى أرخت للتصوف ورجاله فى القرون الأولى ، تتوالى المقطوعات الشعرية المجهولة المؤلف، مسبوقة بكلمات مثل : وقال بعضهم ، وأنشد فى معناه ، ولله در القائل ، وقيل .. إلخ بل نراهم أحيانا ينسبون عددا من الأبيات لغير واحد من أهل الطريق . ومن أمثلة ذلك ، الرباعية الشهيرة (أُحِبُّكَ حُبَّيْنِ ..) التى نسبتها بعض الكتب إلى رابعة العدوية ، وذكرتها كتب أخرى عند تَرجمة صوفى متأخر عليها بسنواتٍ عِدَّة، هو ذو النون المصرى .. ومن الأمثلة أيضاً، تلك الأبيات الرقيقة التى لم يُعرف حتى اليوم مؤلِّفها
تلك هى الخصائصُ العامة للتراث الشعرىِّ الذى تركه الصوفية ، وإذا كانت هذه الخصائص عامة ، فإنَّ من ورائها بعض السمات المميِّزة لكل شاعرٍ صوفىٍّ على حِدَّة . كهذا الولع بالتصغير والجناس الذى نجده فى شعر ابن الفارض وجمود اللفظ وتوالى المترادفات عند ابن عربى والخيال الواسع ورقة التصوير عند عفيف الدين التلمسانى والتدفق الإبداعى عند جلال الدين الرومى.. وغير ذلك ؛ إلا أن هذه السمات الخاصة بأبيات كل شاعرٍ منهم ، لاتخرج عن الخصائص العامة للشعر الصوفىِّ ، وإنما تنضاف إليها.
المصدر: موقع الدكتور يوسف زيدان للتراث والمخطوطات
اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح بك ما أغلق على غيره من معرفتك و على آله و صحبه و سلم تسليما
اللهم صلي علي سيدنا محمد نور الانوار وبحر الاسرار وعلي اله وصحبه وسلم
نحن قـوم لنا *** في المعاني أسرار الهوى طبعنا *** و الولوع و الأذكار الطرب و الغنا *** به تزول الأغيار لا تكثر كلام *** سكرنا ينفعنا عن طباع العوام *** العذار ا خلعنا
خمرنا خمر المعاني * عتقت من قبل ادم ولها نحن نعاني * من زمان قد تقادم
دا الشراب له اواني * لايدقه من هو جاهل الا من يدري المعاني * ويكن بالحب واصل افن ترقى كل فان * حتى تاتيك الرسائل افرح ياروحي بروحي* لاحت الانوار عليا انا محبوبي دعاني * نغثنم ساعة هنيا