ما أحوج كل مسلم-وخاصة في هذه العصور التي تزداد فيها المحن على المسلمين- إلى أن يرتقي بنفسه, ويقوي ثقته بربه. ولا دواء لذلك أشد تأثيراً من تدبر آيات الله تبارك وتعالى, ومطالعة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والإطلاع على ما كتبه العلماء والعارفون من منظوم ومنثور. ومن هذه المكتوبات التي لها أثر كبير في الارتقاء بنفس قارئها "قصيدة المنفرجة "لأبي الفضل يوسف بن محمد بن يوسف التوزري المعروف بابن النحوي، المتوفى سنة 513هجرية. هذه القصيدة التي نالت اهتمام علماء هذه الأمة وعارفيها, حتى قالوا: إنها من المجربات لتفريج الكروب. وقالوا: ما دعا بها أحد إلا استجيب له. ويقول الامام الاندلسي ابن النحوي في قصيدته المنفرجة أو الفرجة بعد الشدة:
إشتـدي أزمـة تنفرجـي * قـد آذن ليلـك بالبـلـج
وظلام الليـل لـه سـرج * حتى يغشاه أبـو السـرج
وسحاب الخير لـها مطـر * فإذا جـاء الإبـان تجـي
وفوائـد مولانـا جـمـل * لسروح الأنفـس والمهـج
ولهـا أرج محـي أبــدا * فاقصـد محيـا ذاك الأرج
فلربمـا فـاض المحـيـا * بحور الموج مـن اللجـج
والخلق جميعـا فـي يـده * فذوو سعـة وذوو حـرج
ونزولـهـم و طلوعـهـم * فإلـي درك وعلـى درج
ومعايشهـم و عواقبـهـم * ليست في المشي على عوج
حكم نسجت بيدي حكمـت * ثـم إنتسجـت بالمنتسـج
فإذا اقتصدت ثم انعرجـت * فبمقتـصـد وبمنـعـرج
شهـدت بعجائبهـا حجـج * قامت بالأمر على حجـج
ورضا بقضـاء الله حجـا * فعلـى مركوزتـها فـعـج
وإذا انفتحت أبواب هـدى * فاعجـل لخزائنهـا ولـج
فـإذا حاولـت نهايتـهـا * فاحذر إذ ذاك من العـرج
لتكـون مـن السـبـاق * إذا ما جئت إلى تلك الفرج
فهنـاك العيـش وبهجتـه * فلمبتـهـج ولمنـتـهـج
فهج الأعمـال إذا ركـدت * فإذا ما هجـت إذن تهـج
ومعاصـي الله سماجتهـا * تزدان لذي الخلـق السمـج
ولطاعتـه و صباحتـهـا * أنـوار صبـاح منبـلـج
من يخطب حور الخلد بهـا * يظفـر بالحـور والفنـج
فكن المرضي لهـا بتقـى * ترضاه غدا وتكون نجـي
واتلوا القرآن بقلب ذي حزن * وبصـوت فيـه شـجـي
وصلاة الليـل مسافاتهـا * فاذهب بها بالفهـم وجـي
وتأملـهـا ومعانـيـهـا * تأت الفـردوس و تفتـرج
واشرب تسنيـم مفجرهـا * لا ممتـزجـا وبمـتـزج
مدح العقـل الأتيـه هـدى * وهوى متون عنـه هجـي
وكـتـاب الله رياضـتـه * لعقـول الخلـق بمنـدرج
وخيـار الخلـق هداتهـم * وسواهم منه همـج الهمـج
فإذا كنت المقدام فلا تجزع * في الحـرب مـن الرهـج
وإذا أبصرت منار هـدى * فاظهر فردا فـوق الثبـج
وإذا اشتـاقـت نـفــس * وجدت ألما بالشوق المعتلج
وثنايا الحسنـا ضاحكـة * وتمام الضحك على الفلـج
وعياب الأسرار إجتمعـت * بأمانيهـا تحـت السـرج
والرفـق يـدوم لصاحبـه * والخرق يصير إلي الهرج
صلوات الله على المهـدي * الهادي الناس إلـي النهـج
وأبي بكـر فـي سيرتـه * ولـسـان مقالـتـه اللهج
وأبـي حفـص وكرامتـه * وفي قصته سارية الخلـج
وأبي عمـر ذي النوريـن * المستحي المستحي البهـج
وأبي حسن فـي العلـم إذا * وافـى بسحائبـه الخلـج
وعلى السبطيـن وأمهمـا * وجميـع الآل بمندرج
وعلى الأصحاب بجملتهـم * و قُفَاتُ الأثْرِ بلا عِوَجِ