الوصول إلى الشيخ الكامل
الوصول إلى الشيخ الكامل
السؤال
كيف السبيل إلى الوصول لشيخ مرب كامل ؟ أفيدوني رحمكم الله .
الجواب
البحث عن الشيخ المربي الكامل هي توفيق من الله عز وجل يختص برحمته من يشاء ، فمن أراد الله له ذلك الخير العميم دله على ذلك الشيخ . وكما قال شيخنا الشيخ حسني الشريف حفظه الله في كتابه الدلالة النورانية :
والصحبة أمر مطلوب في المسير إلى الله تعالى، وقد حث الله تعالى عليها حين قـال يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119 التوبة) والصادقون هم نخبة مختارة في المجتمع المسلم ذكرهم الله تعالى بقوله مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ (23 الأحزاب) ، ثم خاطب الله نبيه ليعلمنا ويرشدنا فقال وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ (15 لقمان)، ثم يبين الله تعالى خسران وضلال الظالمين الذين لم يتخذوا لأنفسهم صاحب صـدق، وإنما اتخذوا رفـاق وأخلاء السوء قال تعالى وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وسيدنا محمد صلى الله علية وسلمانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً (27-29 الفرقان).
ولننظر إلى الإمام أبي حامد الغزالي يحدث في هذا الأمر قائلاً: "الدخول مع الصوفية فرض عين إذ لا يخلو أحد من عيب أو مرض إلا الأنبياء عليهم السلام". ويقول رحمه الله في الجزء الثالث من «الإحياء» ص 60 "يحتاج المريد إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة، ليهديه إلى سواء السبيل فإن سبيل الدين غامض، وسبل الشيطان كثيرة ظاهرة، فمن لم يكن له شيخ يهديه، قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة، ويكون المستقل بنفسه كالشجرة التي تنبت بنفسها فإنها تجف على الأرض، وإن بقيت مدة وأورقت لم تـثمر، وإن أثمرت فمرٌ ثمرها، فليعتصم المريد بشيخه وليتمسك به".
وهذا ابن عطاء الله السكندري يقول: "وينبغي لمن عزم على الاسترشاد وسلوك طريق الرشاد أن يبحث عن شيخ من أهل التحقيق سالك للطريق، تارك لهواه، راسخ القدم في خدمة مولاه، فإذا وجده فليمتثل أمره ولينـته عما نهي عنه وزجر". اهـ
أما كيف يصل الإمرء إلى ذلك الخبير الكامل فأقول وبالله التوفيق :
1. صدق التوجه لله تعالى بهذا الطلب بأن يكون القصد من ذلك تزكية النفس وإصلاح القلب وسلوك طريق الآخرة حتى يكون القلب أهلاً لنظر الله تعالى . لا أن يكون قصده الوصول إلى الكرامات وخوارق العادات مثلاً .
2. الإلحاح في الدعاء لله تعالى بأن يدلنا على من يدلنا عليه . فإن الله يحب العبد اللحوح .
3. التقرب إلى الله بالطاعة والنوافل ، فقد جاء في الحديث ( مازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ) . وإذا أحب الله عبداً دله على من يدله عليه .
3. البحث عن الشيخ المربي الكامل بكل الوسائل من سؤال أهل الله من العلماء العاملين وسؤال الأصحاب المخلصين والإخوان الصادقين حتى دون أن تفتر عزيمتك عن هذا الأمر حتى يرشدك الله إليه .
4. إبحث عن الشيوخ الذين مزجوا علمهم بالعمل ولا تبحث عن الذين علموا فقالوا ولم يعملوا ، وليكون ضابطك في ذلك ميزان الشرع الحنيف فما وصل من وصل إلا باتباع شرعة أحمد ، يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني قدست أسراره في كتاب «الفتح الرباني» في المجلس التاسع والثلاثين : "اتبع الشيوخ العلماء بالكتاب والسنة العاملين بهما، وأحسن الظن بهم وتعلم منهم وأحسن الأدب بين أيديهم والعشرة معهم فقد تفلح، وإذا لم تـتبع الكتاب والسنة ولا الشيوخ العارفين بهما، فما تفلح أبدا.
5. وعندما تجده إبحث في صفاته التي ذكرها شيخنا الشيخ حسني الشريف في كتابه الدلالة النورانية حيث قال واصفاً المربي الكامل : ينيبُ إلى دار الخلود وتجري عليه صورةُ المجاهدةِ والمعاملةِ من غيرِ مكابدةٍ ولا عناء، بل بلذاذةٍ وهناء، ويصيرُ قالبه بصفةِ قلبه لامتلاء قلبِه بحب ربه، يلينُ جلدهُ كما لان قلبه، والدليلُ على لين جلده إجابةُ أعضائِه وقالبه بالطاعة كإجابة القلب باللين والخشوع والإنابة. فيزيده الله ويحبه ويمنحه بإرادة خاصة ويرزقه محبةً توصله لدرجةِ السابقين المقربين قال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ(23 الزمر). فأخبر تعالى أن الجلود تلينُ كما القلوب تلين. والوارث المحمدي أهـل للإقتداءِ، وعليه وقار الله وبه يتأدب المريدونَ ظاهراً وباطناً. قـال تعـالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ (90 الأنعام). وقال أيضاً: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا (24 السجدة). وهكذا جعلَهم الله أئمةَ المتقين. قال صلى الله عليه وسلم حاكياً عن ربه (إذا كان الغالب على عبدي الاشتغال بي جعلت هِمَتَه في ذكري، عشقني وعشقته ورفعت الحجَاب فيما بيني وبينه لا يسهو إذا سها الناس، أولئك كلامهم كلام الأنبياء، أولئك الأبطال حقاً، أولئك الذين إذا أردت بأهل الأرض عقوبةً ذكرتهم فيها فصرفته بهم عنهم).
6. وإذا وصلت إلى شيخك وعلمت بعقلك وبالأدلة الشرعية أنه هو الذي تبحث عنه ، واطمأن قلبك بدون شك أنه الشيخ المربي الكامل ، تأدب معه غاية الأدب حتى لا يحرم نفعه وعلاجه لآفات نفسه . يقول شيخنا حفظه الله أن أدب المريد مع الشيوخ عند الصوفية من أهم الآداب، وللقوم في ذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وقد قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
ومن الأدب ألا يكتم على الشيخ من حاله ومواهب الحق عنده وما يظهره له من كرامة وإجابة، ويكشف للشيخ من حاله ما يعلمه الله تعالى منه، وما يستحيي من كشفه يذكره إيماءاً وتعريضاً، فإن المريد متى انطوى ضميره على شيء، لا يكشفه للشيخ تصريحاً أو تعريضاً، يسير على باطنه منه عقدة في الطريق. وبالقول مع الشيخ تنحل العقدة وتزول.
ومن الأدب أن لا يقوم بصحبة الشيخ إلا بعد علمه بأن الشيخ قَيِّم بتأديبه وتهذيبه، وأنه أقوم بالتأديب من غيره. ومتى كان عند المريد تطلع إلى شيخ آخر، لا تصفو صحبته، ولا ينفذ القول فيه، ولا يستعد باطنه لسراية حال الشيخ إليه، فإن المريد كلما أيقن تفرد الشيخ بالمشيخة عرف فضله وقويت محبته.
ومن الأدب مع الشيخ أن المريد إذا كان له كلام مع الشيخ في شيء من أمور دينه ودنياه، لا يستعجل بالإقدام على مكالمة الشيخ والهجوم عليه، أي الاندفاع تجاهه، حتى يتبين له من حال الشيخ أنه مستعد له ولسماع كلامه، ومتفرغ لقوله. عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه). فاحترام العلماء توفيق وهداية، وإهمال ذلك خذلان وعقوبة.
ولابد من الإشارة إلى آداب أخرى. فعلى المريد أن يُكنّ لشيخه كل احترام وتقدير، كونه المربي للروح، والدّال على الله تعالى، وصلة الوصل لأهل الله حتى رسول الله. لكن دون الوصول في هذه المحبة إلى الغلو المرفوض. كأن يُخْرِج شيخه عن طور البشرية، أو عن طور الولاية، فيعتقد فيه العصمة وهي للأنبياء لا للأولياء. لأن الشيخ وإن كان على أكمل الصفات، فهو غير معصوم. وإن كان من أهل المشاهدة الذين لا يقعون في المعاصي، إذ قد تبدو منه الهفوات والزلات، وغالباً ما تكون هذه الهفوات ظاهرها يخالف الشرع، وباطنها لا يخالف، كقصة سيدنا الخضر مع سيدنا موسى، وغالباً ما تجري الابتلاءات والامتحانات على يد الأولياء. فالمريد إذا اعتقد بشيخه العصمة المطلقة، ثم رأى منه ما يخالف ذلك وقع في الاضطراب والحيرة. فعلى المريد أن يستسلم لشيخه كما الميت بين يدي المغسِّل. ولا يقال بأن هذا انقيادٌ أعمى ينافي حركة العقل والحرية للمرء، لأن ذلك من باب التربية والعلاج. إذ هل يعقل أن يدخل مريضُ الجسدِ إلى طبيب الجسد متشككاً مضطرباً أم أنه يدخل إليه مستسلماً ويقبل علاجه ودواءه ونصحه ويسلم به.. دون أن يتهم بتخليه عن عقله!؟. كذلك طبيب الروح، لا بد وأن تسلم لنصحه ووعظه ودوائه وعلاجه، كي تظفر بالشفاء من العيوب، وهذا لا يتنافى مع دور العقل فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماًالنساء65.
ثم إني أُحذر السالك من الاعتراض على شيخه وفتح باب النقد لتصرفاته، لأن هذا يقطع المدد الروحي بينهما. وليحرص على إغلاق منافذ الشيطان الذي يسعى دوماً لإيقاع العداوة بينهما. فإذا دخل على السالك إِشكال أو ريبة من شيخه، فليحسن الظن بشيخه، وإلا فاتحه في الأمر وسأله بأدب واحترام. قال أبو العباس المرسي رحمه الله: تتبعنا أحوال القوم فما رأينا أحداً أنكر عليهم ومات بخير. وقال الشيخ عبد القادر الجيلاني قدست أسراره: من وقع في عِرض وليٍ، ابتلاه الله بموت القلب. ومصداق ذلك هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب..). قال محمد بن حامد الترمذي: من لم ترضه أوامر المشايخ وتأديبهم، فإنه لا يتأدب بكتابٍ ولا سنة.
والله ورسوله أعلم .
المصدر: موقع الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية
http://www.daraleman.org/left1_faq/answers.asp?ID=43#2