عادل محمد زايد
عدد المساهمات : 4107 تاريخ التسجيل : 30/01/2009 العمر : 38 الموقع : المشرف علي المنتدي
| موضوع: مصادر التصوف الإسلامي الأحد مارس 08, 2009 8:00 pm | |
| مصادر التصوف الإسلامي يقول الدكتور عبد الحليم محمود : يحاول المستشرقون ، وغيرهم من الذين يكتبون في التصوف الإسلامي ، رد الحياة الروحية الصوفية في الإسلام إلى مصدر أجنبي بحت ، هندي ، أو يوناني .. الخ ، أو إلى عدة مصادر ، منها القرآن ، أو حياة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم . ويحاول بعضهم أن يظهر بمظهر الاعتدال ، فيرى أن العامل الأول في نشأة التصوف ، إنما كان القرآن وحياة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ومنهما استمد التصوف بذوره الأولى ، ثم كانت الثقافة الأجنبية – هندية ، أو يونانية ، أو فارسية ، أو مسيحية هي التي أثرت فيه وجعلته يتطور ، وهي التي أمدته من الآراء بما زعموا أنه بعيد عن روح الإسلام وطبيعته . ورغم أن الأستاذ ( لويس ماسينيون ) يقول في صراحة : « أما دراسة مصادر التصوف ، فإن الشقة بيننا وبين استكمالها ما زالت بعيدة » ، فإن المستشرقين ، ومن نهج نهجهم يحاولون جاهدين أن يعزوا التصوف إلى مصدر معين ، أو إلى مصادر مختلفة يشترك فيها المصدر الإسلامي ، أو لا يشترك . والتصوف إذن على رأي بعضهم : « مذهب دخيل في الإسلام مأخوذ أما من رهبانية الشام ، وهو رأى ( ميركس ) ، وإما من أفلاطونية اليونان الجديدة ، وإما من زرادشتية الفرس ، وإما من فيدا الهنود ، وهو رأى جونس » . ويأخذ المستشرقون في مناقشة بعضهم البعض ، وهدم بعضهم البعض ، بل إن الشخص الواحد منهم يغير رأيه ، فيختلف باختلاف فترات حياته ، فالمستشرق ( ثولك ) مثلاً يذهب في أول حياته إلى أن التصوف الإسلامي إنما هو مأخوذ عن أصل مجوسي . ثم يعدل عن ذلك إلى الطرف المقابل : ويرى أن ( التصوف ) وكل ما فيه من الأقوال المتطرفة يمكن الرجوع به إلى تعاليم الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وسيرته … فإن ما حدث لثولك ، هو نفسه ما حدث للمستشرق ( نيكولسون ) ، أنه يتحدث عن التصوف ، فيرجع نشأته إلى عوامل خارجة عن الإسلام ، عملت عملها ابتداء من القرن الثالث الهجري . وأهم هذه العوامل وأبرزها في نظره ، هو الأفلاطونية الحديثة المتأخرة والتي كانت شائعة في : مصر ، والشام ، إلى عهد ذي النون المصري ومعروف الكرخي . وإذا أردنا تصوير رأي نيكلسون بقلمه في هذه الفترة فإننا نراه يقول : « ولكني على يقين من أننا إذا نظرنا إلى الظروف التاريخية التي أحاطت بنشأة التصوف بمعناه الدقيق ، استحال علينا أن نرد أصله إلى عامل هندي ، أو فارسي ، ولزم أن نعتبره وليداً لاتحاد الفكر اليوناني ، والديانات الشرقية أو بعبارة أدق ، وليداً لاتحاد الفلسفة الأفلاطونية الحديثة ، والديانة المسيحية والمذهب الغنوصي » . ثم يتحول نيكلسون عن هذا الرأي ، حينما يكتب مادة التصوف في دائرة معارف الدين والأخلاق ، فيقول : « وقد عولجت مسألة نشأة التصوف الإسلامي ، حتى الآن معالجة خاطئة ، فذهب كثير من أوائل الباحثين إلى القول بأن هذه الحركة العظيمة التي استمدت حياتها وقوتها من جميع الطبقات والشعوب التي تألفت منها الإمبراطورية الإسلامية ، يمكن تفسير نشأتها تفسيراً علمياً دقيقاً بإرجاعها إلى أصل واحد : كالفيدانتا الهندية ، أو الفلسفة الأفلاطونية الحديثة ، أو بوضع فروض تفسير جانباً من الحقيقة ، لا الحقيقة كلها » . ويشرح الأستاذ ( لويس ماسينون ) فكرة ( نيكلسون ) الأخيرة فيقول : « وقد بين نيكلسون : أن إطلاق الحكم بأن التصوف دخيل في الإسلام غير مقبول ، فالحق أننا نلاحظ منذ ظهور الإسلام أن الأنظار التي اختص بها متصوفة المسلمين . نشأت في قلب الجماعة الإسلامية نفسها ، أثناء عكوف المسلمين على تلاوة القرآن والحديث وتقرئهما ، وتأثرت بما أصاب هذه الجماعة من أحداث ، وما حل بالأفراد من نوازل » . ويتابع الأستاذ ماسينون ، شرح فكرة نيكلسون ، فيقول : « على أنه إذا كانت مادة التصوف إسلامية عربية خالصة ، فمما لا يخلو من فائدة ، أن نتعرف على المحسنات الأجنبية التي أدخلت عليه ، ونمت في كنفه » . وفكرة نيكلسون هذه ، هي تقريباً نفس فكرة الأستاذ ماسينيون ، فماسينيون يرى ، أن التصوف لا يرجع إلى مصدر واحد ، وإنما يرجع أولاً إلى القرآن ، وهو أهم المصادر استمد منها التصوف نشأته وحياته . والمصدر الثاني ، هو : الحديث ، والفقه ، وغيرهما من العلوم العربية الإسلامية أما المصدر الأخير ، فهو : الثقافة العلمية الأجنبية العامة التي وجدت في البيئة الإسلامية ، في عهودها الأول . هذه الاختلافات الكثيرة ، التي استفاض فيها الكاتبون ، وكونوا فيها الفصول الطوال ، واستنفدوا فيها الجهد ، والتي لا تزال مع كل ذلك مستمرة لا تنتهي – ولا تريد أن تنتهي – إن دلت على شيء ، فإنما تدل على أن وضع المشكلة بهذا الوضع إنما هو خطأ من أساسه ، وهذا الخطأ في وضع المشكلة مفهوم السبب والعلة . لقد وقف الكاتبون من التصوف موقفهم من الثقافة الكسبية ، والثقافة الكسبية يأتي فيها التأثر ، والتطور ، والتقليد ، فالكاتب ، أو الشاعر ، أو المفكر على وجه العموم ، الذي يستمد ثقافته من البيئة الخارجية ، يتلون ويتشكل بما يقرأ ، وبما يدور حوله ، وبما يتشربه من بيئته ، ونتائجه ، إذن : إنما هو أثر لما دخل من البيئة الخارجية ، اللهم إلا إذا كانت له أصالته التي تسمو به عن أن يكون صدى للوسط الذي يعيش فيه . ولكن التصوف والصوفية ليسا من هذا الوادي . وإذا أردنا أن نتحدث في تحديد ودقة ، فإنا نرى أن المشكلة التي نحن بصددها تتفرع إلى أمرين : الاتجاه إلى الحياة الصوفية ، أو النـزعة إلى سلوك الطريق الصوفي . 2- الشعور الصوفي . أما فيما يتعلق بالاتجاه نحو السلوك الصوفي ، فله مؤثراته الداخلية البحتة ، وهي مؤثرات تتصل بالفرد من الناحية الداخلية أكثر من أن تتصل بعامل خارجي ، لا بد إذن من أن يكون الاستعداد الشخصي الفردي الفطري موجوداً مهيئاً ، ويكفي لأن يسلك عملياً هذا الطريق : كلمة ، أو فكرة ، أو إشارة ، أو حادثة من الحوادث ، فيأخذ فعلاً في سيره نحو الله تعالى وَقالَ إِنّي ذاهِبٌ إِلى رَبّي ( الصافات : 99 ) . هذا العزم المصمم ، الذي يتمثل في هذه الكلمة الكريمة ، لا بد له من الاستعداد الفطري ، الذي لا يغنى عنه فلسفة أفلاطونية ، ولا فيدانتا هندية ، ولا زراد شتية فارسية . وقد يكون المتجه إلى التصوف قارئاً للأفلاطونية الحديثة ، أو لا يكون ، وقد يكون على علم بعقائد الهند ، أو لا يكون ، فالمتخصص في الأفلاطونية الحديثة لا يفيده تخصصه هذا – لا ولا قلامة ظفر – في أن يكون صوفياً . وكذلك الأمر في المتخصص في عقائد الهند . وقد قرأ الإمام الغزالي كتب الصوفية أنفسهم ، ويحدثنا بذلك ، فيقول : « فابتدأت بتحصيل علمهم من مطالعة كتبهم ، مثل ( قوت القلوب ) لأبي طالب المكي رضي الله عنه وكتب الحارث المحاسبي ، المتفرقات المأثورة عن الجنيد ، والشبلي ، وأبي يزيد البسطامي قدس سره وغير ذلك من كلام مشايخهم ، حتى اطلعت على كنه مقاصدهم العلمية ، وحصلت ما يمكن أن يحصل عن طريقهم بالتعليم والسماع » . ولكن ذلك لم يجعل منه صوفياً ، ولم يكن الإمام الغزالي بهذه الكتب ولا بمطالعته لفلسفة اليونان ودراسته لها دراسة عميقة صوفياً ، ولكنه تبين أن أخص خواصهم – على حد تعبيره – ما لا يمكن الوصول إليه بالتعليم بل بالذوق والحال ، وتبدل الصفات . وليس التصوف إذن ثقافة كسبية تتأثر بهذا الاتجاه أو ذاك ، وإنما هو ذوق ومشاهدة ، يصل الإنسان إليهما عن طريق الخلوة ، والرياضة ، والمجاهدة ، والاشتياق بتزكية النفس ، وتهذيب الأخلاق ، وتصفية القلب لذكر الله تعالى … وهذا هو جوهر الشعور الصوفي . أخص خصائص التصوف : شعور لا يمكن التعبير عنه ، فإن الإنسان يصل فيه إلى درجات يضيق عنها نطاق الكتابة ، فلا يحاول معبر أن يعبر عنها ، إلا اشتمل لفظه على خطأ صريح ، لا يمكنه الاحتراز عنه . والذي لابسته تلك الحالة – على حد تعبير الإمام الغزالي – لا ينبغي أن يزيد على أن يقول : وكان ما كان مما لست أذكـره فظن خيراً ولا تسأل عن الخبـر
المشاهد الصوفية إذن ، ليست ثقافة كسبية ، وإذن لا يتأتى التحدث عن مصادرها الخارجية – أياً كانت هذه المصادر - ووضع المسألة – مسألة مصادر التصوف – إذن موضع البحث ، والنظر ، والدراسة : إنما هو وضع خطأ ، لا يفعله ، ولا يقوم به إلا من لا يفهم التصوف ولم يسهم في تذوقه بقليل ولا بكثير . والنتيجة التي نريد أن ننتهي إليها إذن هي : أن الاتجاه نحو التصوف ، والنـزوع إليه إنما هو فطرة واستعداد . أما الذوق الصوفي ، والمعرفة الصوفية فإنها استمداد من مصدر النور والهداية .
المصدر: من كتاب المنقذ من الضلال لحجة الإسلام الغزالي – ص 178 – 184 . [right] | |
|